الوقت- يستمر الاتجاه النزولي لأسعار النفط لعدة أشهر متوالية، حيث انخفضت الأسعار حوالي 34% منذ يونيو/حزيران الماضي وهو أدنى مستوى له منذ أربع سنوات، ومن المؤكد أن وصول سعر البرميل الى حدود الثمانين دولار ليس أمراً طبيعياً، لذلك يوضح الخبراء أن أمريكا والسعودية تقفان وراء هذا الانخفاض المفاجأ بغية الضغط على روسيا وايران.
لا يتواني الغرب عن الاستفادة من كافة أوراق الضعط لضرب منافسيه، الا أن أمريكا لن تستطيع خفض سعر برميل النفط إلى ما دون 76-77 دولار, لأنه لا يتناسب مع كلفة انتاجها، كما أن الأسباب الكامنة وراء انخفاض أسعار النفط ليست اقتصادية، انما بسبب عوامل جيوسياسية.
القيادة الروسية أكدت جيداً حجم التهديدات في مجال الطاقة، وأعلنت عزمها على مواجهتها، كما أن الرئيس الروسي اكد أن الكرملين بصدد الاستفادة من المخزون النفطي للايفاء بالتزاماته الاجتماعية والاقتصادية تجاه شعبه، هذا التصريح يوضح استعداد روسية لمواجهة السيناريوهات المختلفة للحرب النفطية.
هدف الغرب: حرب الطاقة مع روسيا
تمكنت روسيا خلال عام 2013 من تسجيل رقم قياسي جديد في إنتاج النفط ، حيث بلغ 523.2 مليون طن ، بزيادة حوالي 5,2 مليون برميل عن العام 2012، ما يشير الى تاثير أسعار النفط على الدخل الروسي وبالتالي فان أي انخفاض للأسعار سيؤثراقتصادياً و سياسياً على الكرملين. لذلك نرى أن الغرب وعبر سياسته الجديدة في خفض أسعار النفط يسعى لاضعاف روسيا وتحقيق عدة أهداف أبرزها:
أولاً: بما أن النفط يعد المصدر الرئيسي لعائدات التصدير الروسية، يسعي الغرب عبر سياسة خفض أسعار النفط لمعاقبة روسيا في سلوكها تجاه أزمة شبة جزيرة القرم، لذلك ترى القوى الغربية أن الحرب النفطية ستلقي بتبعاتها على الاقتصاد الروسي وبالتالي ستحد من طموح السياسة الخارجية الروسية وخاصة في الأزمة الأوكرانية.
ثانياً: المعسكر الغربي عمل على خفض اسعار النفط ومصادر الطاقة لاجبار روسيا على تصدير الطاقة الى أوروبا وبالخصوص أوكرانيا، لأنهم يدركون جيداً أن موسكو ستهدد أوروبا بقطع امدادات الغاز عنها في فصل الشتاء، وهذا لن يكون مقبولا للولايات المتحدة وحلفائها.
ثالثاً: انخفاض سعر النفط سيساهم في خفض سعر الروبل، وبالتالي ادخال روسيا في "معمعه" اقتصادية. بما أن العملة الروسية تراجعت إلى مستوى قياسي وانخفض سعر الروبل بنسبة تقارب ال40% تحت وطأة تعزيز العقوبات الاوروبية والأميركية التي تستهدف بصورة خاصة القطاع النفطي الذي يعتبر حيوياً للاقتصاد الروسي، فان التراجع الحاد في سعر النفط سيعزز هذا الهبوط، مما يجعل بوتين في "مهمة لا يحسد عليها".
رابعاً: يسعى الغرب لمنع الاستثمارات الأجنبية للشركات العالمية في روسيا، ودفع المستثمرين الأجانب إلى الخروج منها، وبالتالي ايجاد التهديدات للداخل الروسي فضلاً عن الحد من قدرته الخارجية، مثلاً: قامت شركة "اكسون موبيل" الأميركية العملاقة بوقف مشاريعها في القطب الشمالي، الأمر الذي يجعل الاستمرار في هذه المشاريع أمراً بالغ الصعوبة.
خامساً: الحد من الدعم العسكري الروسي لكل من سوريا والعراق، لأن الدعم الروسي للرئيس الأسد أسقط المشروع الغربي في سوريا.
سادساً: ضرب الأمن على الحدود الروسية. بما أن العديد من المهاجرين من دول أسيا الوسطى يتوجهون للعمل في روسيا، فان سياسة أمريكا في خفض أسعر النفط تهدف لضرب الاقتصاد الروسي وبالتالي ترك المهاجرين لروسيا والالتحاق في صفوف الجماعات التكفيرية. ومن المؤكد أن عودة هؤلاء المقاتلين الى دولهم في المستقبل سيجعل روسيا في مواجهة أخطار أمنية محدقة.
سابعاً: منع الروبل من التحول الى عملة عالمية. بما أن روسيا اتجهت نحو خيار مالي صعب، يقوم على وقف التعامل بالدولار واليورو في معاملاتها التجارية وصفقاتها الدولية مما يؤثر سلباً على قيمة الدولار في الأسواق العالمية، يسعى الغرب لضرب القيمة الشرائية للروبل الروسي عبر سياسته الجديدة.
ثامناً: ضرب البنية المالية لبعض التحالفات الجديدة على الساحة العالمية، لأن روسيا تحتل الآن مع حلفائها الحاليين والمحتملين موقع القطب الدولي المكافئ للقطب الغربي، مثلاً: اعلان دول البريكس (برزيل، روسيا، هند، الصين وأفريقيا الجنوبية) على تشكيل مؤسسات مالية تابعة لها على المستوى العالمي، من الممكن أن يهدد النظام المالي القائم بقيادة امريكا.
توقعات الحرب النفطية بين روسيا والغرب:
تتكبد الحكومة الروسية خسائر بمعدل نحو 40 مليار دولار سنوياً بسبب العقوبات المفرضة عليها بعد الأزمة الاوكرانية، وبين 90 مليار دولار و100 مليار جراء انخفاض سعر النفط، ما دفع باقتصادها الذي تشكل العائدات النفطية والغازية منه حوالي الثلثين إلى شفير الانكماش.
اذاً، ان انخفاض أسعار النفط الى جانب العقوبات الغربية تجاه موسكو تؤكد ما قاله وزير الخارجية سيرغي لافروف الى ان “الغرب اثبت بما لا يقبل الشك انه لا يسعى الى ارغام روسيا على تغيير سياستها، بل يريد التوصل الى تغيير النظام”، كما أن الرئيس بوتين حذر مسبقاً من "عواقب كارثية" من شأنها تدمير الاقتصاد الروسي والتسبب في اندلاع احتجاجات شعبية.
صحيح أن انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية يوجه ضربة موجعة للاقتصاد الروسي، الى أن الواقع يشير الى عزم الكرملين للحد من تأثير هذا الأمر على السياسة الخارجية الروسية، كما أنه بطبيعة الحال لا تستطيع أمريكا والسعودية المناورة طويلاً في ظل هذا السقف المنحفض لأسعار النفط، لعدة أسباب منها:
أولاً: ليست أمريكا والسعودية اللاعبين الوحيدين في مجال الطاقة، واستمرار الوضع الحالي سيضع بعض الحلفاء الحاليين في مواجهة أمريكا بسبب مصالحهم الاقتصادية.
ثانياً:ان انخفاض النفط لفترة طويلة سيؤثر سلباً على الاقتصادين الأمريكي والسعودي، لذلك لا بد من اعادة سعر النفط الى سابق عهده.
ثالثاً: بما أن روسيا من أبرز االمنتجين للنفط، تستطيع روسيا الحفاظ على سعره العالمي عبر خفض انتاجها.
رابعاً: انخفاض أسعار النفط سيصب في صالح الصين أبرز المنافسين لأمريكا، وهذا ما ترفضه الأخيرة.
في الختام، على الرغم من أن روسيا هي المتضرر الأكبر في السوق العالمية للطاقة، الا أن الأسباب التي ذكرناها أعلاه تؤكد عدم قدرة الطرف الغربي في الحفاظ على هذه الحالة لفترة طويلة.