الوقت - بعد إنتشار ظاهرة الأرهاب في العالم خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط، ظهرت دراسات كثيرة حول مصادر تمويل الإرهاب والجهات التي تقف وراءها، والثقافات التي تغذي الفكر المتطرف الذي يروج له الإرهابيون والجرائم البشعة التي يرتكبونها لتحقيق أهدافهم وأهداف الدول والأطراف الداعمة لهم.
وكشفت هذه الدراسات إنّ الفكر الوهابي الذي تتبناه العائلة المالكة في السعودية ليس سوى غطاء ديني لتبرير وجودها وخداع العالم الإسلامي، مستفيدة من وجود الأماكن المقدسة في أرض الحجاز لاسيّما مكة المكرمة والمدينة المنورة، وكذلك من خلال توظيف الأموال الطائلة التي تجنيها هذه العائلة من الثروة النفطية الهائلة التي تزخر بها هذه الأرض.
واعتمدت الوهابية على أساليب متعددة لترويج أفكارها بين المسلمين، وفي مقدمة هذه الأساليب تأليف مناهج تعليمية لطلبة المدراس في كافة المراحل ابتداءً من المرحلة الإبتدائية، وصولاً إلى الثانوية والمعاهد والجامعات لتكريس الفكر المتطرف وتعميق الحقد والكراهية في نفوس الطلاب ضد كل من يخالف الفكر الوهابي من المسلمين وغير المسلمين.
ويبلغ عدد المدارس في السعودية نحو 35 ألف مدرسة بحسب الأرقام الرسمية تدرّس مناهج تحض على العنف والتكفير والكراهية. وأشارت دراسة أكاديمية بعنوان( السعودية والوهابية وانتشار الفاشية الدينية) أعدها المبعوث الخاص للشرق الأوسط في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان إلى أن أكثر من ثلث المناهج الدراسية في المدارس السعودية مكرس لتعاليم الوهابية، فيما ذكر تقرير منظمة فريدم هاوس (Freedom House) الأمريكية غير الحكومية إن الكتب المدرسية السعودية تحث على الكراهية والعداء للآخرين الذين لا يتبعون التعاليم الوهابية سواء كانوا مسلمين أو من الديانات الأخرى.
وتُركز المناهج الدراسية في السعودية التي تتبنى الفكر الوهابي على إتهام أتباع المذاهب الإسلامية بالكفر والشرك لمجرد قيامهم بزيارة القبور وتشييد القباب على مراقد الأنبياء والصالحين وإحياء المناسبات الدينية كالإسراء والمعراج والمولد النبوي الشريف، في تناقض صريح مع أحاديث وروايات كثيرة يجمع عليها المسلمون في هذا المجال.
كما تغرس هذه المناهج في نفوس الطلاب وجوب "اطاعة ولي الأمر" حتى وإن كان فاسقاً بزعم إنه خليفة الله في الأرض، وتسعى لتبرير أفعاله المغايرة لتعاليم الإسلام وقيمه السامية من أجل إفراغ الساحة للقوى الإستكبارية الطامعة في ثروات المسلمين.
في هذا السياق أظهرت دراسة إستطلاعية أجراها المستشار التربوي والمدير السابق بمدارس الرياض الدكتور "عبدالمجيد بن عبدالله الغامدي" أن 60 بالمائة من الأطفال السعوديين لديهم القابلية للإنزلاق في غياهب الإرهاب، وذلك من خلال التأثر بدعاة الضلال من التكفيريين عبر إستخدام التقنيات الحديثة.
كما أكدت دراسة أكاديمية أعدّها فريق من الخبراء التربويين بإشراف المحامي "عبد العزيز القاسم" إن اضطراباً شديداً يموج بمحتويات هذه المناهج في قضايا جوهرية تمس طمأنينة الطالب، وحقوق المسلمين، وأصول التعامل مع غير المسلمين، وقواعد التعامل مع المعارف والحضارات، وهو إضطراب يخالف أصول الشريعة.
ومن النتائج التي خلصت لها هذه الدراسة هي إختلال تنظيم القيم في المقررات الدينية في المدارس السعودية، خاصة ما يتعلق بموضوعي المسؤولية والإعتدال، ما يؤسس في الطالب معرفة لا يتخلق معها بمكارم الأخلاق، وتساهم في إنقطاعه عن محيطه الإنساني وتفقده التوازن في إدارة الإختلاف والتنوع. وأكدت هذه الدراسة أن الواقع العملي يبرهن على صدقية ما توصلت إليه.
فالطفل في السعودية ومع بداية تكوُّن قدراته العقلية والذهنية في المراحل الأولى من الدراسة تدهم عقله الأفكار التي تستمد مضامينها من كتاب "التوحيد" الذي صاغه محمد بن عبدالوهاب، ولايكاد الطالب يصل إلى سن البلوغ حتى يبدأ بتوزيع أحكام الكفر على كل من لا يشاطره بهذه الأحكام.
ومن خلال نظرة سريعة على مضامين هذه المناهج المستوحاة من مؤلفات محمد بن عبدالوهاب ومن بينها كتاب "التوحيد" تتضح الصورة الارهابية لهذه المضامين وتتبين خطورة هذا المشروع الرامي إلى تمزيق أوصال الأمة الإسلامية ونهب ثرواتها خدمة للكيان الإسرائيلي.
وبالمقارنة مع المناهج التي يدرسها تنظيم "داعش" الإرهابي في مناطق سيطرته نكتشف الكثير من نقاط التشابه بل المطابقة التامة مع المناهج السعودية. وقد أظهرت أغلفة كتب المناهج التابعة لـ"داعش" حقيقة العلاقة بين هذا التنظيم والوهابية وبالتالي النظام السعودي.
وبعد الإنتقادات الواسعة التي وجهتها المنظمات الدولية للفكر الوهابي بإعتباره المصدر الرئيس لتخريج الإرهابيين وتغذيتهم بالأفكار المتطرفة والهدّامة، أدخلت السعودية تغييرات طفيفة على المناهج المعتمدة في مدارسها للتمويه على حقيقة هذه المناهج وخداع الرأي العالم العالمي والمحلي. وقد إعترف "محمد عبدالله الفیصل بن عبدالعزیز " الذي شغل في السابق مناصب في وزارة المعارف السعودية إن المناهج الدراسية التي تعتمدها الوزارة ساهمت وتساهم بشكل كبير في تخريج الإرهابيين وتشكيل التنظيمات الإرهابية كـ "داعش" و"القاعدة".
على ضوء ما سبق نعرف إنّ الوهابیة تحوّلت إلى أداة بید آل سعود من أجل تبریر حکمهم وإضفاء صبغة شرعیة على ممارساتهم المعادیة للإسلام والبشریة، كما تحوّلت المدارس في السعودية إلى مراكز لتصدير الإرهابيين ونشر الفكر المتطرف، ولم يعد سراً أن مصدر الإرهاب التكفيري ومنبعه وتمويله حالياً هو من السعودية كما بيّنا أعلاه. وستبقى الأمة الإسلامية والبشرية بأسرها تدفع ضريبة هذا الخطر الذي يهدد كل الشعوب والمناخات، طالما بقيت المدارس السعودية مراتع خصبة للفكر الوهابي المتطرف.