الوقت - يدور الحديث هذه الأيام عن الدور الذي يلعبه اللوبي السعودي المعروف بإسم "سابراك" لصالح مرشحة الحزب الديمقراطي "هيلاري كلينتون" لإنتخابات الرئاسة الأمريكية المقرر إجراؤها في 8 نوفمبر/تشرين الثاني من العام الجاري.
ويبدو أن توقيت الإعلان عن تشكيل "سابراك" في هذه الفترة يأتي في سياق تحولات دولية وإقليمية بارزة بينها توقيع الإتفاق النووي بين إيران ومجموعة (5+1) الذي دخل حيز التنفيذ الفعلي في 15 يناير/كانون الثاني 2016، وكذلك الأزمات التي تواجهها السعودية على الصعيدين الداخلي والخارجي، لاسيّما تورطها في اليمن جراء عدوانها المتواصل على هذا البلد منذ 26 آذار/مارس 2015 والذي تكبدت فيه خسائر فادحة دون أن تحقق أهدافها بالإضافة إلى الأزمة الإقتصادية التي تعاني منها الرياض بسبب إنخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية بحيث وصل العجز في موازنتها لهذا العام إلى نحو 100 مليار دولار. ويدرك الجميع أنّ جزءاً كبيراً من هذه الأزمة يعود إلى السياسات الخاطئة والمتخلفة والمسلكيات التبذيرية للمسؤولين السعوديين.
وفي ظل هذه الظروف تعكف السعودية هذه الأيام على إعادة ملء الفراغ الذي أحدثه إخراج بندر بن سلطان من لعبة المصالح مع دوائر صنع القرار الأمريكي، بعد تلمس الحاجة إلى ضرورة إستعادة التغلغل في مراكز النفوذ في واشنطن من جهة، وتحسين صورة النظام السعودي في الداخل الأمريكي من جهة أخرى، على خلفية ما تمرّ به العلاقة بين الجانبين من فتور.
وتجلت المساعي السعودية في هذا الإطار بشكل واضح من خلال إنشاء لجنة شؤون العلاقات العامة السعودية - الأمريكية "سابراك" بهدف السعي لتنظيم التحرك السياسي والتغلغل إلى دوائر القرار الأمريكي، ومواصلة محاولات تحسين صورة السعودية ومواجهة الإنتقادات المتصاعدة لها في الأوساط الأمريكية. وما يجري الآن هو إستكمال للتحرك السعودي السابق الذي لم يحتج إلى كثير من العناء في الفترة التي كان فيها بندر بن سلطان سفيراً للرياض في واشنطن (1983-2005)، وليس كما يروج بعض الكتّاب السعوديين من أن "سابراك" أنشئت لمواجهة اللوبي الإسرائيلي في أمريكا، وليس كما يزعم المحلّل السياسي السعودي "سلمان الأنصاري" المقيم في أمريكا والمفترض أنه يدير "سابراك" أن هذه اللجنة تسعى فقط للوصول إلى المواطن الأمريكي وتثقيفه حول كافّة القضايا الخاصّة بشأن العلاقات السعودية الأمريكية والشؤون العربية.
ومن دون الإستناد إلى أي فرضيات مسبقة تدل تسمية "سابراك" على تشابه شديد مع منظمة "أيباك" اللوبي الصهيوني بالغ التأثير في الحياة السياسية الأمريكية، فيما تشير مصادر مقربة من وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إلى أن السفارة السعودية في واشنطن لا تشعر بحرج الإعلان بأن مستشارين من "أيباك" شاركوا في الإشراف على تشكيل اللوبي السعودي "سابراك".
ومن خلال قراءة سريعة لتوجهات الرأي العام الأمريكي يتبين مدى التراجع فيما يخص النظرة للسعودية التي تطغى عليها نزعة التعصب وإنتهاك حقوق الإنسان وتنفيذ عقوبات الإعدام بقطع الأعناق، فضلاً عن تدني مكانة المرأة وحرمانها حتى من قيادة السيارة، لكن الإنفاق السعودي الغزير على شبكات العلاقات العامة لازال يشكل عائقاً أمام الإقرار بهذه الإنتهاكات التي تعج بها أروقة الكونغرس ووسائل الإعلام، والتي سرعان ما يتم إطفاء نيرانها بالأموال السعودية. وجاء في تقييم صريح للمجلس الأطلسي، أحد مراكز النخب الفكرية في العاصمة الأمريكية، أن اللوبي السعودي الجديد يسعى لتغيير السياسة الأمريكية التي لم تعد تعجب السعوديين، خصوصاً بعد فشلها في حسم ملف الأزمة السورية.
ونال الإنفاق السعودي المنظم على شركات ومؤسسات العلاقات العامة المتعددة في أمريكا إهتماماً خاصاً منذ تسلم بندر بن سلطان مهام سفارة الرياض لدى واشنطن، والذي كان يطلق عليه "لوبي الشيكات المفتوحة"، إذ بلغ معدل الإنفاق آنذاك نحو 350 مليون دولار تصرف على إعلاميين وأعضاء في مجلسي النواب والشيوخ وبعض النخب السياسية.
وفي وقت سابق أصدر معهد الدراسات السياسية وهو أحد مراكز الأبحاث الأمريكية دراسة حول حجم الإنفاقات السعودية وقدّرها بنحو نصف مليون دولار شهرياً على شؤون العلاقات العامة إستناداً إلى البيانات المتوفرة لدى وزارة الخارجية الأمريكية.
في هذا السياق تستثمر السعودية لإستقطاب الحزب الديموقراطي الأمريكي عبر "مجموعة بوديستا" التي تقود حملة المرشحة الديمقراطية "هيلاري كلينتون" للإنتخابات الرئاسية، ما يقود إلى الإعتقاد بأنّ إختيار "بوديستا" التي تتلقى نحو 200,000 دولار شهرياً من مركز دراسات الشؤون الإعلامية المرتبط بالبلاط الملكي السعودي مباشرة، بأنه يؤكّد تحمس السعوديين لنجاح كلينتون التي تعوّدت على تلقّي الأموال من الرياض والتي تقدّرها صحيفة "وول ستريت جورنال" بين 10 ملايين و25 مليون دولار، مشيرة إلى أن الرهان على هذه الأموال في تحقيق إختراقات على مستوى دوائر القرار الأمريكي هو رهان منطقي بنظر الكثير من المراقبين.
وفي هذا الخصوص أوضحت أسبوعية "ذي نيشن" المقربة من صناع القرار السياسي الأمريكي في تقرير لها أن الأموال السعودية لا تزال قادرة على شراء النفوذ في واشنطن على الرغم من تراجع إعتماد الإقتصاد الأمريكي على واردات النفط الخام السعودي.
وتترافق المساعي السعودية على الأراضي الأمريكية مع حملات تعاقد مع مراكز أخرى تتلقى أموالاً سعودية بينها معهد الشرق الاوسط Middle East Institute، مجلس سياسة الشرق الاوسط Middle East Policy Council، مؤسسة بيل وهيلاري وتشيلسي كلينتون.
ومن الأسباب التي دعت السعودية الى دعم "هيلاري كلينتون" لتولي منصب الرئيس الأمريكي هي التصريحات التي أطلقها المرشح الجمهوري "دونالد ترامب" المنافس لكلينتون والتي وصف فيها السعودية بالبقرة الحلوب التي تدر ذهباً ودولارات بحسب الطلب الأمريكي، وطالب النظام السعودي بدفع ثلاثة أرباع ثروته كبدل عن الحماية التي تقدمها القوات الأمريكية لآل سعود داخلياً وخارجياً.
وقال ترامب: متى ما جف ضرع هذه البقرة ولم يعد يعطي الدولارات والذهب عند ذلك نأمر بذبحها أو نطلب من غيرنا بذبحها أو نساعد مجموعة أخرى على ذبحها وهذه حقيقة يعرفها أصدقاء أمريكا وعلى رأسهم آل سعود.
وخاطب ترامب النظام السعودي قائلاً: "لا تعتقدوا أن المجموعات الوهابية التي خلقتموها في بلدان العالم وطلبتم منها نشر الظلام والوحشية وذبح الإنسان وتدمير الحياة ستقف إلى جانبكم وتحميكم، فهؤلاء لا مكان لهم في كل الأرض إلاّ في حضنكم وتحت ظل حكمكم، لهذا سيأتون اليكم من كل مكان وسينقلبون عليكم ويومها يقومون بأكلكم".