الوقت - نجحت الدبلوماسية الإيرانية من خلال المفاوضات النووية مع الدول الست من وضع انموذج وأسس يحتذى بها لمعالجة كافة القضايا العالقة، فيما نشهد بين الحين والأخر ما بعد الإتفاق تصريحات ومشاريع قرارات امريكية يوضع علامات استفهام عليها بخصوص الهدف منها، آخرها ما كشفته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية نقلاً عن مسؤولين امريكيين من أن أمريكا كانت قد وضعت مخططاً لشن هجوم الكتروني على ايران بهدف شلّ الدفاعات الجوية الإيرانية وأنظمة الإتصالات وأجزاء كبيرة من شبكة الكهرباء وتعطيل موقع فوردو الإيراني وزرع أجهزة وفيروسات في اجهزة الحواسيب التي يتم تصديرها إلى ايران، هذه الخطة وبحسب الصحيفة اطلق عليها اسم "نيترو زيوس"، بل ما هو موجود أن أمريكا وعلى مدى السنوات لطالما عمدت إلى هذه الأساليب سواء تجاه ايران أو غيرها وكان يتم التصدي لها. في هذا السياق سنعرض جملة من النقاط التي من شأنها الإجابة عن الهدف من وراء التصريحات الأمريكية مباشرة أو من خلال وسائل اعلامها.
اولاً: هذا يندرج ضمن سياق الحملات التخويفية، وبأن امريكا قادرة على مواجهة الخصوم، وبأنها تمتلك قدرات تكنولوجية يفتقدها الغير وهو مخالف للواقع، فأمريكا ما قبل المفاوضات كما خلالها لجأت إلى هذا الإسلوب مراراً وتكراراً لكنها فشلت، وكانت القدرات التكنولوجية الإيرانية دائماً بالمرصاد، فالسلطات الأمريكية تعلم أن أي اعتداء الكتروني على ايران لن يبقى دون رد، فهناك اعتراف أمريكي بأن ايران تعتبر أقوى دولة من حيث القدرة على الحرب الإلكترونية. في هذا الخصوص يقول "شيلتون" وهو مسؤول في القوات الجوية الأمريكية أن ايران تتمتع حالياً بمستوى عالٍ من القدرة الإلكترونية التي لم تكن في الحسابات الأمريكية.
هناك تقرير نُشِر لمؤسسة الأمن الوطني المرتبط بجامعة تل أبيب يقول أنه لا يزال هناك فاصل كبير بين أمريكا والكيان الإسرائيلي عن ايران في مجال الحرب الإلكترونية، خاصة وأن ايران استفادت كثيرة من الحروب الالكترونية التي شُنّت عليها ما مكّنها من تطوير قدراتها في هذا المجال.
ثانياً: هي محاولة للإشارة بأن خيار الدبلوماسية التي لجأت اليه امريكا لم يكن الخيار الأخير، بل هو أول الخيارات وأنه لو فشل فإن الخيارات الحربية العسكرية والإلكترونية كانت هي البديل، وهو خلاف الواقع أولاً، فأمريكا بعد أن وجدت نفسها عاجزة عن الإستفادة من الخيارات الأخرى لجأت إلى خيار الدبلوماسية، وثانياً ما قدمته ايران خلال المفاوضات هو نفس الأمر الذي لطالما أكدت أنها لا تسعى حيازته، فالإتهامات الأمريكية لإيران كانت مرتكزة من التخوّف حيال ايران من حيازتها للسلاح النووي، فيما كان التأكيد الإيراني دائماً ومفتشي الوكالة الذرية أيضاً أن ايران لا تسعى لإمتلاك السلاح النووي، وأن مشروعها يقتصر على الجانب العلمي الذي يمكن الإستفادة منه في المجالات الطبية والطاقة الكهربائية وما شابه. في مقابل كل ذلك تمتلك امريكا أقوى ترسانة نووية في العالم.
ثالثاً: هذا مؤشر واضح على أنه لا يمكن الإعتماد على الدبلوماسية الأمريكيّة التي لطالما اتخذت من العدوانيّة مسلكاً ومنهجاً في تعاطيها مع الدول الأخرى، كما وأنه يتناقض والمواثيق العالمية فيما يتعلق بالحرب السيبيرية، فالمخطط يتضمن تعطيل أنظمة الإتصالات وشبكات الكهرباء وهو ما تخالفه الأنظمة الدوليّة لما من شأنه أن يعرض المدنيين لخطر الحرمان من الإحتياجات الأساسية، بالإضافة إلى ما يترتب عليه من تعطيل الأنظمة التي تعتمد على الحواسيب من سدود ورعاية طبية واقلاع مروحيات الإنقاذ وما شاكل.
رابعاً: هناك قلق أمريكي كبير حيال المنافسة التي تتعرض لها من قبل روسيا والصين وكوريا الشمالية، وهناك حرب الكترونية تجري بينهما، بالإضافة إلى تهديدات عسكرية متقابلة، فالخلاف الصيني الأمريكي فيما يتعلق ببحر الصين الجنوبي والتي اشتد مؤخراً على خلفية ابحار غواصة امريكية بالقرب منه، إلى تجارب امريكا الأخيرة لمنظومتها الصاروخية ترايدنت النووية، كما والخلاف مع روسيا حول جملة من المواضيع في سوريا واوكرانيا، وسباق التسلح بين كوريا الشمالية والجنوبية التي تقف خلفه أمريكا، كل ذلك يضع الأخيرة في منافسة حقيقية وواقعية، ولذلك فإن الحديث عن حرب الكترونية على ايران كانت محتملة حال لم يتم التوصل إلى إتفاق معها هو رسالة للجميع، فالصحيفة الأمريكية أوردت في سياق خبرها أن الجيش الامريكي يطور خطط طوارئ لجميع أنواع النزاعات المحتملة، مثل الهجوم الكوري الشمالي على الجنوبي، والأسلحة النووية في جنوب آسيا أو التحولات في أفريقيا أو أمريكا اللاتينية. ويتم إرجاء معظمها وتحديثها كل بضع سنوات.