الوقت- منذ اندلاع الازمة السورية قبل أكثر من أربع سنوات اتسم الموقف الاردني ازاء هذه الازمة في بدايته بالغموض، إلاّ انه سرعان ما تبينت حقيقة هذا الموقف الداعم للجماعات الارهابية في إطار المشروع الصهيو أمريكي الرامي الى تمزيق المنطقة والعبث بمقدراتها والتحكم بمصيرها.
وليس غريباً على نظام العاهل الاردني الملك عبد الله الثاني اتخاذ مثل هذا الموقف، باعتباره يمثل امتداداً لسياسة والده الملك الراحل الحسين بن طلال الذي عرف بميوله الغربية واستعداده لتنفيذ خطوات مشروعه الاستعماري الواحدة تلو الاخرى لتقوية النفوذ الامريكي - الاسرائيلي في المنطقة.
فمنذ ظهور العصابات الارهابية في سوريا بادر النظام الاردني وبإيعاز من الادارة الامريكية الى دعم هذه الجماعات بهدف إسقاط نظام الرئيس بشار الاسد. وشكل الاردن منذ بداية الأزمة السورية أحد المعابر الرئيسية لعبور السلاح والإرهابيين إلى داخل الاراضي السورية.
ولم تكتف القيادة الاردنية بذلك بل سمحت بإنشاء معسكرات لتدريب الإرهابيين داخل أراضيها وتشكيل غرف عمليات لقيادتهم وإرسالهم الى سوريا بمشاركة أجهزة استخبارات بعض الانظمة العربية وعدد من الدول الغربية إضافة إلى مخابرات الکیان الإسرائيلي.
كما اكدت العديد من التقارير الاستخبارية أن العاصمة الأردنية عمان تستضيف ما بات يعرف بغرفة "موك" التي ترأسها وتوجهها الادارة الأمریكية من أجل قيادة عمليات الإرهابيين جنوب سوريا مشابهة لغرفة أخرى تستضيفها تركيا لقيادتهم شمال هذا البلد.
ووفق التقارير الغربية يشمل الدعم الذي تقدمه غرفة "موك" إرسال السلاح بما فيه الصواريخ المتطورة والأموال والذخائر والمعلومات الاستخبارية الى الجماعات الارهابية إضافة إلى الدعم اللوجستي الذي يقدمه الأردن بالمشاركة مع الکیان الإسرائيلي والمتمثل بمعالجة المصابين من الإرهابيين في سوريا وتقديم كافة الخدمات الطبية لهم.
وفي وقت سابق تبنى وزير الدولة الأردني لشؤون الإعلام محمد المومني التوصيف الأمریكي للإرهابيين في سوريا بين معتدل ومتطرف من أجل تبرير تدريبهم وأعلن في هذا الإطار أن بلاده ستقوم مع دول اخرى متحالفة مع واشنطن بتدريب إرهابيين سوريين أطلق عليهم اسم "أبناء العشائر السورية" وذلك بحجة التصدي لتنظيم "داعش" الارهابي.
ولعل قيام السلطات الأردنية بإغلاق معبر نصيب الحدودي مع سوريا من الجانب الأردني قبل يوم من هجوم الإرهابيين التكفيريين عليه ونهبه وسرقته دليل آخر على التواطؤ والتنسيق بين بعض الأطراف داخل الأردن وبين إرهابيي "جبهة النصرة" المصنفة دولياً على لائحة المنظمات الإرهابية.
والمحسوم عملياً أن القرار الأردني بإغلاق معبر نصيب من جانب واحد ليس وليد اللحظة، بل جاء في سياق التمهيد لتسويق العمليات التي تنفذها الجماعات الإرهابية داخل الاراضي السورية، في إطار ما بات يعرف بحروب الوكالة التي تمارسها دول اقليمية في مقدمتها تركيا وقطر والسعودية نيابة عن الکیان الاسرائيلي والمعسكر الغربي الذي تتزعمه امريكا وذلك من خلال تقديم الدعم المالي والتسليحي والاستخباري للعصابات الارهابية التي تنشط وترتكب جرائم شنيعة بحق المدنيين في سوريا والعراق وبلدان اخرى في الشرق الاوسط وشمال أفريقيا.
وإذا كانت السعودية منهمکة الآن بالعدوان على اليمن فإن الاردن وتركيا ودول اقليمية اخرى مطالبون بتنفيذ أدوار مشابهة في مواقع أخرى لإكمال حلقات المخطط الصهيو أمريكي الذي بدأ باستهداف سوريا والعراق ويراد له أن يستمر ليشمل كل المنطقة.
ولم يقتصر الدعم الاردني للارهابيين على توفير معسكرات تدريب لهم داخل أراضيه وتسهيل عبورهم الى سوريا بالتنسيق مع المخابرات الامريكية والاسرائيلية، بل تعداه الى تزويدهم بالسلاح والذخيرة عبر طائراته كما حصل في نصيب وفق التسريبات الإعلامية المتداولة رغم محاولة عمّان تبرير ذلك بأنه حصل عن طريق الخطأ تماما كما تفعل واشنطن عندما تسعى لتبرير دعمها للارهابيين في العراق لاسيما تنظيم "داعش" والذي اكد الكثير من المسؤولين العراقيين تكرار حصوله بالوثائق والأدلة الدامغة وبمعطيات لا تقبل الشك أو التأويل.
وثمة سؤال يطرح نفسه في هذا المجال وهو: لماذا يتحمس الأمریكيون والإسرائيليون للدفاع عن دور الحكومة الاردنية سياسياً وعسكرياً تجاه الازمة السورية أكثر مما تدافع هي عن نفسها؟ الجواب معروف طبعاً من خلال معرفة أهمية هذا الدور في إكمال حلقات المخطط الامريكي – الاسرائيلي – السعودي الذي يسعى للاستفادة من القرب الجغرافي الذي يمثله الاردن والحدود البرية الواسعة التي يمتلكها مع سوريا لتضييق الخناق على هذا البلد من جهته الجنوبية، في وقت تقوم تركيا بدور مماثل من الجهة الشمالية وذلك من أجل تشتيت القوة السورية وفتح ثغرات بالتناوب لعبور الارهابيين الى داخل الاراضي السورية.
في الختام لابد من تحذير الزعامة الاردنية من مغبة الاستمرار باللعب بالنار ومواصلة هذا الدور السلبي تجاه الجارة الشمالية التي تربطها مع الاردن علاقات تاريخية ودينية وثقافية واجتماعية عريقة، وأخذ العبر من دروس الماضي، خصوصاً وأن المأزق السعودي في اليمن لا يزال ماثلاً أمام أعين الجميع وكما يقول المثل "السعيد من اتعظ بغيره" قبل حلول الكارثة وقبل وقوع الندم حين لا ينفع الندم.