الوقت- شكلت نظرية الإقتصاد المقاوم، حلاً للعديد من الدول للخروج من إقتصاد الهيمنة. فالحديث عن أن السوق هو من يُقرر، يحتاج الى تدقيق. في ظل وجود طرفٍ كأمريكا، يسعى للهيمنة على العالم، وبالتالي الخروج بتقارير تضرب الأسواق أو تُحييها، بحسب المصلحة الأمريكية. الأمر الذي يُحتِّم على الجميع السعي لبناء اقتصاد الممانعة، خدمة لمصالح الشعوب، ومنعاً للهيمنة الأمريكية. فماذا تعني نظرية الإقتصاد المقاوم؟ وكيف قدمت إيران نموذجها العملي الناجح؟ ولماذا يجب تبنِّيه لمحاربة الهيمنة الأمريكية؟
خصائص الإقتصاد المقاوم
يعتمد الإقتصاد المقاوم على خصائص متعددة، يمكن تعريفها من خلال ما ذكره المرشد الأعلى للثورة الإسلامية سماحة السيّد "علي الخامنئي". وهي تتمحور في عدة نقاط أساسية، مثل: تحريك العجلة الإقتصادية، القدرة على مقاومة التحديات والعقوبات، الإعتماد على الطاقات الداخلية والسعي للإكتفاء، الروح والحركة الجهادية، محورية الشعب وأهمية رأيه، ثقافة الإكتفاء الذاتي، تقليل الإعتماد على النفط في الموازنة، إصلاح نموذج الإستهلاك، مكافحة الفساد، ومحوريّة العلم. كما يبني هذا الإقتصاد استراتيجيته العملية على ركيزتين أساسيّتين تميّزه عن غيره. الركيزة الأولى تتعلق بتحقيق السيادة والإستقلال الإقتصادي المبني على قاعدة متينة تُحرِّر البلد من التبعية للخارج. أما الركيزة الثانية فهي منع الآخرين من استخدام الوسائل الإقتصادية كسلاح سياسي للتأثير على موقف أو سياسة دولة ما.
إيران النموذج العملي
وهنا بين النظرية والتطبق، تمكنت إيران من التغلب على جزء كبير من مشاكلها بالإستناد إلى نموذج الإقتصاد المقاوم، الأمر الذي ساهم في انتصارها على الضغوط العالمية. ويعتبر هذا النموذج بالنسبة لإيران عملياً، إذ أنه مبني على تجربةٍ مدتها ثلاثة عقود أو أكثر من مقاومة الضغوطات الخارجية والحصار.
كما أن تبنّي إيران لخصائص الإقتصاد المقاوم منذ انتصار الثورة الإسلامية وحتى الآن، جعلها تتكيّف مع العقوبات الغربية والحصار لا سيما المالي والإقتصادي، واستطاعت الصمود عبر بناء قاعدة انتاجيّة وصناعيّة وعلميّة، ساهمت في نقلها لمنافسة الدول الغربية ومنها بريطانيا وأمريكا في بعض المجالات.
وهنا فقد تمكنت الجمهورية الاسلاميّة من حل مشاكلها الداخلية والخارجية اعتماداً على قدراتها الذاتية، وبالإستفادة من تجربة طويلة من ممارسة المقاومة السياسية والممانعة الإقتصادية والعسكرية للضغوطات الخارجية. وهو الأهمر الذي ساهم في جذب الطاقات العلمية المهاجرة، وتحفيز النظام التربوي التعليمي لإعطاء الاهتمام والرعاية للطاقات الواعدة، الى جانب تمكنها من تحقيق قدر كافٍ من الأمن الغذائي للسلع الأساسيّة.
أما اليوم، فيستمر الإقتصاد الايراني في سياسة الإقتصاد المقاوم، بعد أن قطع أشواطًا من التقدم ليصبح نموذجاً في هذا المجال. وهنا وبحسب التجربة، فإن عدداً من العناصر ساهمت في تحقيق النجاح في هذا النموذج. وهي تتلخص بقدرة طهران على الإعتماد على القدرات الذاتيّة، تحقيق العدالة الإجتماعيّة، والمحافظة على الميزان الإقتصادي بحسب المصالح القومية. الأمر الذي ساهم في تحقيق إنجازات لم تستطيع دولة أخرى مواجهتها في ظلّ الضغوطات التي واجهتها الجمهوريّة منذ أكثر من 39 سنة.
أهمية الإقتصاد الممانع لمقاومة الهيمنة الأمريكية
وهنا فإن العدو اللدود الساعي دوماً لمنع أي أرضيةٍ تسمح للآخرين بالبروز وبناء القدرة، هو الطرف الأمريكي الذي يهدف في حركته السياسية والإقتصادية للهيمنة على مقدرات الدول كافة. وذلك لا يحصل فقط لأن أمريكا تعتبر أكبر مصدر للأسلحة وموزّعٍ للحروب والعقوبات المختلفة فحسب، بل لأنها تعتبر قائد أوركسترا الأسواق المالية والأنظمة المصرفية والمؤثر الأول في أسعار النفط والذهب ومختلف السلع الضامنة، كما العملات وبورصات الأسهم. وهو الأمر الذي يُثبت أحقية نظرية الإقتصاد المقاوم، الذي نجحت إيران في تقديم نموذجه العملي.
ومثالاً على قدرة أمريكا في التحكم في إقتصاد العالم، فإن أي تقرير لهبوط المخزون النفطي الأميركي أو ارتفاعها ينعكس مباشرة وبقوة على أسعار النفط في مختلف الأسواق، وذلك بعيداً عن حجم الإنتاج أو قرارات الدول المنتجة الكبرى والصغرى على حد سواء، الأمر الذي يُثبت بأن حركة السوق وقواعد العرض والطلب، تتأثر بالقرارات الأمريكية في هذا المجال. وهنا فإننا نهدف للقول بأن أمريكا والتي لا تُعير لمصالح الشعوب أي أهمية، تسعى على الدوام لمصالحها الخاصة. مما يجعل الإقتصاد المقاوم الخيار الأمثل للخروج من الهيمنة الأمريكية.
وهنا فإن الأنباء حول الفائدة الأمريكية تؤثر على بورصات الأسهم داخل الولايات المتحدة وخارجها، كما تؤثر على حركة الأموال بين القارات وخصوصاً بين دول الأسواق الناشئة وبين الأسواق الأمريكية. ويأتي دور سعر الدولار الأمريكي ازاء العملات الرئيسية الأخرى والمرتبط أيضاً بأسعار الفائدة المتوقعة. فيؤثر مباشرة على النمو الإقتصادي في الدول الأخرى وعلى أسعار الذهب والنفط. وقد أدى الدولار الأميركي مؤخراً، دوراً حاسماً في وقف حرب العملات مع التحذير الأميركي وخصوصاً للصين لوَقف خفض اليوان. وهذا ما أثّر بطريقة مباشرة وغير مباشرة في النمو الإقتصادي في الصين، وأضعف نمو الميزان التجاري الصيني مع العالم الخارجي.
استطاعت ايران أن تُقدم نموذجاً في العمل المقاوم حتى على الصعيد الإقتصادي. فيما ساهمت في تعزيز وترسيخ ثقافة المقاومة على الصعد كافة. لكن النظرية ارتقت لمستوى التطبيق الأمر الذي جعل العالم يستسلم راضخاً للقوة الجديدة. فيما تسعى دولٌ عديدة للإستفادة من التجرية الإيرانية، ومنها الصين وروسيا. في وقتٍ تبقى فيه السياسة عاملاً في الرضوخ أو الممانعة.
اليوم تحاول الصين العمل على بناء مصالحها، سعياً لضرب الطرف الأمريكي. كما أن روسيا والتي أنهكتها العقوبات الدولية، تمضي قُدماً في محاربة الأهداف الأمريكية والتي قد يساهم في تعزيزها الغرب. لكن تبقى التجربة الإيرانية، مليئة بما يمكن وصفه بالتناغم بين السياسة الدولية المقاومة والإقتصاد المقاوم. لتكون إيران نموذجاً عملياً يمكن اعتماده كمعيارٍ للنجاح. لنصل الى نتيجةٍ مفادها، أن الإقتصاد المقاوم هو السبيل الوحيد للتحرُّر من الهيمنة الإقتصادية وإيران هي النموذج الأمثل.