الوقت- أجرى الرئيس الأمريكي باراك أوباما مقابلة مفصلية مع مجلة "ذي أتلانتك" قبيل انتهاء ولايته الرئاسية الثانية. "عقيدة أوباما" الشرق أوسطية أظهرت الكثير من المفاجئات تجاه الحلفاء قبل الأعداء لاسيّما تركيا والسعودية.
أوباما حاول إظهار عقيدة سياسية معادية لكل من أنقرة والرياض، رغم أن الأوضاع الشرق أوسطية تشي بالعكس تماماً، فأمريكا تتعاون مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على أكثر من صعيد. كذلك، تعد السعودية من أبرز حلفاء واشنطن في منطقة الشرق الأوسط بعد الكيان الإسرائيلي.
لم تكن صراحة أوباما الزائدة من قبيل الصدفة، بل أماط اللثام عن جملة من المواقف الجوهرية للخارجية الأمريكية فيما يخص كل من تركيا والسعودية. أوباما هاجم بشدة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ووصفه بـ"فاشل وديكتاتور"، واعتبر أوباما اردوغان أحد مصادر أحباطه، والذي كان ينظر إليه أوباما في البداية على أنه "قائد مسلم معتدل يمكن أن يكون جسراً بين الشرق والغرب"، ولكنه اليوم يعتبره "فاشلاً واستبدادياً، يرفض استخدام جيشه الضخم من أجل المساهمة في إعادة الاستقرار إلى سوريا.
لم تسلم السعودية من نيران أوباما السياسية، فقد اتهم الرئيس الامريكي السعودية بشكل مباشر بنشر التطرف والارهاب في المنطقة والعالم بنشرها للمذهب الوهابي، وضرب مثلا بكيفية استخدام المال السعودي والخليجي في تغيير طبيعة الاسلام المعتدل في اندونيسيا. ويتابع الرئيس الأمريكي: أيّ بلد يقمع نصف شعبه، أي النساء، لا يمكنه أن يتصرّف بشكل جيّد في العالم الحديث".
إن هذا التصاريح التي توحي بتخلّي أمريكا عن حلفاءها في المنطقة، تدفع بهم، أي الحلفاء، للبحث عن قطب آخر يمكنه تعويض الدعم الأمريكية مباشرةً أو بصورة غير مباشرة. في حال بحثنا عن الأقطاب الشرق أوسطية نجد أنه يمكن لتركيا والسعودية إما المضي قدماً نحو الكيان الإسرائيلي، وهذا ما شاهدنا بوادره العلنية في الفترة الماضية، تركيا أعادت العلاقات مع الكيان الإسرائيلي بعد حاثة السفينة "مرمرة"، والسعودية كذلك إستقبلت قبيل فترة وفداً إسرائيلياً رفيع المستوى في الرياض وفق القناة الإسرائيلية العاشرة، أو الإنسحاب نحو إيران كقطب آخر مواجه للكيان الإسرائيلي.
بصرف النظر عن واقعية الكلام الامريكي فيما يخص السعودية وتركيا، بإعتبار أن هذه التهم قد صدرت عن العديد من الرؤساء والمفكرين والشعوب في العالم، هناك جملة من الأسباب تقف خلف هذا الإعلان يمكن قراءتها في سياق المشهد السياسي الإقليمي العام، وهنا لا بد من الإشارة إلى التالي:
أولاً: إن تبنّي واشنطن لسياسة خارجية، إعلامية، معادية لتركيا والسعودية، رغم أن الواقع يشي بالعكس، يرتبط بشكل وثيق مع بعض الإشادات، الإعلامية فقط، بالدور الإيراني في منطقة الشرق الأوسط، وهذا ما يمكن قراءته في أكثر من موضع من مقابلة أوباما: "إن العدد الأكبر من مهاجمي 11 أيلول لم يكونوا إيرانيين"، أو"الحروب والفوضى في الشرق الأوسط لن تنتهي، إلا إذا تمكنت السعودية وإيران من التعايش معاً والتوصل إلى سبيل لتحقيق نوع من السلام".
ثانياً: بناءاً على ما تقدّم في النقطة الأولى، تحاول واشنطن تجيير الخلاف بين إيران والدول الإقليمية، لدفع الدول العربية وفي مقدّمتها السعودية، وغير العربية وفي مقدّمتها تركيا، لتطبيع العلاقات مع الكيان الإسرائيلي. من خلال هذه النقطة، تسعى واشنطن لمحاصرة طهران عبر الدول الإقليمية ومن دون اللجوء إلى أسلوب المواجهة "الخشنة"، فضلاً عن إيجاد بيئة حاضنة للكيان الإسرائيلي في منطقة الشرق الأوسط بعد عشرات السنوات من العزلة.
ثالثاً: بناءاً على ما تقدّم في النقطة الثانية، يمكن لواشنطن أن تدير أزمة الشرق الأوسط عبر حلف تركي-إسرائيلي-سعودي في مواجهة إيران، يخفّف عنها الكثير من أعباء المواجهة مع طهران، وهذا ما يتوافق وإستراتيجية "الإرتكاز الآسيوي" التي تقضي بتركيز واشنطن على منطقة شرق آسيا، وتحديداً العملاق الصيني، بدلاً من منطقة الشرق الأوسط.
في الخلاصة، حاول الرئيس الأمريكي من خلال هذه المقابلة الصحفية تعزيز سياسة بلاده تجاه منطقة الشرق الأوسط عبر نشر بذور الفتنة بين دولها، وهذا ما دفع به لمهاجمة الحلفاء ومدح الأعداء الإقليميين في سياسة كيدية هدفها الأول والأخير تأمين مصالح واشنطن، ومن خلافها وليدها الغير شرعي في منطقة الشرق الأوسط، الكيان الإسرائيلي.