الوقت ـ في الوقت الذي لازال الجيش السوري وحلفائه يواصلون إنتصاراتهم وتقدمهم في مختلف انحاء سوريا لا سيما في مدينة حلب، تحاول أمريكا وحلفائها من خلال طرح قضية وقف اطلاق النار، إنقاذ المجموعات الإرهابية من الوضع البائس الذي باتت تعاني منه في سوريا، في خطوة تهدف لعرقلة تقدم الجيش السوري وحلفائه. المسؤولين الأمريكيين وخاصة وزير الخارجية "جون كيري" خلال الايام الماضية أطلقوا الكثير من التصريحات حول المساعي الأمريكية المشبوهة للتوصل الی إتفاق مع روسيا لاعلان وقف اطلاق النار في سوريا. وفي هذا السياق أعلن "جون كيري" خلال الأيام الماضية عن تفاؤله في مؤتمر صحفي عقده مع نظيره الأردني ناصر جودة في العاصمة الإردنية عمان، قائلا: "نحن أقرب إلى وقف إطلاق النار في سوريا من أي وقت مضى". وتاتي هذه التصريحات الامريكية لاعلان وقف اطلاق النار في سوريا، دون أن يقابلها اي تحمس مذكور من قبل الروس، الذين لايريدون عرقلة إنتصار حلفائهم في سوريا عبر وقف اطلاق النار هناك.
ماذا تريد أمريکا من وراء وقف إطلاق النار
لا يمكن التكهن بان مساعي وقف إطلاق النار سوف تصل الی نتيجة نهائية وذلك بسبب أن روسيا وحلفائها من جهة وأمريكا وحلفائها أيضا من جهة اخری، يطمحون للوصول الی أهداف متناقضة تماما من وراء هذه القضية، أي إعلان وقف اطلاق النار في سوريا. حيث تهدف سوريا وحلفائها توفير ظروف أفضل لارسال المساعدات الإنسانية الی الشعب السوري المحاصر من قبل الإرهابيين عبر موافقتها وقف إطلاق النار، لكن في مقابل ذلك فان الهدف من إعلان وقف اطلاق النار من قبل أمريكا، يهدف الی خلق ظروف أفضل للمجموعات الإرهابية وتخليصها من الضربات القاسية التي باتت تتلقاها من قبل قوات الجيش السوري وحلفائه. إذن بما أن الاهداف التي يطمح لها كلی الطرفين متناقضة تماما، فمن الصعب جدا التوصل الی إتفاق في هذا السياق. ونظرا لهذه التناقضات في الأهداف فقد إعترف الرئيس الأمريكي "باراك اوباما" الاسبوع الماضي بصعوبة إنجاز وقف اطلاق النار في سوريا، وذلک علی عکس تصريحات "کيری" الاخيرة. الدول العربية الداعمة للمنظمات المسلحة التي تقاتل سوريا، ايضا لا تختلف مواقفها كثيرا عن أمريكا، حيث تطالب هذه الدول بوقف الغارات الروسية ضد الجماعات المسلحة خاصة في اطراف حلب، في ظل سحق هذه المجموعات وتدمير مقراتها بشكل كبير، بعد التقدم الكبير الذي أحرزه الجيش السوري وحلفائه في تلك المناطق خلال الاسابيع الماضية.
لكن في مقابل ذلك فقد أعلنت موسكو ودمشق أنه لا مجال للحديث عن وقف إطلاق النار مالم توقف الدول الداعمة للإرهاب، دعمها المالي والتسليحي للمجموعات الإرهابية. وتؤكدان روسيا وسوريا أن قصف مواقع داعش من قبل سلاح الجو الروسي والسوري سيظل ساريا ضد داعش حتی في حال إعلان وقف اطلاق النار، باعتبار أن داعش لا تعتبر مجموعة معارضة بل أنها مجموعة إرهابية وفق جميع المواصفات.
حلب علی بعد خطوة من الحرية
وبينما تسعی أمريكا لاعلان وقف اطلاق النار في سوريا للحيلولة دون إنهيار المجموعات الإرهابية بشكل كامل ومنع سوريا وحلفائها من إنجاز إنتصار كبير في حلب، وكذلك منع تطهير هذه المحافظة من المجموعات الإرهابية، لا يزال يتواصل الحديث من قبل السعودية وتركيا في مايخص استعدادهما لغزو سوريا عبر إرسال قوات برية الی هذه الدولة، وهذا يتعارض تماما مع منطق وقف إطلاق النار في سوريا. وتستمر مساعي واشنطن لوقف اطلاق النار في سوريا وسط هذه المواقف العدائية من قبل أنقرة والرياض ضد سوريا وكذلك في ظل قصف مستمر من قبل القوات التركية ضد الكرد في سوريا. ويعتقد المراقبون أنه بالرغم من تعاون سوريا وروسيا لوقف الاعمال العسكرية للدفع بالعملية السياسية، إلا أن مساعي الحلف العربي الغربي المعادي لدمشق والداعم للإرهاب، من المحتمل جدا أن يُفشل هذا التعاون الروسي السوري الرامي لاعلان وقف إطلاق النار.
وقف اطلاق النار يستلزم موافقة طهران وحزب الله
لا شك أن المستشارين العسكريين الإيرانيين، برفقة مجاهدي حزب الله، يلعبون دورا مهما في دعم الجيش السوري لتحقيق إنتصارات قوية علی الأرض في محاربة المجموعات الإرهابية، ولهذا فان روسيا تؤكد أن وقف اطلاق النار يجب أن يمر عبر تنسيق مباشر مع السوريين والإيرانيين وقوات حزب الله. وعلی هذا الأساس فقد أوفدت روسيا وزير دفاعها يوم أمس الاحد "سيرغي شويغو" لطهران للتنسيق مع الإيرانيين حول مسالة وقف اطلاق النار في سوريا.
موافقة سورية مشروطة لاعلان وقف إطلاق النار
وفي هذا السياق أكد الرئيس السوري "بشار الاسد" في مقابلة مع صحيفة "البايس" الإسبانية، استعداد سوريا إعلان وقف اطلاق النار في حال عدم استغلال هذه المسالة من قبل المجموعات الإرهابية لتحسين موقعهم وكذلك إذا ما اوقفت تركيا دعمها اللوجستي للمجموعات الإرهابية.
دعم الإرهاب في سوريا والعراق
وعلی العكس من المساعي الحثيثة التي تبذلها واشنطن هذه الأيام لاعلان وقف إطلاق النار في سوريا، فلم نجد أي موقف يندد بالاعمال الإرهابية التي ترتكبها المجموعات الإرهابية ضد المدنيين في سوريا والعراق من قبل واشنطن، ولعل كان آخرها، التفجيرات التي إستهدفت السوريين في منطقة السيدة زينب يوم أمس الاحد. ونظرا لهذه المساعي الحثيثة من قبل الامريكيين والسعوديين والاتراك، الرامية لانقاذ المجموعات الإرهابية في سوريا من خلال وقف إطلاق النار، كنا ولازلنا نصر علی أن هذه الاطراف هي المحرك الأساسي لهذه المجموعات الإرهابية ضد الشعب السوري وما داعش وسواها إلا لعبة بيد واشنطن وأنقرة والرياض. كما يجب علینا أن لا ننسی أن خطط دعم الإرهاب في سوريا من قبل أمريكا وتركيا والسعودية لا تختلف عن خططهم في هذا السياق في العراق. وذلك كلما حقق الجيش العراقي إنتصارا علی الإرهاب في هذا البلد، نجد أن واشنطن وأنقرة والرياض تصبح تتحدث عن مشاريع مشبوهة لفك الخناق عن المجموعات الإرهابية هناك.
إذن وبما أن الرياح باتت تسير وفق ماتشتهي السفن السورية والحليفة لها، فلابد علی أمريكا وحلفائها إن أرادوا الوصول الی إتفاق لاعلان وقف إطلاق النار في سوريا أن يعيدو النظر في حساباتهم ويوقفوا دعمهم للإرهاب هناك، لأن سوريا وإيران وروسيا وحزب الله وباقي الحلفاء، ليسوا سذجا حتی يوافقوا علی وقف إطلاق النار الذي تريده أمريكا لانقاذ داعش وبقية المجموعات الإرهابية.