الوقت - "محمد حسنين هيكل" فخامة الإسم تكفي، كثيراً قيل فيك، أمة في قلم، بحر بلا ضفاف، هيكل الكبرياء العربي، قمر العروبة، شعاع الكلمة والهام الهرم، ركن الصحافة العربية، صحافي القرن ... وغيرها الكثير الكثير من الصفات المشرّفة، التي جاءت بشهادة الفلاح البسيط حتى النخبوي الكادر، فما بقلمي إلا أن يكون كتلميذ أقلامك اللامتناهية عروبة ودقة واتقاناً، ولا لأن كيل المديح قد يجرف حبر كلامنا إليك بل لأنك أهل المديح ومستحقه ومُشرفه، ولأنك استاذ الأجيال، لازمت الحق وتقمصته جلباباً متماهياً وروحك العربية النقية، سأسمح لحروفي المتواضعة أمام عظمتك أن تضع أول قدم لها مكان أول أثر لقدم وضعتها منذ عقود وسنين فأسميك "العربي القُح" في زمن نادرة فيه قحاحة العرب والكلام.
كيف لا تكون عربياً قُحاً وأنت عرّاب الناصرية وراسم عقيدتها، كيف لا وأنت من صحابة حاملي رايات العزة لأمة أصبحت لحظات عزتها شحيحة نادرة، كيف لا وأنت صاحب الكلمة والموقف الجريء، كيف لا وأنت المعاصر القديم الجديد، كيف لا وانت صاحب الشخصية الإستثنائية والدور الفريد ؟؟؟...
لأن سيرتك الذاتية أشهر من نار على علم، لن تزيدها كلماتنا بتفاصيلها أي غيض، لذا وفي مرحلة خان فيها العربي عروبته، و اندثر الحلم العربي، وضاعت قبلتنا الأولى في برامج اللهو والفضائيات وساعات الإنترنت الضائعة سأكتب فيك عناوين وكلمات كُنتَ تحمل رايتها طوال فترة تشريفك لدنيانا الدنية عليك والتي لم تستحقك يوماً.
صاحب مقولة: الحرب على سوريا ومعاداة ايران فتنة أخرى في دار الإسلام نفسه وفي قلبه، وتلك خطیئة کبرى!!
كثيرة هي عباراتك التي تصلح شعارات أبدية، فكنت بعيد الفكر والنظر، عرّجت على عبارتك هذه لأنها تأتي في زمن لم يستمع إليك أحد حين نبّهت من الحرب على سوريا والابتعاد عن الدعوة للخلافات مع ايران، وراح العرب يتكالبون على قطعة اللحم الأمريكية المغمسة بالعفن الصهيوني، فجميعهم الآن عاثوا خراباً في بلاد الشام بلاد أقدم حضارات العالم والعرب، وخانوا وصاياك وفكرك المنير الذي وضحت لهم فيه مدى سوءة ما يفعلون، فكان قابيل ملهمهم إلا انهم لم يواروا سوءتهم بل كانوا على كبائرهم مصرّون ولا يزالون، رغم ظهور شموس حق كثيرة مرّات ومرّات ..
صاحب مقولة: إيران صاحبة الصمود الأسطوري وهي التحدي الوحيد لأمريكا بالمنطقة
صاحب الخبرة أو المحارب القديم وحده يتقن دروب المعركة ومن أين تأكل الكتف، والوحيد صاحب الكدمات والعلامات على طيّات ذهنه قد تعلّم غدر الزمان ومفاصله، وهيكل كان كذلك.
منذ البدايات الأولى عرف أن طريق القدس وتحرير فلسطين والمقدسات يمر بطهران ودمشق والضاحية، فهو الناصري الذي خالطت المقاومة والممانعة والعروبة لحمه ودمه وروحه وهذا ليس بجديد عليه، لذا مع اصطفاف الأعراب التعصبي الجاهلي في وجه محور المقاومة كان دائماً ينبههم وينتقدهم، وكانت احدى آخر جمله الشهيرة بذم الأعراب، أن المنطقة اليوم تخلو من صاحب صمود لولا الأسطورة الايرانية في وجه غطرسة المشاريع الصهيوأمريكية، واعتبر هيكل أن ايران هي التحدي الوحيد لأمريكا في المنطقة، فالعالم العربي کله کما نرى.
وكان واضحاً لـ "هيكل" أن سياسات أمريكا المستجدة مع "أوباما" ليست هي من غيّرت المنطقة بل صمود ايران هو الذي أجبر العالم على الاعتراف بحقوقها المشروعة والتي تصب في مصلحة وطنهم والأمة الاسلامية ودرب تحرير فلسطين.
کان بین أوائل من حاوروا الخمیني الإمام بمنطق المتفهم والمساند ولکن من موقع عربي، کما عرف الکثیر من قیادات الثورة من متابعي نهج الإمام بعد رحیله وأبرزهم "هاشمي رفسنجاني" رئیساً ورکناً في قیادة الحکم لفترة طویلة، وهو الذي وصف ما تمثله إیران بـ "الطموح المستقل" الذي وصل إلى حد المعرفة النوویة وأن النظام في إیران هو الرافض للهیمنة الأمریکیة منذ الثورة ولا يزال، وان فشل أمریکا حتى الآن في تطویع الثورة الإیرانیة أو استبدالها بنظام آخر یضعها أمام نزاع خطر في وقت يتقدم فيه الايرانيون في ميادين عدة...
هذا غيض من فيض المواقف والتصريحات المشرفة، الحازمة والجريئة لهيكل لمساندة ايران الداعمة لفلسطين وحركات المقاومة في زمن الخنوع العربي أمام الأمريكي وذراعه الصهيونية. فيا أسفاه على يُتم الكلمة الحرّة الجريئة، والصحافة القوية النزيهة بغيابك يا "أستاذ" كما وصفك "طلال سلمان".
بهذه العبارات الحزينة والذكريات الجميلة التي تركها لنا فقيد الأمة العربي الأصيل الذي كان اكبر من كل المناصب والكراسي فترفّع مرات عديدة عن دناءتها وكان ملتزم الخط السوي المستقيم، نقلب صفحة جديدة في عمر الصحافة على أمل أن يكون قد ترك لنا "هيكل" ارثاً تتمسك به أجيال قادمة فتعي أكثر فأكثر ...