الوقت- ظلت العلاقات السودانية الأمريكية مثار جدل على المستويين الدولي والإقليمي وظلت علاقات السودان الخارجية مرتبطة ارتباطا وثيقا بتطبيع علاقاتها مع أميرکا والتوتر الذي صاحب العلاقات منذ التسعينات وحتى نهاية الفترة الزمنية .
بدأت علاقة امريكا بالسودان باعتباره منطقة نفوذ, واهتمام بالغ في عهد الرئيس السوداني الأسبق "جعفر النميري", الذي تعزز في عهده الوجود الأمريكي على الأراضي السودانية اقتصاديًا في أمر التنقيب عن البترول وسياسيًا في مسألة الجنوب، ولكن سرعان ما تبدل الوضع سياسيًا بسبب دخول مسألة الکيان الإسرائيلي على الخط بين الدولتين, واصحبت العلاقات السودانية بالولايات المتحدة أحد معضلات وزارة الخارجية السودانية في مختلف الأوقات وذلك على الأقل منذ ثورة الإنقاذ التي أتت بنظام الحكم في السودان .
بعد عام على اندلاع الحرب الأهلية في جنوب السودان، توجه أصابع الاتهام الى الولايات المتحدة لعدم تحركها بشكل كاف لفرض عقوبات على أطراف النزاع في هذا البلد وحظر نقل الأسلحة إليه. ورغم إدانات متكررة من الرئيس باراك اوباما، وزيارة وزير الخارجية جون كيري الى جوبا في ايار/مايو في محاولة لإرساء السلام، ورغم الضغوط والتهديدات بفرض عقوبات، يبدو أن واشنطن لم تلقِ آذانا صاغية في جوبا كما يعتبر خبراء. ويبدو أن رئيس جنوب السودان سلفا كير وخصمه نائبه السابق رياك مشار لا يكترثان للتحذيرات الأميركية .
وفي مقال نشر في صحيفة "واشنطن بوست" دعت مستشارة البيت الابيض للأمن القومي سوزان رايس وجون كيري مجددا الاثنين الجانبين الى "إنهاء النزاع دون تأخر، والا فانهما سيواجهان عواقب أخطر". وقال ديفيد ابراموفيتز نائب رئيس جمعية هيومانيتي يونايتد الأميركية للسلام "نحتاج إلى أفعال وليس فقط الى أقوال". ويعتبر الاستاذ الجنوب سوداني جوك مادوت جوك مؤسس ساد انستيتيوت في جوبا ان "رسالة (الاميركيين) غير واضحة" حيال أطراف النزاع .
اما جنوب السودان الذي نال استقلاله في التاسع من تموز/يوليو 2011 مع تقسيم السودان بعد تمرد انفصالي دام 25 عاما، فيشهد مجددا حربا اهلية منذ 15 كانون الاول/ديسمبر 2013. واندلع النزاع بسبب الخصومة بين الرئيس كير ونائبه السابق مشار وهما ينتميان الى قبيلتين متنافستين الدينكا والنوير. وليس هناك ما يدل على ان هذه الحرب الاهلية التي اوقعت ما لا يقل عن 50 ألف قتيل، تتجه الى التهدئة ولا تزال تغرق البلاد في العنف أكثر وأكثر .
وكانت امريكا قد دفعت لأشهر دول شرق افريقيا (اثيوبيا وكينيا واوغندا) الى ان تلعب دور الوسيط. ولكن دون جدوى بالاضافة الى ارسال حوالي مئة جندي امريكي الى هناك. وخلال زيارة في ايار/مايو لاديس ابابا وجوبا سعى كيري جاهدا الى تنظيم لقاء بين كير ومشار. لكن جهوده لإرساء السلام وجهود الوسطاء من دول شرق افريقيا واتفاقات وقف إطلاق النار المتتالية باءت كلها بالفشل .
وكانت منظمة هيومن رايتس ووتش كتبت منذ اسابيع الى مجلس الأمن لـ "حثه على فرض حظر على الاسلحة على طرفي النزاع". لكن الولايات المتحدة تعارض قرارا يفرض حظرا على الاسلحة. وقال دبلوماسيون في الامم المتحدة انها في الواقع فكرة جيدة سيئة لان الحظر سيؤثر خصوصا على نظام الرئيس كير وليس على تمرد مشار .
اما الولايات المتحدة الأمريكية لم تبذل بدورها أي جهد حقيقي لإنقاذ جنوب السودان من المحنة الجديدة وبرزت واشنطن في موقف أقرب للانسحاب من مشاكل المنطقة بعد استقلال البلاد رغم علم الإدارة الأمريكية بأن عدم وجود نهاية للأزمة والصراع في جنوب السودان سيهدد المنطقة بأسرها مما يقوض أهداف السياسة الخارجية الأمريكية،
فهناك عدة اسباب كانت لها التأثير المباشر على تازم الوضع في جنوب السودان ومنها :
اولا":عدم الرغبة في فرض عقوبات على زعماء الصراع رغم التهديدات اللفظية المتكررة حول اتخاذ عقوبات عقابية .
ثانيا": الإعتقاد بأن المصالح الإقليمية للدول المجاورة لجنوب السودان تساعد على إعاقة عملية السلام التي تقودها حاليا السلطة الإقليمية الحكومية الدولية المعنية بالتنمية .
ثالثا":رغبة الإدارة الأمريكية لترك قادة المنطقة بلعب دور كبير لحل الكارثة رغم تأثيرها الواسع النطاق خارج الحدود .
رابعا":عدم تعزيز الجهود الدبلوماسية الأمريكية الدولية من خلال اتحاد دول ما يسمى بالترويكا وهي الدول المعنية بعلاقات قائمة منذ فترة طويلة مع جنوب السودان " النرويج، الولايات المتحدة، بريطانيا "
إن تقاعس واشنطن في جنوب السودان بما ذكر آنفا" هو نموذج لحالة الانسحاب الأمريكي من القارة الافريقية بحيث أن المصالح الاستراتيجية للأمن القومي الأمريكي هي أهم من الالتزامات الأخلاقية التي تتغنى فيها الإدارات الأمريكية المتعاقبة، لا يمكن الاتكاء على الولايات المتحدة لمساعدة الدول الفتية إذا لم تكن هذه البلدان مهددة بالتعرض لمحاولات نفوذ من دول متنافسة أو غير صديقة للولايات المتحدة وهي حالة تنسحب على معظم دول افريقيا جنوب الصحراء. الولايات المتحدة حرضت العالم ضد دولة السودان باعتبارها مسؤولة عن العنف والجوع والتطرف في الجنوب ولكن بعد الاستقلال ازدادت الأمور سوءا ولم تتدخل الإدارة الأمريكية لمعالجة الأزمة المتفاقمة مما يضع القضية برمتها في دائرة "ازدواجية المعايير."