الوقت- تعلمنا أن الميت هو من يُنعى، وأنه لا نعي للحي، تعلمنا أن الموت هو فراق الروح للجسد، علمونا معنى الأخوة والإيثار، علمونا معنى النبل والتضامن، علمونا أن العروبة شيءٌ يجمعنا، هي ليست كالأخوةٌ ولكنها شيءٌ يشبه الأخوة، كنا صغار عندما علمونا، كبرنا وأدركنا أن غير الميت يُنعى وأن العروبة عدو الأخوة فلا نبل ولا إيثار.
لا أدري أننعي أطفال اليمن الشهداء، أم ننعي الأحياء من الأمراء، أنقيم العزاء لشهداء اليمن، أم نقيم المآتم على أخلاق السلاطين والملوك الذين قتلوا 8 آلاف و 278 شهيد و16 ألف جريح يمني منذ بدء العدوان على اليمن في 26 آذار/مارس 2015 وحتى أواخر كانون الثاني/ يناير الماضي حسب احصائية لمركز حقوق الإنسان.
وجاء في تقرير مركز حقوق الإنسان أن من بين الشهداء ألف و236 طفل وألف و752 امرأة، مشيراً إلى إصابة 16 ألف و15 شخصاً بينهم ألفين و254 طفل وألف و668 امرأة خلال الفترة ذاتها، وقال المركز أن طيران العدوان استهدف في مختلف محافظات اليمن 810 مدرسة ومعهد مهني، و39 جامعة وكلية و242 منشأة صحية، 345 ألف و722 منزل، 271 محطة وقود، 140 محطات توليد كهرباء، ألف و113 منشأة ومجمع حكومي، 10 موانىء ومراسي بحرية، 530 طريق وجسر، 14 مطار، كما استهدف العدوان 191 مصنع ومعمل، و121 منشأة ومعلم سياحي، 615 مسجد، 59 معلم أثري، 16 منشأة إعلامية، 41 ملعب ونادي رياضي، 163 خزان مياه، 167 برج إتصالات، 547 مخزن للأغذية متنوعة، 8 مخازن قمح، 176 شاحنة وقود، 421 ناقلة للأغذية، 124 مزرعة دجاج، و353 سوق.
وبعد كل هذا يأتي السفير السعودي في لندن، الأمير، "محمد بن نواف بن عبد العزيز"، ويكتب في صحيفة "ديلي تلغراف" أن السعودية تقصف اليمن لنشر السلام وتحقيق الاستقرار فيه!، ألا يستحق هذا "الأمير" ورقة نعوة، ألا يجب أن نقيم المآتم والعزاء على "أخلاق" سعادة السفير، أوليس أمير الشعراء هو القائل "إذا أصيب القوم في أخلاقهم … فأقم عليهم مأتماً وعويلاً"، أين العروبة وأين النبل وأين الأخلاق!؟ أقتل الأبرياء ينشر السلام!؟، أم قصف المدنيين يحل الاستقرار ويقوي دعائم "العروبة".
لا أدري كيف استطاع السفير "المحنك" أن يجعل نتيجة القصف والدمار هي السلم والاستقرار، ولا أدري كيف تجرأ السفير في مقالته التي عاتب فيها بريطانيا بسبب انتقاداتها المتكررة للسعودية على أن يقول أن "السعودية بلد ذو سيادة ويقوده قادته الذين يرشدهم الإسلام وحده. وديننا هو الإسلام ويقوم دستورنا على القرآن وبني دستورنا على قانون الشريعة"، هل كان يقصد الإسلام المحمدي الأصيل، إسلام نبي الرحمة!؟ أم أنه كان يلمح إلى الإسلام "البريطاني" ولهذا استخدم هذه العبارة في في مقالته قاصدًا بها أنه لماذا تنتقدنا بريطانيا ونحن ندين بالعقيدة الوهابية البريطانية!؟، هذا التفسير أقرب للواقع وخاصة أن بريطانية تعادي المسلمين الحقيقيين ومعروفة باحتلالها للعديد من البلدان الإسلامية.
أي قرآنٍ هذا الذي يقود السعودية!؟ فقرآن المسلمين يقول "رُحَماءُ بَينَهُم"، والسعودية تقصف الأطفال والنساء، قرآن المسلمين يقول "وَتَعاوَنوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقوىٰ وَلا تَعاوَنوا عَلَى الإِثمِ وَالعُدوانِ" والسعودية تطلب مساعدة الدول للعدوان على اليمن، وهاهي تلوح بعدوان جديد على سورية، أي دستورٍ هذا الذي يصفه السفير السعودي بأنه بُني على القرآن!؟، وأي دينٍ هذا الذي أطلق عليه ابن عبد العزيز اسم الإسلام!، أوليست الحرب في الأشهر الحرام بحرام!؟؟.
إلى أي حدٍ وصل العدوان إلى اليمن حتى بات الأمين العام للأمم المتحدة يطالب بالتحقيق بالغارات السعودية التي تستهدف المدنيين!، هل بات اليمنييون يواجهون إبادة جماعية ينفذها "إسلامُ الأمير"!؟، وهل يمكن لنا أن ندرك حجم الجرائم التي تنفذها السعودية والتي أجبرت بريطانيا حليفة الرياض أن تنتقد العدوان لعدم إنسانيته!؟، لا أعتقد أن الإعلام العربي والإسلامي بأجمعه يمكن أن يصور 1% من معاناة اليمنيين والجرائم التي ترتكب بحق أطفالهم ونسائهم ورجالهم.
في الحرب على اليمن أول ما قصفته السعودية أخلاقها، وأول ما دمرته عروبتها، فلا أخلاق باتت حاكمة ولا ضمير، لا عروبة ولا شفقة، كل هذا ذهب واندثر، ولكن نحن متفائلين واليمنيون كذلك فالسفير السعودي وملوكه لم يسمعوا مرة وربما لم يقرؤوا مرة بيت أحمد شوقي "إنما الأممُ الأخلاقُ ما بقيتْ...فإنْ همُ ذهبَتْ أخلاقُهُم ذهبُوا "، ولن ننتظر طويلا حتى نستجيب لأحمد شوقي ونقيم "عليهم مأتماً وعويلاً".