الوقت - سلّط مدير قسم برامج الخليج الفارسي في معهد واشنطن الضوء على السياسة التي تعتمدها السعودية في الوقت الحاضر، ودور ولي ولي العهد وزير الدفاع محمد بن الملك سلمان في رسم هذه السياسة وتبعاتها على المنطقة والعالم.
وقال (سايمون هندرسون) في مقال إن الرؤية الإستراتيجية للسعودية تقوم على أساس المصالح التي تجنيها الأسرة الحاكمة في هذا البلد، ولطالما شكّل هذا الأمر وخاصة في أوقات الأزمات تحدياً، نظراً للغموض الذي يكتنف هذه الأسرة، وترجيحها المفضوح للخيارات المبتذلة.
وأضاف هندرسون: على الرغم من الإختلافات الكبيرة في أوساط العائلة المالكة في السعودية إلاّ أنهم يحرصون دوماً على أن لا تظهر هذه الخلافات إلى العلن ويحاولون بشتى الوسائل الظهور أم وسائل الاعلام على أنهم موحدون ومنسجمون، ولكن الغريب أن الخلافات البسيطة بين أفراد هذه الأسرة قد تؤدي إلى نتائج كارثية، وهو ما ينم عن ضيق الأفق لدى هؤلاء إلى حد بعيد، ولهذا لايمكن أن يُطلق على مواقف السعودية حيال قضايا المنطقة والعالم على أنها تمثل إستراتيجية، وما حصل خلال الأشهر الإثني عشر الأخيرة خير دليل على ذلك.
وأشار هندرسون إلى أن الملك السعودي السابق (عبد الله بن عبد العزیز) الذي توفي في كانون الثاني/يناير 2015 عن عمر ناهز 92 عاماً بعد صراع مع مرض عضال لم يُكشف عنه، كان تنتابه نوبات غضب ناجمة عن مزاجه العكر الذي عُرف به، ما جعله يتخذ قرارات غير صائبة خصوصاً خلال الأشهر الأخيرة من حياته. معرباً عن إعتقاده بأنه كان من الممكن التستر على هذه العيوب لو كانت منطقة الشرق الأوسط تشهد هدوءاً نسبياً، إلاّ أن حدثين مهمين غيّرا مجرى الأمور؛ الأول تمثل بانخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية من 130 دولار في الصيف الماضي إلى ما دون 50 دولار للبرميل، وهو ما شكّل ضربة قوية للسعودية التي تعتمد على عائدات النفط بشكل كبير في إدارة شؤونها، والثاني تمكُن حركة "انصار الله" من مسك زمام الأمور في اليمن وهروب الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي الموالي للسعودية إلى الرياض، والذي إتخذته الأخيرة ذريعة لشن العدوان على اليمن قبل نحو عام بإيعاز من أمريكا ودعم الدول الغربية والإقليمية الحليفة لها بحجة إعادة "الشرعية" إلى هذا البلد، لكنها تكبدت خسائر جسيمة في الأرواح والمعدات دون أن تتمكن من تحقيق أهدافها.
وتابع هندرسون: في حين تبدو ملامح التقدم في السن والمرض واضحة على الملك السعودي الحالي سلمان بن عبد العزيز، أصبحت السلطة الفعلية متمركزة بيد ولده محمد الذي لا يتجاوز عمره الثلاثين عاماً ويشغل منصب ولي ولي العهد ووزير الدفاع، مشيراً إلى أن تسلقه السريع لهذه المناصب يُعزى لكونه المدلل لدى والده، باعتباره الأصغر سناً بين أبنائه.
وفي جانب آخر من مقاله أشار هندرسون إلى أن محمد بن سلمان سعى منذ توليه منصبه الحالي إلى كسب ولاء العدد الأكبر من الزعماء العرب ولعب دور المبعوث الخاص لوالده خلال المناسبات واللقاءات مع قادة الدول كما حصل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وذلك من أجل منحه مزيداً من الثقل الدبلوماسي، ولهذا بات يُنظر إليه على أنه هو من يمثل السياسة الخارجية وليس عادل الجبير وزير الخارجية الفعلي والسفير السابق في واشنطن.
ووصف هندرسون محمد بن سلمان بأنه عديم الخبرة ولا يتمتع بلياقة إجتماعية رغم محاولاته الظهور خلاف ذلك، مشيراً في هذا الخصوص إلى أنه تعرض ذات مرة للطرد من قبل الملك عبد الله بن عبد العزيز أثناء مناسبة ملكية رسمية كانت الدعوة إليها شبه مفتوحة للجميع. وفي مناسبة أخرى طلب محمد بن سلمان خدمة من وزير الداخلية السابق نايف بن عبد العزيز، فجاءه الرد من الأخير بأن عليه أن يُحسن سلوكه قبل أن يلبي له هذا الطلب. وأضاف: وتماشياً مع هذا الأسلوب، ووفقاً لأقوال سفراء في الرياض ترك محمد بن سلمان في إحدى المرات رصاصة حيّة على مكتب أحد خصومه على خلفية تنافس حول صفقة ما.
وأشار هندرسون كذلك إلى أن محمد بن سلمان يفتقد الحنكة السياسية وليس لديه تصور واضح عن معنى الإستراتيجية، ولذلك يتصرف وكأنه يؤدي دوراً في مسلسل "آل سوبرانو" (The Sopranos)الذي يتناول الصعوبات التي يواجهها رجل مافيا أمريكي وهو يحاول موازنة المتطلبات المتعارضة بين أسرته والمنظمة الإجرامية التي يترأسها.
وأشار هندرسون في مقاله إلى أمثلة كثيرة عن تخبط محمد بن سلمان في رسم وتنفيذ السياسة الخارجية لبلاده خصوصاً فيما يتعلق بإيران واليمن وسوريا ولبنان، مشدداً على أن هذه السياسة لا تشكل خطراً على مستقبل العائلة الحاكمة في السعودية فحسب؛ بل تهدد الأمن والإستقرار في عموم المنطقة.