الوقت- شهد العام 2006 أول تجربة اطلاق صاروخ بالستي قامت به كوريا الشمالية في سياق تجاربها واختبارها لفعالية نتاجه، و في العام 2009 أيضاً ومن بعده 2013 أجرت تجارب اطلاق صورايخ بالستية في السياق نفسه، على أثر تجربة العام 2013 وبالخصوص بعد اطلاق كوريا الشمالية للقمر الصناعي "كوانج ميونج سونج" تحركت امريكا في وجه هذه التجارب ليرشح عنها عقوبات دولية اقتصادية بوجه كوريا الشمالية ارتفعت وتيرتها فيما بعد. مؤخراً وخلال الأيام القليلة الماضية أعادت كوريا الشمالية تجربة اطلاق صاروخ بالستي بعيد المدى على أثره توجهت امريكا واليابان وكوريا الجنوبية للدعوة بعقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن.
الإتهامات الأمريكية لكوريا الشمالية ترتكز على التخوّف من برنامج الأخيرة لتطوير نظامها الصاروخي والقنابل النووية، فيما كوريا الشمالية تتحدث علناً وتضع تجاربها السابقة و الجديدة في سياق اختبار نتاجها العسكري وقدراتها الصاروخية، و لا تخفي أنها تسعى لتطوير منظومتها الصاروخية العابرة للقارات وبالتالي هي ليست تجربة استفزازية وانما تتوافق مع الإتهامات الامريكية في جزء كبير منها. فيما يتعلق بهذه الأزمة والتوتر الحاصل، والقلق الامريكي من جهة والتخوف الكوري الشمالي من جهة أخرى نعرض النقاط التالية:
أولاً: يسيطر على العالم جو من التهديدات والتحديات التي تدفع العديد من الدول التي لديها الإمكانات واستقلال القرار للبحث عن وسائل دفاعية وامكانيات يمكن استخدامها واللجوء إليها للحفاظ على كيانها وشعبها، و إلا فإن حيازة الدول على أسلحة وامكانيات دفاعية متطورة ليست هدفاً في حد ذاتها، ولهذا نرى دولاً ترى أنها في محيط بلغت حجم التحديات فيه مستوى حتم عليها السعي للحصول على السلاح النووي وتطويره، فيما دول وجدت في الحصول على سلاح كلاسيكي ونظام صاروخي قوي كافي لدرء الخطر عنها. في المقلب الآخر فإن دولاً أخرى ترى في مسعاها للحصول على السلاح هدفاً بحد ذاته لما يخدم مشاريعها التوسعية الإستعمارية، ولهذا نرى دولاً اتخذت من نظامها الدفاعي أسلوباً للتهديد حال تعرضت لمخاطر أجنبية، ودولاً أخرى اتخذت من نظامها الدفاعي أسلوباً لتهديد الشعوب حال عدم انصياعهم لإرادتها. وذهبت في تهديدها لإستخدام هذا السلاح.
في سياق الحديث عن الأزمة بين امريكا وكوريا الشمالية يمكن ذكر الشاهد، فأمريكا بسلاحها احتلت دولاً بشكل مباشر كالعراق وافغانستان، وأخرى بشكل غير مباشر كسوريا وفلسطين وليبيا وغيرها الكثير. وهي تشن عدواناً على اليمن انتُهٍكت فيه كل العهود والمواثيق الدولية وحقوق الإنسان، فيما استخدمت كوريا الشمالية قدراتها العسكرية كوسيلة لردع المطامع والنوايا الأمريكية، فلا نشهد لها تدخلاً في أي من بقاع العالم.
ثانياً: عندما نتحدث عن حاجة لكوريا الشمالية على سبيل المثال بتعزيز قدراتها الدفاعية فلا شك أننا نتحدث عن تهديدات بالمقابل، وللحديث عن التهدديات خاصة المتعلقة بكوريا الشمالية نذكر شواهد كالتالي، فكوريا الشمالية ترى في القواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة على الحدود مع جارتها الجنوبية ومنظومة الصواريخ المنتشرة هناك تهديداً واضحاً وملموسا لها، فهناك ما يقارب من 24 ألف جندي امريكي على اراضي كوريا الجنوبية، ومنذ فترة و امريكا تبحث بالتنسيق مع اليابان وكوريا الجنوبية لنشر منظومات صاروخية اضافية على اراضيهما كمنظومة "تي اتش ايه ايه دي"، كما أن سياسة امريكا والتي ارتكزت على مدى الأعوام المنصرمة تعزيز الشرخ بين الكوريتين وتقديم الدعم التسليحي لجيش كوريا الجنوبي والياباني كلها تهديدات تستشعرها كوريا الشمالية.
يضاف إلى ذلك المناورات العسكرية المتعددة الجنسيات الأخيرة والتي بدأت الإثنثن كما وسلسلة المناورات المستمرة والسنوية بالقرب من حدودها، إلى العقوبات الإقتصادية والمستمرة منذ العام 2002 والتي ترى كوريا الشمالية في تعزيز قدراتها وفرض نفسها على الساحة الدولية وسيلة لإجار امريكا بالتراجع عن هذه العقوبات خاصة وأن الإتهامات الأمريكية فاقدة للإعتبار مع وجود برامج عسكرية أمريكية تفوق كل البرامج العسكرية في العالم من حيث الكم والحجم والمخطط. فمؤخراً اعلنت امريكا عن فرز ميزانية فاقت الثلاث مليارات دولار لما يخص برنامجها النووي.
ثالثا: امريكا ومن خلال سياستها العدوانية التوسعية، تعتبر العامل الأول والأساس لفرض واقع سباق التسلح، إلى جانب ذلك فهناك تناقض واضح و كبير بين الإدعاء الأمريكي والأداء العملي، فأمریکا من جانب تتحدث عن قلق من دول تعمل على تطوير قدراتها العسكرية والعلمية، وتذهب لفرض عقوبات عليها ومحاصرتها اقتصاديا، وتوجه الأمور نحو اثارة مخاوف عالمية اتجاه هذه الدول، بينما من جانب آخر تركز كل قدراتها وجهودها على التفوق العسكري على الدول الأخرى ومن ثم تستفيد من ذلك بالتهديد والوعيد، وهي أمام حيازة الكيان الاسرائيلي أكثر من 200 قنبلة نووية لا تحرك أي ساكن بل ولا تجعل من مجال لطرح الموضوع ومداولته، بل تذهب إلى تقديم كل الدعم له في اعماله العدوانية بحق شعوب المنطقة وعلى رأسها دعمه في مجال احتلال الأرضي الفلسطينية.