الوقت- تتجه الأنظار نحو الأزمة السورية، في ظل هدنةٍ طرحت الكثير من التساؤلات، ومخططاتٍ أمريكية، ظهرت للعلن، كخططٍ بديلة في حال فشلت الهدنة. وهو ما تداولته وسائل الإعلام بإسم الخطة (ب). وهنا فإن ما زاد التساؤلات، ضبابية الخطة البديلة، والتي أكدتها واشنطن عبر وزير خارجيتها، فيما حاولت روسيا نفيها، تاركةً الباب مفتوحاً على تساؤلاتٍ عديدة. في حين يجري الحديث عن أن الخطة تتضمَّن تدخلاً برياً عسكرياً من الأردن، يؤدي لإنشاء منطقةٍ آمنة في الجنوب السوري. فماذا في تحليل هذه الفرضيات؟ وما الهدف الحقيقي وراء ذلك؟
لا شك بأن الحرب السورية أصبحت مُعقدةٍ لدرجة أن القدرة على طرح السناريوهات المستقبلية، أمرٌ يحتاج للكثير من التحليل. لكن الواضح حتى الآن هو التالي:
- لم تُفلح خطط واشنطن وحلفائها، في جعل الإرهاب أداةً لتحقيق مشاريعهم، لا سيما التقسيم. وهو الأمر الذي ساهم فيه تدخل حزب الله اللبناني، والدعم الإستشاري الإيراني، وصولاً الى دخول روسيا الميدان السوري كطرفٍ دولي.
- وهنا فإن المعادلات تغيَّرت بتغيُّر قواعد الميدان، حيث أضحى الطرف الروسي، طرفاً داعماً لترسيخ قدرات النظام السوري، وأبطل كل محاولات ضرب النظام السوري كبدايةٍ للتقسيم. الأمر الذي أرسى أيضاً معادلاتٍ أخرى تضمَّنت عودة النظام السوري كجزءٍ منها.
- لكن هذه الصورة لم تُعجب الأطراف الإقليمية والدولية، والتي طالما راهنت على إسقاط النظام، الأمر الذي أدى لمحاولاتٍ تركية سعودية قطرية، لإعادة تقوية بنية الإرهاب، عبر دعم المسلحين التكفيريين، ومحاولة رفع وتيرة استهداف النظام وحلفائه.
- ولعل أبرز ما طُرح في هذا المجال، كان الطرح التركي بإنشاء منطقةٍ عازلة في الشمال السوري، الأمر الذي رفضته روسيا بشدة، مما جعل ذلك أمراً غير واردٍ لدى واشنطن، لعدم قدرتها على معارضة الطرف الروسي.
- لكن هذه النتائج كافة، الى جانب ما حقَّقه حلفاء النظام السوري في الميدان وتقدمهم في الشمال، جعل المشهد اليوم، مغايراً تماماً لما كانت تتمناه واشنطن وأدواتها الإقليمية. فالنظام السوري عاد للحياة، متمسكاً بدعمٍ روسيٍ إيرانيٍ يُشكل حزب الله اللبناني فيه رأس حربة عسكرية.
وهنا يأتي السؤال الأهم، حول أسباب الرفض الأمريكي للواقع الحالي. في حين، يمكن اعتبار الوضع الراهن في سوريا، أفضل لمصلحة الشعب السوري، لا سيما بعد أن عادت الدولة والنظام لواجهة القرار، وتراجع مستوى ونفوذ الإرهاب. فلماذا تجد واشنطن مشكلةً فيما تحقَّق؟
إن كلَّ الحرب الدائرة في سوريا، كانت وما زالت تهدف لضرب النظام السوري، أو بشكلٍ أوضح ضرب محور المقاومة. وهنا فإن النتيجة لذلك تهدف في تأمين حمايةٍ إستراتيجية للكيان الإسرائيلي. لذلك لا بد من ذكر التالي:
- شكَّلت الحرب في سوريا، ساحةً لتصارع العديد من القوى الإقليمية والدولية، لا سيما بعد أن اتخذت الأزمة فيها طابعاً دولياً. وهنا فقد راهنت واشنطن، على أن النتيجة ستكون حتما لصالح الكيان الإسرائيلي، وذلك بسبب وجود حلفاء عرب، لا سيما السعودية وقطر، الى جانب تركيا، كأطرافٍ تُعتبر وازنةً في المنطقة وقادرة على تجيير الأمور لصالح السياسة الأمريكية.
- وبعيداً عن الخلافات بين هذه الأطراف، وصولاً الى ما تحقَّق اليوم، فشلت واشنطن في مشروعها، وسقطت معها سياسة الإعتماد على الحلفاء في سوريا. فاليوم نجد أن الأطراف نفسها دخلت في دوَّامة صراع الأولويات. فالخلاف التركي الأمريكي أصبح واضحاً لجهة إقامة منطقة آمنة في الشمال، كما طرحت أنقرة. وهو الأمر الذي عارضته واشنطن، لمحاولتها إرضاء الأكراد، ضمن مشروعٍ طويل المدى يمتد من سوريا الى العراق. كما أن معارضة روسيا، جاءت لتُفشل المُخطط التركي.
- ولذلك فإن التطورات الجذرية على الساحة السورية، جعلت الأمور تتجه الى واقعٍ في الشمال السوري، لا يتناسب مع المصلحة الأمريكية. من هنا جاءت ملامح الخطة (ب).
فما هي سيناريوهات وأهداف الخطة (ب)
لا يوجد الكثير من البدائل لدى واشنطن بل إن الجنوب السوري يُشكَّل ساحةً ما تزال بعيدةً عن الحسم العسكري. وهو ما يمكن تعزيز دلائله بالتالي:
- في الفترة الأخيرة، تم نقل المجموعات المُسلحة التكفيرية لا سيما جبهة النصرة من الجنوب السوري نحو الشمال. وذلك دعماً للمعارك في الشمال السوري. في حين يبدو واضحاً اليوم، بأن المُخطط الأمريكي هدف لتفريغ الساحة الجنوبية، من مكوناتٍ إرهابية، لمنع مُبررات النظام السوري كافة. لذلك نجد أن الساحة الجنوبية اليوم، تتكون من مكونات الجيش السوري الحر، وبعض المجموعات الأخرى والتي تعتبرها واشنطن من المعارضة السورية المعتدلة التي يجب دعمها وتسليحها.
- بالإضافة الى ما تقدم، ما تزال الأردن بعيدةً عن الصراع السوري بشكلٍ مباشر. فيما لعبت دوراً مكشوفاً في تسليح ودعم المجموعات المسلحة في الجنوب السوري. لكن وبسبب تطور الأحداث والتركيز مؤخراً على معارك الوسط والشمال في سوريا، بقيت الأردن بعيدةً عن دورٍ مباشر لها. في حين بدأ الحديث منذ أسابيع، عن تشكيل ما يُسمى بالقوة العربية والتي تقودها السعودية تحت غطاء أمريكي، للتدخل العسكري في سوريا. وجرى التساؤل عن صيغة التدخل العملية. ليأتي الجواب اليوم، بأن التدخل لا يمكن أن يكون إلا من خلال الأردن نحو الجنوب السوري. فالشمال سقط عسكرياً بعد فشل المخططات كافة.
إذن، تبدو واضحةً معالم الخطة (ب) الأمريكية. في حين يُشكِّل كل ذلك مصلحةً للكيان الإسرائيلي. فالقيام بهذه العملية العسكرية (لو حصلت)، يعني تأمين عمقٍ عسكريٍ وجيوسياسيٍ آمنٍ للكيان الإسرائيلي. في حين تفتقد تل أبيب لهذا العمق اليوم، بعد أن جرت الحرب السورية، عكس ما تشتهيه مصالح واشنطن وتل أبيب. في وقتٍ ما تزال فيه الصورة ضبابيةً، حول المشهد المستقبلي، في ظل العديد من التساؤلات والتي لا يُجيب عليها إلا الآتي من أحداث. فهل سيكون لروسيا موقفٌ من إنشاء المنطقة الآمنة في الجنوب يماثل موقفها من الشمال السوري؟ وهل باتت الدول العربية وتحديداً السعودية والأردن، رأس حربةٍ عسكرية لتنفيذ مُخطط واشنطن لحماية أمن الكيان الإسرائيلي؟ وما هو موقف ودور حزب الله اللبناني لما يُشكله ذلك من خطرٍ على أمنه القومي؟