الوقت- تستغل تركيا حالة انشغال سورية بمواجهة الجماعات الإرهابية وتقوم بقصف الأكراد في شمال سورية، محاولةً تغير مسار الأزمة السورية لصالحها، وتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب، وترى أنقرة أن الأكراد هم تيارات "إرهابية" حسبما وصفهم رئيس الوزراء التركي "داود أوغلو"، واكتفت تركيا بهذا لتبرر قصفها للأكراد في الأراضي السورية.
في البداية حتى لو فرضنا أن أنقرة ستحارب الجماعات الإرهابية فهي تحتاج إلى إذن من الدولة السورية حسب القانون الدولي، وهي لم تطلب ولم تنسق هذا الأمر مع الحكومة السورية، ما يجعل هجماتها على الأكراد انتهاكًا للأعراف الدولية وللقانون الدولي، هذا من جهة، أما من جهة ثانية فإن الأكراد ليسوا إرهابيين ولا ينظر المجتمع الدولي إليهم كإرهابيين، ومجرد الخلاف السياسي بين الأكراد في الداخل التركي والحكومة في أنقرة لا يجعلهم من أكراد سورية إرهابيين!.
التدخل التركي في الأراضي السورية يأتي نتيجة فشل تركيا في إقامة منطقة عازلة في شمال سورية، وهي كانت تخطط لاقتصاص جزء من الأراضي السورية، إلا أن المجتمع الدولي لم يدعمها في خطتها هذه، كما أن سورية وحلفاءها أبدوا معارضةً شديدة، وهذا ما جعل أمام تركيا أن تواجه الجيش السوري وحدها لتنال منيتها، تريثت تركيا فترة طويلة من الزمن درست فيها معطيات المعركة وقوة الجيش السوري فاكتشفت عدم قدرتها على مواجهة جيش حارب الإرهاب 5 سنوات وانتصر عليه في مواطن عديدة ولهذا قلبت خطتها مستخدمة استراتيجية "مواجهة الطرف الأضعف"، فرأت أن الحرب على الأكراد هي الخيار المناسب، فهم الحلقة الأضعف في المعركة، كما أن ذريعة مواجهتهم جاهزة، وهذه استراتيجية عسكرية تستخدم عندما لا يكون هناك أي استراتيجية بديلة ممكنة.
تخشى تركيا من تعاظم جبهة محاربة الإرهاب، فالانتصارات التي حققها الجيش السوري في الشمال جعلت طرق إمداد الجيش السوري للأكراد مفتوحة، وبالتالي ستشتد المعركة على الجماعات التكفيرية وهذا الأمر قض مضاجع صناع القرار في أنقرة، فقرروا ضرب الأكراد وطرق إمدادهم لتحجيم دورهم في المعارك، والمستهدف الرئيسي من ذلك هو الجيش السوري، إلا أن موازين القوى لم تسمح للجيش التركي ببدء مواجهة مباشرة مع القوات السورية، ولهذا رأت في الأكراد خاصرة ضعيفة يمكن النيل منها.
من دوافع القصف التركي للأكراد هو انهيار الجماعات الإرهابية وتضاؤل المساحات الخاضعة لسيطرتهم وخاصة في الشمال السوري، ولهذا عمدت أنقرة إلى استهداف المناطق الخاضعة لسيطرة الأكراد حتى تتمكن التنظيمات الإرهابية من التقدم في هذه المناطق، ما يمكن أن يرفع معنويات هذه الجماعات ويقوي عزيمتها، كما أن من شأنه أن يؤثر سلبًا على معنويات الشعب السوري، ويمكن استخدام ذلك إعلاميًا للتغطية على إنجازات الجيش السوري وقوات الدفاع الوطني، وهذا سيدعم "لجنة الرياض" في أي مفاوضات محتملة مع الحكومة السورية، كما يمكن لهذا الأمر أن يكون ذريعة لتدخل بري أوسع بحجة عجز الجيش السوري عن محاربة الإرهاب، الأمر الذي بدأنا نسمعه في الإعلام بشكل كثير في الفترة الماضية.
الغريب في الأمر سكوت المجتمع الدولي إزاء الاختراقات التركية للأعراف الدولية ودعم أنقرة لتنظيم داعش الإرهابي، فقصف الأكراد سيساهم في تمدد هذا التنظيم، ولم ينسَ السورييون مدينة عين العرب إذ امتنعت تركيا من تقديم أي مساعدة للأكراد في مواجهة داعش، بل وعلى العكس ساهمت في حصارهم وتضييق الخناق عليهم انتقامًا منهم بسبب وقوفهم ضد الجماعات الإرهابية التي تعمل لصالح أنقرة.
و رغم التصريح الأمريكي الذي طالب أنقرة بوقف استهداف الأكراد، إلا أن الأكراد في سورية لا يثقون في أمريكا، فهي لم تقدم لهم أي مساعدة كاسرة للتوازن في مواجهة داعش رغم أن طيران التحالف يحلق فوق المناطق الكردية، كما أنهم يدركون أن واشنطن تستخدمهم كورقة سياسية للضغط على الدول لا أكثر من ذلك وهي غير جدية في التعاون معهم في مكافحة الإرهاب، على عكس موسكو التي تبذل قصارى جهدها لكسر شوكة الإرهاب في المنطقة حفاظًا على مصالح الجميع.
تحاول تركيا جاهدة استغلال الأوضاع في المنطقة لحرفها لصالحها وتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب منها، فتركيا قلقة من التوافقات الدولية حول الأزمة السورية والتي تقودها واشنطن وموسكو، وتخشى أنقرة أن تنتهي هذه الأزمة وتخرج خالية اليدين بعد كل هذا الدعم الكبير الذي قدمته للتنظيمات الإرهابية، ولهذا فإنها تسعى إلى إثبات وجودها وتأثيرها على الملف السوري حتى تحظى بنصيبٍ مُرضٍ،و لكن ما لا تعلمه أنقرة أنها ستخرج خالية اليدين في كل الأحوال.