الوقت- وضعت الأزمة السورية المجتمع الدولي أمام اختبارات متنوعة، والأمر لا يقتصر على محاربة الإرهاب وحسب، فهناك العديد من القضايا الأخرى التي لا تزال عالقة مظهرةً عجز المجتمع الدولي عن تقديم حلولٍ لها وعلى رأس هذه القضايا مسألة اللاجئين التي فشلت دول "حقوق الإنسان" بحلها ووضع حد لمعاناة الأبرياء الذين يفرون من الموت فيلاقون الموت على الشُطآن يستقبلهم تحت عدسات الكاميرات الصماء، وقد كشفت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة أن ما يقارب طفلين يغرقان في شرق البحر المتوسط بشكل يومي، وهذا الرقم لا يشمل عدد الغرقى في باقي سواحل المتوسط.
غالبية الدول الأوربية وصل إليها سوريون فارون من سكاكين الإرهاب، وفي غالب الأحيان تكون الانطلاقة من تركيا، جارة سورية الشمالية، ومن تركيا إلى أوروبا عبر البحر الأكثر إيلامًا وهو بحر إيجه الذي قتل الكثير من اللاجئين، وهو أحد أفرع البحر المتوسط، ويبلغ طوله 643.5 كم وعرضه 322 كم، يقع بين شبه الجزيرة اليونانية والأناضول، ويتصل ببحر مرمرة عن طريق مضيق الدردنيل، وتطل عليه كل من تركيا واليونان.
يعتبر هذا البحر الممر الأساسي لغالبية المهاجرين من سورية، إذ أن اللاجئين إلى تركيا يرغبون في الانتقال إلى الدول الأوربية خلاصًا من حياة المخيمات وأملا بظروفٍ معيشية أفضل، ويسهل وجود المهربين الانتقال إلى اليونان مقابل مبالغ مالية متفاوتة وذلك عبر بحر إيجه، البحر الذي ابتلع آلاف السوريين، وقد أكدت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين "أن الأطفال يشكلون 36% من عدد كل اللاجئين، وبهذه النسبة المرتفعة يصبح احتمال غرقهم كبير في بحر إيجة بين تركيا وجزر اليونان، وفي الإسبوع الأول من العام 2016 غرق 410 أشخاص من أصل 80 آلأف شخص عبروا من القسم الشرقي للبحر المتوسط (بحر إيجة)، وهذا يعني أن نسبة الغرقى تضاعفت 35 مرة بالمقايسة مع الإسبوع الأول من عام 2015"، هذا وتشير الاحصائيات إلى أنه منذ غرق الطفل الكردي "إيلان" في بحر إيجة إلى الآن غرق أكثر من 340 طفل مع عائلاتهم في المنطقة نفسها وذلك في محاولات للوصول إلى أوروبا.
هناك عومل عديدة تتسبب في حوادث الغرق هذه، وكلها يعود لأسباب سياسية، فأوروبا تحاول منع اللاجئين من الدخول إلى أراضيها، وهي تضغط على اليونان لمنع استقبال اللاجئين، ومن جهة ثانية فإن تركيا تحاول إظهار نفسها كمحارب لمهربي البشر، إلا أنها في السر تدعمهم وتسهل تحركاتهم وذلك بهدف الضغط على أوروبا للقبول بإنشاء منطقة عازلة في سورية، الرئيس اليوناني "بروكوبيس بافوبولوس" قال "إن سلطات الموانئ التركية على وجه الخصوص تتصرف كأنها لا تلحظ أي شيء، وهناك حالات يعتقد أن السلطات قدمت المساعدة فيها للمهربين ولدينا أدلة على ذلك"، وبين المد والجزر يغرق السوريين نتيجة سياسات دول تتاجر بدماء السوريين لتحقيق مصالحها في المنطقة.
القوارب التي يسافر عليها المهاجرين لا تتمتع بأدنى إمكانت لمواجهة أمواج البحر، ورغم ذلك وطمعًا بالمال يقوم المهربون بنقل أعداد ضخمة تفوق قدرة القارب، وغالبًا ما يسافرون في الليل لمنع رؤيتهم، وقد يضطرون أن يبقوا في البحر فترة طويلة حتى يتسنى لهم الوصول بشكل آمن إلى ساحل الدولة المقصودة، وهذا ما يعرضهم لخطر الأمواج التي تكون هائجة وخاصة في ليالي فصل الشتاء حيث يكون البحر مضطرب.
الظروف هذه أشبه بلعبة الموت، يفر منه السوريون فيلاقيهم في كل مكان، في بيوتهم وفي مخيمات الصقيع وفي البحار وفي كل مكان، وكأن القدر شاء أن يلعب الموت مع الأطفال السوريين، وأن يلاحقهم أينما حلوا، وليس "إيلان" الوحيد، فعلى كل شاطئ "إيلان" يموت، وفي كل بحرٍ يرسم الأطفال السوريون ظلال أجسادهم على الرمال لتمحوها أمواج الزمن من عقول البشرية فيصبح وكأن شيئًا لم يكن.