الوقت- كلما تقدم بنا زمن الإرهاب و منظماته و طال عمر هذه الحقبة التي أعتبرها ليست طارئة على كوكبنا هذا، فهي تزامنت كل العصور من ممالك و امبراطوريات و قيام دول منذ الأزل بتسميات مختلفة، و لكننا اليوم نشهد حقبة فيها شكل جديد من أشكال ظهور هذا الإرهاب، إذ بات يسعى لانشاء دولة قائمة بذاتها و لها كيانها و أراضيها و ربما كياناتها، و لكن الأمر الذي قد يستغربه البعض هو التزامن بين خطوات هذه المنظمات الارهابية و دول تحمل لواء محاربته.
الايدولوجيا المشتركة سرّ الارتباط التاريخي
من الواضح أن الرمز الأعلى الذي تتمثل به التنظيمات الارهابية التي ظهرت مؤخراً في سوريا و غيرها كالنصرة و داعش هوعرّاب المذهب الوهابي و مؤسسه "محمد بن عبد الوهّاب" الذي كان متأثراً بـ"ابن تيمية" و الذي شكل دوراً كبيراً في اتجاهات دعوة "بن عبد الوهّاب"، و من الملاحظ أن كل التيارات المتشددة التي نشأت على مرّ التاريخ الحديث كانت إما تعتنق هذا المذهب أو متأثرة به، و أصبح من المشهور أن توجهات هذا المذهب متشددة جداً و تكفيرية، اذ أنها تكّفر معظم الديانات الأخرى و حتى المسلمين من المذاهب الأخرى، فمن الصعب التعايش مع هكذا عقيدة فكرية.
و بالتوازي كانت نشأة السعودية على يد "آل سعود" بمؤازرة "محمد بن عبد الوهاب" أيضاً الذي أسس الخلفية الدينية التي قامت عليها المملكة و لا تزال، و قام بخطوات جريئة كثيرة تحت غطاء "آل سعود" من هدم أضرحة و تحريف عقائد من تجسيد الله و غيرها، و قضى على أي رأي آخر، فحكموا جنباً الى جنب بالسيف و العقيدة الوهابية.
لذا فإن التشابك الديني و العقيدة المشتركة بين السعودية و التنظيمات الارهابية تشكل تقاطع ليس فقط من حيث المعتقد، إنما الأهداف أيضاً التي تعتبر فريضة عليهم انطلاقاً من المعتقدات الوهابية التي تنص على ذلك.
تقاطع مصالح و تزامن إقدامات مشتركة
إضافة للأهداف المشتركة التي ذكرناها، هناك تقاطع مصالح نراه اليوم بين المنظمات الارهابية المتشددة و بين السعودية، فنرى دولاً تُضرب بالارهاب في الوقت نفسه الذي تشكل فيه تهديداً أو تعارض مع سياسات السعودية-التركية.
اذ شهدنا اشتداد المعارك و حدتها في الوقت الذي تكون فيه تركيا و السعودية في مأزق، أو فتح جبهات جديدة للضغط على مجموعات أو دول خالفت السعودية في قرار أو رأي، لكن الخطر الأكبر عندما نستطيع ملاحظة تقاطع مصالح بين الأخيرين و بين العدو الصهيوني.
و لكي تكون تحليلاتنا أكثر واقعية يجب أن نذكر بعض الأحداث الأخيرة التي دعتنا للتشكيك و التساؤل و وضع الفرضيات و ذلك على سبيل الذكر لا الحصر.
جلسة مجلس وزراء الداخلية العرب في تونس
شهدت جلسة مجلس الوزراء الداخلية العرب الأخيرة التي أقيمت في تونس جدلاً كبيراً تبعه اثارة كبيرة للرأي العام التونسي و العربي، لتضمنها بنداً يصف حزب الله اللبناني منظمة ارهابية، و هو ما تحفظ عليه لبنان و بعض الدول منها تونس التي شهدت تحركات شعبية مناهضة للقرار، اضافة لرفض رسمي له، و لكن لنعود قليلاً قبل الاجتماع بيوم ذٌكر أن أحد المسؤولين الأمريكين حل ضيفاً على تونس و بات ليلته هناك و سربت معلومات عن ضغط مارسه على التونسيين لتمرير قرار غد ذلك اليوم، و لكن بعد الرفض الشعبي و الرسمي و عدم جدوى هذا الضغط، شهدنا أحداث دامية في بن قردان في تونس نفذتها مجموعات منتمية للتنظيم الارهابي داعش و التي راح ضحيتها شهداء و جرحى من القوات الأمنية التونسية.
و رافقت تلك الأحداث خطوات سعودية تصعيدية ضد الدول التي رفضت قراراتها و حتى وسائل الاعلام و الأفراد أيضاً و من تلك الدول تونس. فهل هذا التزامن بين الخطوات السعودية و الداعشية مجرد صدفة؟
أحداث فرنسا
لنعد قليلاً الى الماضي القريب و تحديداً أحداث باريس الدامية و التي تمثلت بسيطرة داعش على باريس لساعات و ذلك بتنفيذها العديد من الهجمات الارهابية التي راح ضحيتها الكثير من المدنيين.
و لكن ما سر هذا التوقيت؟
قبل هجمات باريس اعلن الفرنسيون مقاطعتهم للبضائع الاسرائيلية التي تنتج في المستوطنات، و شهد ذلك توتراً مع تل أبيب و التي تعتبر فرنسا السند الأول لها في أوروبا، التي بدورها تشهد حملة كبيرة لمقاطعة اسرائيل، في الوقت الذي بدأنا نسمع فيه عن تقارب بين المسؤولين الصهاينة و بعض الدول العربية و منها السعودية و ذلك باعلان الصهاينة أنفسهم و دون أي نفي سعودي، ما يمكن تفسيره بأن السعودية قدمت خدمة متقدمة كعربون صداقة للصهاينة بتحريك داعش لتنبيه الفرنسيين بأن ساحتكم لا يمكن ان تكون ضمن الحملة الأوروبية المناهضة للكيان الصهيوني.
لبنان و اعلان داعش الأخير
كما لا يخفى على أحد أن لبنان تفرّد في الكثير من المواقف التي خالف فيها المطالب السعودية و آخرها كان اعتبار حزب الله منظمة ارهابية، و التي دفعت السعودية لهجمة كبيرة على لبنان بالعقوبات و ايقاف هباتها للجيش اللبناني و غيرها الكثير و التي اشتدت في الأسبوعين الماضيين، و في وقت لم تستطع السعودية عمل أي خرق و ردع للقوى اللبنانية المنتقدة لها عبر هذه الاجراءات و حرجها أمام الدول الاقليمية و العالمية، سمعنا بالأمس اعلان داعش عن نيته الهجوم على لبنان و ابادة من فيه و الذي سبقه هجوم لمجموعاته و مواجهات مع الجيش اللبناني في جرود رأس بعلبك و التي زُفّ فيها أحد أفراد الجيش اللبناني...
فهل هذه التزامن صدفة أيضاً ؟
اليمن و تقدم القاعدة تحت رعاية سعودية
تشهد اليمن عدواناً منذ أشهر عديدة في ظل صمت دولي، و المستهدف المعلن لهذا العدوان السعودي هو الحوثيون والرئيس صالح، إنما الواقع يقول غير هذا، فالمستهدف هو اليمن ككل بشعبه و كل قوة عسكرية قائمة. و لكن الظلم القائم هذا لا يتنهي هنا، اذ في ظل عجز القوات السعودية و حلفائها عن أي تقدم ميداني، أهدت السعودية الأرض المحروقة لتنظيم القاعدة المتشدد فكرياً الذي بات يسيطر على مساحات واسعة في محافظات الجنوب اليمني، في وقت لا تستهدفه السعودية و حلفائها أو حتى تشن غارة واحدة ضده.
فهل هذه التزامن مجرد صدفة؟
يجدر الذكر أن بعض المحللين ذكروا أن الحرب الليبية و اختيار ليبيا تحديداً بين دول المغرب العربي لجعلها وكراً للتنظيمات الارهابية و أرضاً خصبة للاجرام و الارهاب، هو في اطار السعي لجعلها فزاعة لدول المغرب العربي اذ تتوسط ليبيا هذه الدول، فاختيار هذه الجغرفيا لم يكن عبثاً، كما نشير إلى أن السعودية و دول أخرى هي وراء الانقسامات الليبية و التي تحول دون أي حل يجمع الليبيين مجدداً.
و نشير أيضاً الى الدعم اللوجستي و غيره الذي تتلقاه التنظيمات الارهابية في العراق، و التي كشفت عنها القوى الأمنية و السلطات العراقية في غير مرة و مناسبة، و سبق وعدّدناها في مقالات سابقة، اضافة لحملة وسائل اعلام السعودية و حلفائها على القوى التي تحارب الارهاب في العراق و سوريا، من الحشد الشعبي و حزب الله و الأكرد و غيرهم. ما يطرح سؤال آخر في مصلحة مَن تصب هكذا حملات اعلامية و دبلوماسية؟
فبعد ما عرضناه لكم من دلائل و تزامن بين التحركات السعودية مع تلك الارهابية نترك لكم الحكم، و الأيام القادمة كفيلة بكشف الأسرار و ما ستر منها، فالتاريخ و كما اعتدناه سينصف الجميع و لو بعد حين.