الوقت- قبل حوالي أربع سنوات (17 فبراير 2011) خرج الليبيون في مدن الشرق الليبي بنغازي والبيضة وغيرها بتظاهرات سلمية مثلها مثل التظاهرات التي خرجت في "الربيع العربي" بمصر وتونس واليمن والبحرين، ليعبروا هم ايضاً عن طموحاتهم في نظام ديمقراطي أو إصلاحات سياسية تؤدي لانفتاح سياسي، رافضين نظام "القذافي" الدكتاتوري الفاسد الذي جثم على ليبيا شعباً وأرضاً وثروة لأكثر من أربعة عقود حرم فيها الشعب من أبسط حقوقه في الحرية والديمقراطية .
لم يفكر الشعب الليبي آنذاك أن مخططاً استعمارياً - صهيونياً تم تبييته لليبيا وثرواتها النفطية والمالية الكبيرة كان "ملك ملوك افريقيا" حرمه من نعمتها سنين طويلة، حيث ارتفع احتياطي النفط الليبي من 48 مليار برميل الى 74 مليار برميل بعد الاعلان عن ان الاحتياطي الليبي من النفط الصخري حيث تحتل ليبيا المركز الخامس عالميا في احتياطيات النفط الصخري بعد روسيا وامريكا والصين والارجنتين ما يرفع العمر الافتراضي لانتاج النفط الليبي من 70 سنة الى 112 سنة، حسب وكالة الطاقة الاميركية لعام 2014 كاشفة عن ارتفاع احتياطات الغاز الليبي الى ثلاثة اضعاف حيث بلغ 177 ترليون قدم مكعب بعد ان كان 55 ترليون قدم مكعب وذلك باضافة 122 ترليون قدم مكعب من الاحتياطي القابل للاستخراج من الصخور؛ اضافة للثروات المعدنية الكبيرة التي تخزنها الأرض الليبية بمساحتها الواسعة .
استغلت العواصم الغربية "الربيع الليبي" وتحركت بسرعة وبأدنى درجات الانحطاط في تاريخها؛ وفي مقدمتها واشنطن وباريس ولندن التي يعاني اقتصادها العجز الشديد لابد التفكير بمخرج يخفف عبء الضغوط الاقتصادية الداخلية؛ فكانت فرنسا الأفعى الغربي الأكثر نشاطا وسمّا حيث وجد العراب الفرنسي الصهيوني من أصل جزايري "برنار هنري ليفي" راعي "الثورات الملونة" التي ضربت بعض البلدان، وجد أذنا صاغية لدى الرئيس الفرنسي آنذاك "ساركوزي" و"هذه فرصة فرنسا" للنهوض باقتصادها وبدورها الاوروبي.
عربياً، هناك أنظمة كثيرة كانت بانتظار يوم الانتقام من "القذافي" في مقدمتها السعودية وقطر والامارات، ما دفع بـ"مفكر الخبث العربي عزمي بشارة" ليجد ضالته ويهيج ويموج وراء تدخل قطري، مدعوماً بتحريض تركي للمفكر اليهودي "أحمد داود أوغلو".. فتركيا وحلف الناتو يخضعان لقيادة الولايات المتحدة، دفعا نحو هجوم جوي شامل في سماء ليبيا ودعم بري واسع للمجموعات الارهابية المسلحة على الأرض بقرار من مجلس الأمن رقم 1973 نفذته الطائرات الحربية الاميركية والفرنسية والبريطانية تحت اسم عمليات "فجر أوديسا" بتاريخ 19 مارس/آذار 2011 ؛ وولغوا في الدم الليبي،, دمّروا البلد، وتركوها لصراع "الجهاديين"، مفككة، منهارة، مدمرة، مبعثرة الاشلاء، ثلث سكانها مشردون، لتقترح فرنسا اليوم من جديد "تدخلا عسكريا" وتمنّي المجموعات الارهابية المتقاتلة والمنتشرة على الأرض الليبية: سنعترف بمَن يسيطر على الحقول النفطية!.
فالتحالف العضوي مع التكفيريين الطائفيين الارهابيين، السلاح الأقوى والأرخص لتدمير الدول الثرية والشعوب المستقلة وهو ما تقوم به أنظمة الخبث الغربي والعربي في العراق وسوريا واليمن ولبنان وليبيا ظناً منها ستكون بمأمن، يا "عرب البترودولار والغرب؟ نخب مليونية البلهاء!"، ما كشفه مركز "بيلفر" للعلوم والشئون الدولية، في مدرسة "هارفرد كينيدي" بمقال للكاتب "آلان كوبرمان" تناول فيه الوضع الليبي وما آل اليه تدخل "الناتو" وجعل أرضها خصبة لظهور وتنامي المجموعات التكفيرية المسلحة وتوجه البوصلة لجعلها الحاضنة الكبيرة للمجموعات المسلحة بعد أن أضحت أيامها معدودة في سوريا والعراق لما تحققه التنظيمات الشعبية والقوات المسلحة للبلدين من انتصارات متتالية على التكفيريين.
ليبيا هذه الأرض التي عاشت الهدوء والاستقرار طيلة عقود حكم قمعي ديكتاتوري يعكس "جنون العظمة"، نراها اليوم تلوغ في وحل الدماء الجارية في أزقته وشوارعها ومدنها وشعبها يعيش الويلات تلو الويلات والارهاب يفتك بها من كل صوب وحدب وثرواتها تنهب ونفطها يحرق وودائعها في البنوك الاميركية الاوروبية البالغة أكثر من (300) مليار دولار تسرق بصمت مطبق بذريعة "عدم وجود حكومة قوية"؛ وتقارير الاستخبارات الغربية تؤكد أن عدد الخلايا الارهابية في ليبيا بلغ أكثر من (300) مجموعة مسلحة جميعها يعتنق الفكر التكفيري مثل "القاعدة" و"داعش" فضلا عن خلايا "السلفية الجهادية" الكثيرة التي لايتسع المقال من عدها، ما يشكل تهديداً للأمن القومي لدول الجوار التي دفعها بالتفكير في التدخل العسكري في ليبيا لضمان أمنها واستقرارها .
فقد دعا بعض رؤساء دول الساحل الأفريقي(تشاد ومالي والنيجر وموريتانيا وبوركينا فاسو) خلال قمة "نواكشوط" الجمعة 19 ديسمبر 2014، الأمم المتحدة الى تشكيل قوة دولية بالاتفاق مع الاتحاد الأفريقي "للقضاء على الجماعات المسلحة والمساعدة في المصالحة الوطنية وإقامة مؤسسات ديمقراطية مستقرة" في ليبيا؛ في وقت تشير التقارير بأن مصر وبدعم سعودي تعد العدة لتدخل عسكري جوي وبري وبحري مفتوح في ليبيا بذريعة حماية أمنها القومي والقضاء على الارهاب بشكل جذري ونهائي هناك، حيث الكثير من المجموعات الارهابية المسلحة التي تعبث بأمن مصر وتونس والجزائر لها معسكرات تدريب على الاراضي الليبية - حسب أجهزة استخبارات هذه البلدان .
الى ذلك تكشف تقارير اخرى عن قيام اميركا بدراسة ميدانية لبناء قاعدة عسكرية في الصحراء الليبية تعد الأكبر من نوعها على مستوى العالم، حيث وحدات استطلاعها الجوي تدير قاعدة لطائرات الاستطلاع بدون طيار في موقع سري في الصحراء الليبية يعتقد بأنه يقع جنوب "القطرون"، رغم نفي السفير الأميركي في الجزائر في حديثه لصحيفة "البلاد الجزائرية" نية بلاده إقامة قواعد عسكرية في تونس أو في ليبيا.