الوقت- أدلى الرئيس الأمريكي باراك أوباما في "القمة النووية" المنعقدة في العاصمة الأمريكية واشنطن، والتي تتقاسم مع موسكو 93 في المئة من الترسانة النووية العالمية، ما في جعبته على كافّة الصعد، بدءاً من إدعاءه بتقليص واشنطن لترسانتها النووية مروراً بإنتقاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي كان الغائب الأبرز عن المؤتمر، وكذلك، الإشادة بالتعاون مع الصين حول الأمن النووي، وصولاً إلى الإشادة الشكلية التي لم تخلو من تصويب السهام نحو إيران والإتفاق النووي.
عند الدخول في تفنيد كلام أوباما، ترتسم في الأفق صورة واضحة قوامها الحفاظ على سياسة "القطب الواحد" عسكرياً كان الأمر أم إقتصاديا. فيما يخص إنتقاد أوباما للرئيس بوتين، لا يختلف إثنان على التناحر الروسي الأمريكي في مختلف القضايا العالمية، سواءً في سوريا أو جورجيا أو..، وهذا ما دفع بأوباما للتصويب من جديد على نظيره الروسي. وأما الإشادة بالدور الصيني، الخطر الأبرز وفق إستراتيجية الإرتكاز الآسيوي الصادرة عام 2011، تأتي في إطار تقليص دور الأخيرة على الصعيد النووي عبر افتتاح مركز لتعزيز الأمن النووي والتدريب في بكين مؤخرا، وهذا يعني سعي واشنطن لمواجهة القدرة النووية الصينية التي تناهز الـ250 رأس نووي وفق تقرير معهد أبحاث السلام السويدي "سيبري" في العام 2014.
وأما فيما يخص إردعاء الرئيس الأمريكي بتقليص الأسلحة النووية، فلم يختلف كلام أوباما في القمم الثلاث السابقة، الأولى في العام 2010 والقمتان التاليتان في سول بكوريا الجنوبية في عام 2012 وفي لاهاي بهولندا في عام 2014، عما أدلى به مؤخراً في القمّة الرابعة، إلا أن المراجعة البسيطة تؤكد كذب هذه الإدعاءات. ففي العام 2014، لم ينتظر معهد أبحاث السلام السويدي "سيبري" (التابع للبرلمان السويدي) طويلاً حتى يكشف حقيقة الإدعاءات التي أدلى بها الرئيس الأمريكي باراك أوباما في القمة الثالثة لـ"الأمن النووي"حيث جاء تقرير المعهد السويدي ليفضح كلام أوباما، الحائز على جائزة نوبل للسلام، بعدما عرض في نيسان/أبريل 2009 رؤيته "لعالم بلا أسلحة نووية"، حول تقليص واشنطن لأنشطتها النووية، فقد أوضح باحثو المعهد أن "أمريكا تعتزم تخصيص 350 مليار دولار في العام المقبل (2015) لتحديث أسلحتها النووية". ويضيف تقرير المعهد: تراجعت وتيرة خفض الترسانة النووية التي تملكها كل أمريكا وروسيا مقارنة بما كان عليه الوضع قبل 10 أعوام، فكيف لنا أن نوفّق بين هذه المعطيات وإدعاءات أوباما؟
إن تخصيص 350 مليار دولار لتحديث الأسلحة النووية (هناك تقارير تتحدث عن ميزانية تصل إلى 700 مليار للغرض نفسه، فضلاً عن دعم واشنطن لبريطانيا في تحديث ترسانتها النووية) يعني ضرب روح اتفاقية "نيوستارت" التي دخلت حيز التنفيذ في 2011 تنص على إلزام روسيا وأميركا بخفض أسلحتهما النووية الاستراتيجية إلى 1550 قطعة، إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه: حتى لو تمّ الإلتزام بنص وروح الإتفاقية، ألا تعد "نيوستارت" كافية لتدمير العالم مئات المرّات، إلا لم يكن لأكثر من ألف مرّة؟
ليس بعيد عن الروح، وفيا يخص إيران قال أوباما أنه "على الرغم من التزام إيران بنص الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه في العام الماضي مع مجموعة الدول الست الكبرى، فإن أفعالها تأتي أحيانا مخالفة لروح الاتفاق". كلام أوباما يتعارض وما أوضحه مؤخراًمدیر عام الوكالة الدولیة للطاقة الذریة یوكیا امانو في بیان له بعد اجتماع قمة وممثلي المجموعة السداسية قائلاً: ان التزام ایران بتعهداتها اكثر مما ینص علیه الاتفاق الرسمي مع الوكالة.. ان ایران الیوم تخضع لإشراف اقوی منظمة للتفتیش النووي في العالم، منوها أنها لم تلتزم بالاتفاق مع الوكالة الدولیة للطاقة الذریة فحسب، بل انها تطبق البروتوكول الإضافي بصورة شفافة وحتی اكثر مما ینص علیه الاتفاق الرسمي الذي توصلت الیه مع الوكالة".
أوباما يحاول من خلال هذه النقطة، والحديث عن ضرورة أن "تثبت إيران للمستثمرين أن الدولة مكان آمن للقيام بأعمال تجارية"، كذلك قوله "إن عودة إيران إلى الاقتصاد العالمي ستستغرق وقتا"، يحاول التملّص من إلتزامات بلاده تجاه إيران التي طبّقت الإتفاق النووي بحذافيره، وهذا ما يعني مقدّمة جديدة لشمّاعة الأمن العالمي الذي كان في السابق حول النووي الإيراني، واليوم حول الترسانة الصاروخية ودعم حزب الله وصولاً إلى الشعارات المعادية لأمريكا وإسرائيل، والآتي أعظم.
لاشك في أن قرارات القمّة التي شارك بها قادة ومبعوثون من 52 دولة و4 منظمات دولية، وصدر بيان رسمي إلى جانب خمس خطط عمل غابت عنها الترسانة النووية الإسرائيلية، ستكون ضعيفة في ظل غياب روسيا التي تتقاسم "حصة الأسد" من الترسانة النووية مع أمريكا، إلا أن التهديد الأكبر يأتي بالدرجة الأولى من "لدولتين العظميين اللتين قامتا بتحديث ما لديهما من أسلحة" وفق المركز السويدي، وبدرجة ثانية من واشنطن التي تعد الدولة الوحيدة التي إستخدمت هذا السلاح على مرّ التاريخ.