الوقت- بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على بدء تطبيق الاتفاق النووي بين إيران و مجموعة 5+1، اتخذت أمريكا منذ اليوم الأول للاتفاق منعطفاً معاكساً لجميع الأطراف الموقّعة عليه، حيث أخذت تنقل تدريجياً و بطرق ملتوية العقوبات التي كانت مفروضة على البرنامج النووي الايراني الى عقوبات تحت عنوان "البرنامج الصاروخي البالستي وحقوق الإنسان"، و ذلك بهدف الحفاظ على قدرتها على ممارسة لعبتها المفضلة أي السيطرة من خلال تحجيم قدرة إيران، والسعي إلى ليّ ذراعها، طالما أن الفرص سانحة لذلك.
لقد أعلن "أوباما" سابقاً أن العقوبات كانت تؤثر على إيران في البداية، لكن الوضع اختلف أخيراً. عدم جدوى العقوبات أكد عليها "آدم زوبين" نائب وزير الخزانة لشؤون مكافحة الإرهاب والاستخبارات المالية و الذي قال لمجلة فورين بوليسي الأميركية أن العقوبات الاقتصادية ليست الحل المناسب لكل أزمة في السياسة الخارجية، وأضاف أنه حتى لو أدت العقوبات تأثيرها المطلوب، فمن الممكن أن تترك آثارا جانبية سلبية. وأشار "زوبين" إلى أن الإفراط في فرض العقوبات يتسبب في تعقيد النظام المالي الأميركي الذي يعد شريان الاقتصاد العالمي، وأنه يجعله غير عملي بالنسبة للشركات الأجنبية التي ستسعى في نهاية المطاف لأساليب جديدة لممارسة الأعمال التجارية خارج أسواق الولايات المتحدة. و أكد أن الإفراط في اللجوء إلى العقوبات الاقتصادية قد يؤثر سلباً على اقتصاد الولايات المتحدة واقتصادات الدول الصديقة على المدى الطويل. فلماذا يستمر الأمريكيون بسياسة فرض العقوبات على ايران؟
بعد بدء تنفيذ الاتفاق النووي، في 17 كانون الثاني الماضي، فرضة الولايات المتحدة أكثر من مرة عقوبات على شركات ايرانية كان أخرها على شركتين في 24 مارس/آذار بحجة دعمها لبرنامج الصواريخ الباليستية. الأمر الذي لم يعد يتمثل في عقوبات على البرنامج النووي أو الصاروخي، انما أصبح من الواضح أن الادارة الأمريكية لم تغير من سياستها اتجاه ايران، و يعود فرض العقوبات الى استمرار حربها الاقتصادية على ايران عبر اخافة الأوروبيين و غيرهم وثنيهم عن التعامل مع طهران. و بناء عليه، واستناداً إلى ما يجري تداوله في الإعلام الأوروبي، يظهر أن الغموض والتلكؤ الأميركي عن تقديم إيضاحات، يشكل عقبة كبيرة أمام الشركات والمصارف الكبرى، وهو ما دفع عدداً من المديرين التنفيذيين في الشركات التجارية الكبرى، خلال قمة فايننشل تايمز العالمية للسلع، إلى مطالبة الولايات المتحدة بتوضيح موقفها من العقوبات على إيران. ولفت هؤلاء إلى أن شركاتهم لا تزال تنظر إلى إيران بعين حذرة، ومنهم الرئيس التنفيذي لشركة غونفور غروب، توربورن تورنغفيست، الذي قال إن "واشنطن لم تقم بأي جهد من أجل تسهيل أو توضيح ما يجري".
سلبيات العقوبات على الاقتصاد الأمريكي
على ما يبدو أن الادارة الأمريكية قد نجحت حتى الآن في اخافة الأوروبيين و غيرهم من التعامل مع ايران، و لكن على ما يبدو أنها لا تعلم مدى سلبيات هذه العقوبات على الاقتصاد الأمريكي، حيث حذّر وزير الخزانة الأمريكي "جاك ليو" من عواقب الإفراط باستخدام العقوبات على ايران معللاً ذلك بما تنطوي عليه من مخاطر قائلاً “إن فرط استخدام العقوبات قد يؤدي في النهاية إلى مغادرة النشاط التجاري للنظام المالي الأمريكي” وأن تطبيق "العقوبات الثانوية" – الموجهة إلى الأشخاص الأجانب الذين يتعاملون تجارياً مع دولة مستهدفة أو كيان مستهدف – من شأنه تعزيز هذا التهديد. وقد شاركه في هذا القلق السيد "هانك بولسون"، "سلف ليو" في منصب وزير الخزانة، وهي المخاوف التي ربما شكّلت أحد أسباب معارضة إدارة "أوباما" المبدئية للعقوبات المالية والنفطية التي أقرها الكونجرس ضد إيران.هذا فضلا عن السلبيات الأخرى التي تتمثل في الخطر من انتقام الحكومات الأجنبية وتوتر العلاقات الدبلوماسية وركود النشاط التجاري.
وأضاف أن إصرار أميركا على فرض العقوبات دون وجود دعم متعدد الأطراف يُعد أمرا يهدد بالضرر بمكانة الولايات المتحدة على الصعيد الدولي، ويؤدي لإضعاف سيادة النظام المالي الأميركي، الأمر الذي يتسبب في فقدان واشنطن لنفوذها الاقتصادي الذي كان السبب الأول في جعل العقوبات فعالة.
اذا، هي أمريكا كما هي، قبل الاتفاق النووي أو ما بعده، لم تتغيرو لن تتغير، ستبقى رأس الأفعى التي تمارس ارهاباً اقتصادياً و عسكرياً و تمارس لعبتها المفضلة "السيطرة " من خلال تحجيم قدرة إيران، والسعي إلى ليّ ذراعها، طالما أن الفرص سانحة لذلك.