الوقت- سجل الولايات المتحدة الأمريكية حافل بإنتهاك حقوق الإنسان سواءً على المستوى الداخلي أو الخارجي. وقد لاقى هذا السجل انتقادات واسعة من مختلف المؤسسات الدولية الحكومية وغير الحكومية. فإضافة لقضية معتقلي غوانتانامو وغريب المخزيتين، فإنّ قضايا أخرى تثير قضية إنتهاك حقوق الإنسان كدعم الولايات المتحدة لجرائم الكيان الصهيوني وقتل الأبرياء بطائرات أمريكية من دون طيار وإيجاد مراكز سريّة للتحقيق في نقاط مختلفة من العالم والطرق المهينة المتّبعة للتحقيق فيها.
أما عن انتهاكات حقوق الانسان الداخلية فيمكن الإشارة إلى التمييز العنصري وكيفية التعامل مع السود وانتهاك حقوق الأقليات والتنصت على المكالمات الهاتفية من قبل الأف بي أي، وكافة المؤسسات الأمنية والتعامل السيء من قبل ضبّاط الشرطة وإعدام الأشخاص ذو الإختلالات العقلية، والسلوك القاسي مع المساجين، وغيرها من الإنتهاكات.
وفي العام الماضي، استخدمت الشرطة الأمريكية العنف والقوة لقمع المتظاهرين السلميين في ويل استريت، ولم يشمل القمع المتظاهريين فحسب بل تعدّى الصحفيين أيضاً.
وتشير إحصاءات عام 2011 إلى ان 46 مليون شخص في امريكا يعيشون حالةً من الفقر الذي نجم عن عدم المساواة والتمييز القومي والعرقي والذي يؤثر بدوره على الأطفال والمسنين، كان قد سبب حالةُ من القلق.
ورغم الكم الهائل من هذه الانتهاكات نجد الرئيس الامريكي السابق جورج بوش يدافع خلال حديث اجرته معه قناة " سي ان ان" قبل ايام عن وكالة الاستخبارات المركزية ويعتبر أن بلاده "محظوظة" لوجود وطنيين يعملون لصالح الوكالة بغض النظر عما تقوله التقارير التي تنتقد انتهاكاتهم لحقوق الانسان. وكان الرئيس الأمريكي يلمح إلى التقرير الذي من المنتظر أن ينشره مجلس الشيوخ الأمريكي، والذي يتضمن تفصيلا لعمل الوكالة خلال السنوات الماضية. وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن التقرير من المنتظر أن يكشف عن تجاوزات محققي الوكالة خلال استنطاقهم لمشتبه بهم بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2011 في إطار ما يسمى "الحرب على الإرهاب" والتي أدت إلى اعتقال آلاف الأشخاص من مختلف أنحاء العالم.
في هذه الاثناء دعت لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب واشنطن للحد من بطش الشرطة ضد الجماعات العرقية والسود . واكد الخبير المستقل جينس مودفيغ إن لدى اللجنة تقارير عن استخدام واسع للقوة من جانب الشرطة ضد هذه الجماعات.
كما نددت اللجنة بالألم الشديد والمعاناة الطويلة اللذين يتحملهما السجناء خلال عمليات إعدام فاشلة، وتقييد وثاق نساء حوامل في بعض السجون والاستخدام المفرط للحبس الانفرادي.
وعن سجن غوانتانامو طالب التقرير بتقديم المحتجزين الذين لم يحاكموا بعد الى القضاء او اطلاق سراحهم. كما اعرب عن الاسف لغياب اي تحقيق متكامل عن اتهامات بحدوث اعمال تعذيب وسوء معاملة من قبل الاميركيين لاشخاص معتقلين في الخارج.
واكد التقرير ايضاً إن امريكا لم تلتزم بمتقضيات اتفاقية مناهضة التعذيب، مشيراً الى أن ثمة مشكلات رئيسية مثل وحشية الشرطة في التعامل مع المشتبه فيهم والاستخدام المفرط للقوة من طرف الشرطة ضد الأقليات وعمليات الاستجواب التي يجريها الجيش الأمريكي والسجون الأمريكية ذات الحراسة المشددة.
ويأتي التقرير في أعقاب اضطرابات ذات صبغة عنصرية في مدن أميركية، بسبب حكم في مدينة فيرغسون بولاية ميزوري قضى بعدم توجيه اتهامات لضابط أبيض قتل بالرصاص شابا أسود أعزل.
وأثارت حوادث قتل السود المتكررة تساؤلات كثيرة حول تحيز أجهزة الأمن والقضاء في الولايات المتحدة، التي تسمح لنفسها بالتدخل في شؤون غيرها من الدول بذريعة الدفاع عن حقوق الإنسان.
ووصف رئيس بلدية نيويورك عنف الشرطة ضد السود بأنه يرجع الى قرون من العنصرية في البلاد. وقال بيل دي بلاسيو لشبكة "ايه. بي. سي" انها مشكلة منهجية ويجب ان نتحدث بصراحة عن الجذور العنصرية في امريكا. وحتى الرئيس الأمريكي باراك أوباما اعترف مؤخراً في مقابلة أجرتها معه شبكة (بي إي تي) بأن العنصرية ضد الأمريكيين من ذوي الأصول الأفريقية متأصلة بشدة في المجتمع والتاريخ الأمريكي.
وتشير الشواهد والتقارير، كالتقارير الصادرة عن الأمم المتحدة، عن حالات متعددة لانتهاك حقوق الانسان من قبل الجيش الأمريكي والقوات الأمنية والمسؤولين عن إجراء القوانين في داخل وخارج الولايات المتحدة في زمن الحرب على العراق وأفغانستان وبقية الدول بحجة الحرب على الارهاب.
ورغم أن الولايات المتحدة هي أكثر دول العالم تشدقاً وصخباً وضجيجاً بالحديث عن حقوق الإنسان وشعاراته، كما أنها الدولة الأكثر استخداما لورقة حقوق الإنسان في سياستها الخارجية - كما يحصل حاليا في تعاطيها مع قضية اوكرانيا - إلا أنها على صعيد الممارسة الفعلية تعد الدولة الأخطر على مر التاريخ التي انتهكت وتنتهك حقوق الإنسان، أما كل هذا الضجيج والصخب الأمريكي حول حقوق الإنسان لم يكن سوى ستارا، أخفى خلفه نزعة التوسع والسيطرة التي طبعت السياسة الأمريكية منذ نشأتها وقيامها فوق تلال من جماجم عشرات الملايين من الهنود الحمر، وهكذا فان حقوق الإنسان كانت هي اللافتة التي اتخذتها الولايات المتحدة ستارا لارتكاب أبشع ممارسات انتهاكات الإنسان في تاريخ البشرية.
ويجب القول ان كل ما ذكر في هذا المقال لا يستطيع أن يسلّط الضوء بشكل كامل على كل حالات إنتهاك حقوق الإنسان في أمريكا. ولا يمكنه استيعاب جميع ما ذُكر في تقارير المؤسسات الدولية وغير الحكومية بهذا الشان لكنه من المؤمّل أن يكون محفزاً لنشطاء حقوق الإنسان ليقوموا باتخاذ أساليب من شأنها حفظ هذه الحقوق وإنقاذ الإنسان من أن يكون ضحية الإنتهاكات الفجة لحقوقه في الولايات المتحدة.