الوقت- تفاجأ المجتمع المصري بقرار الرئيس "السيسي" بنقل ملكية جزيرتي تيران وصنافر إلى ملكية السعودية، وأثار هذا الخبر ضجة إعلامية كبيرة ليس فقط على المستوى المصري بل على مستوى الشارع الإسلامي والعربي أيضًا، وقد أدى هذا القرار إلى دخول مصر وحكومة "السيسي" في نفق جديد من التحديات، وخاصة بعد أن قام الأمن المصري باعتقال شخصيات مناهضة لقرار السيسي بالتنازل عن الجزيرتين.
القرار الذي اتخذه الرئيس المصري أحدث ضجة كبيرة في الشارع المصري، وبسبب هذا القرار خسر "السيسي" الكثير من المؤيدين له كالإعلامي "إبراهيم عيسى" والذي كان من المؤيدين والداعمين لحركة ٣٠ يونيو التي أطاحت بالرئيس اﻷسبق "محمد مرسي" ولكنه بعد قرار الجزر تخلى عن موقفه الداعم للسيسي وأصبح من المعارضين له، أو على الأقل من المعارضين للتنازل عن الجزرتين، وما الإعلامي "إبراهيم عيسى" إلا مثالا عن الكثير من الشعب المصري الذي يرى قرار التنازل بأنه قرار خاطئ ولا ينبع عن أصول وطنية وتفكرات قومية.
من الطبيعي أن يواجه "السيسي" معارضين للخطوة التي أقدم عليها، فكان من المتوقع أن تقوم مظاهرات رافضة للقرار، وأن تعلو الصيحات المخالفة، وكان على السيسي أن لا يقف في وجه هذه الأصوات، لسببيين، الأول أن يجب على "السيسي" أن يكون مختلفًا عمن سبقه من الرؤساء في التعامل مع الشؤون الداخلية حتى يحظى بتأييد واسع، والسبب الثاني الذي يستوجب التعامل مع المظاهرات والأصوات المعارضة بشكل مختلف هو أن هذه الأصوات وطنية بحتة، فهي لا تنادي بالطائفية، ولا تتبع تيارات دينية يحظرها السيسي، كل ما في الأمر أنها هناك أناس لازالون يسشعرون بالانتماء للوطن ولا يزالون يقدسون سيادة مصر وكرامة أرضها، وهذا أمر إيجابي جدًا ويبشر بالخير.
يحق للسيسي أن يقف في وجه الدعوات الطائفية داخل مصر، لا بل يجب عليه أن يقوم بذلك حفاظًا على أمن واستقرار البلاد، ويحق له أن يحارب التكفيريين، ومن حقه أيضًا أن يمنع التيارات الانفصالية، ولكن لا يحق له ولا الغيره أن يقف في وجه مطالب شعبية محقة تدعو لحفظ وحدة أراضي البلاد وسيادتها، بل على العكس يجب على السيسي وغيره من رؤساء الدول العربية وحكامها أن يقوموا بدعم روح الوطنية والاستقلال، والسعي لتعميمها ونشر أفكار حب الوطن داخل كافة طبقات الشعب.
إن تنمية الروح الوطنية يعتبر أهم طريقة للحفاظ على وحدة البلاد وتماسك الشعوب، كما أن الوقوف في وجه الأصوات الطائفية والعرقية لا يتم الا من خلال تنمية الانتماء للوطن وللأرض، لهذا فإن إضعاف الانتماء الوطني، والوقوف في وجه الدعوات الوطنية يمكن أن يتسبب بنشر التفرقة في البلاد، لأنه عندما يزول الشعور الوطني يطغى الشعور الديني والعرقي وهذا يجعل المجتمع على شفى انقسامات داخلية قد تودي إلى نشوب الحروب وانتشار الفوضى، وخاصةً أن بلادنا العربية والإسلامية تواجه مساعي ومحاولات عديدة لإعادة فرض الهيمنة واخضاع دولنا إلى الاستعمار من جديد.
القرار الذي اتخذه "السيسي" يتنافى مع الوعدود التي أطلقها في المحافظة على وحدة وسيادة الأراضي المصرية، وعلى أقل تقدير كان يجب أن يمر هذا القرار على استفتاء شعبي واسع، فالقرارات التي تمس الأمن الوطني ووحدة الأراضي لا يمكن أن تُتخذ بشكل منفرد، فلن تقدر مصر في المستقبل على استعادة الجزيرتين من السعودية بعد توقيع اتفاقية التنازل عن الجزيرتين، وستصبح القضية خاضعة للقوانين والأعراف الدولية وقد تفضي في المستقبل إلى نشوب توتر دائم بين الرياض والقاهرة كما يحصل الآن بين الصين واليابان بشأن الجزر المتنازع عليها.
إذا كان "السيسي" يملك الأدلة اللازمة والكافية والتي تشير إلى أن ملكية الجزيرتين تعود إلى السعودية فكان عليه أن يطرح هذه الأدلة على البرلمان وأن يتم مناقشتها بشكل دقيق، لا أن يقوم بشكل منفرد ومفاجئ بالتنازل عن الجزيرتين لصالح الرياض، فهذا ليس تنازل عن الأرض فحسب، بل تنازل عن السيادة المصارية مقابل المال، وهذا أمر خطير يرفضه الشعب المصري بالاجماع، وكل المظاهرات والأصوات المناوئة للسيسي هي أشارات خير توحي بأن المجتمع المصري لا يزال يؤمن بوحدة الأرض وحفظ السيادة وعدم الارتهان للدول الكبرى والدول صاحبة المال.
في النهاية يمكن التأكيد أن الخطر لا يكمن فقط في التنازل عن الجزيرتين، فالتنازل عن الفكر الوطني والقومي هوأخطر وأشد، ومسألة الوحدة الداخلية في مصر من أهم عوامل الاستقرار داخل المجتمع المصري، وخاصة أن مصر تواجه خطر الجماعات الإرهابية في سيناء، ولهذا يجب على الحكومة المصرية أن تكون أكثر حذرًا في معالجة المسائل الداخلية، ويجب أن يكون الهدف الأول من تحركات المسؤولين المصرين هو حفظ الوحدة الداخلية وتركيز دعائم الامن والاستقرار من خلال تنمية الروح الوطنية وتعزيز شعور الانتماء لجمهورية مصر العربية.