الوقت- حطّت المستشارة الأمريكية "أنجيلا ميركل"، أمس الإثنين، في العاصمة التركية أنقرة بغية بحث قضية الحدود الأوروبية ومسألة تدفق اللاجئين من البوابة التركية. لم تعد أزمة اللاجئين تختص بدول غرب آسيا، وعلى رأسهم لبنان والأردن وتركيا، بل غدت اليوم شغل أوروبا الشاغل بدءاً من مؤتمر لندن الذي إنعقد مطلع الشهر الجاري، وليس إنتهاءاً بمؤتمر ميونيخ الذي سينعقد بعد يومين.
تركيا حصلت، بشكل مبدأي، على أكثر من 3 مليارات يورو من الإتحاد الأوروبي، في حين طالب رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام بدعم مالي في حدود 11 مليار دولار من المجتمع الدولي باعتبار أن لبنان من كبار الدولة المستضيفة للنازحين السوريين. الملك الأردني "عبدالله الثاني"، والذي تضم بلاده ما يقرب من 750,000 لاجئ سوري وفقاً لـ "المفوضية السامية لشؤون اللاجئين" التابعة للأمم المتحدة و 1,265,514 لاجئ (13.28 بالمائة من عدد سكّان البلاد) وفقاً لآخر التقارير الرسميّة الأردنية، شاطر سلام الأمر ذاته حيث دعا خلال مقابلة مع "هيئة الإذاعة البريطانية" (بي بي سي) للحصول على مساعدة مالية بسبب الضغط المتزايد لأنه " عاجلاً أم آجلاً، سينفجر السدّ".
المطالبات هذه جاءت على وقع مؤتمر لندن الذي خرج بتعهدات وصلت إلى حوالي الـ11 مليار دولار حتى العام 2020، مع العلم أن تركيا هي التي تسلّمت جزءاً من "حصّتها السورية" بشكل منفصل عن مؤتمر لندن بغية إغلاق بوابتها الغربية على القارّة الأوروبية. السؤال الذي يطرح نفسه اليوم أمام هذا "السخاء الاوروبي"، كيف يعيش اللاجئون هناك؟
لم تستطع أوروبا الصمود طويلاً أمام "أزمة اللاجئين" حيث إرتفع الصوت الحكومي والشعبي عالياً، بالتزامن مع مبالغة غير مسبوقة في وسائل الإعلام الغربية في يخص اللاجئين الذين "يعيش أكثرهم الآن في دول تفتقر إلى الموارد اللازمة لاستضافتهم، مثلل لبنان والأردن وغيرهما"، وفق صحيفة "فورين بولسي" الأمريكية. لبنان على سبيل المثال الذي تبلغ مساحته 10452 كلم، أي أصغر من العديد من المقاطعات الأوروبية، ويمتلك موارد طبيعية شحيحة مقرونة بضائقة إقتصادية ضخمة تصل إلى عجز يناز الـ60 مليار دولار، يستضيف وفق إحصائيات نشرت منتصف العام 2015 حوالي مليون و300 ألف لاجئ (حوالي 250 لاجئ لكل ألف نسمة من السكان)، في حين أن أكثر من 20 دولة أوروبية غصّت في إستقبال هذا العدد من اللاجئين، بل عمدت إلى إتخاذ إجراءات عدّة ضدهم.
بعيداً عما قامت به المجر عب إغلاق محطة القطارات وإحتجاز المهاجرين السوريين فيها، وناهيك عما صرّحت به الحكومة السلوفاكية بأنها ستساعد أوروبا باستضافة 200 مهاجر سوري ضمن خطة الاتحاد الأوروبي ولكن بشرط أن يكونوا مسيحيين، وبصرف النظر عن السياج الذي بنته بلغاريا على طول الحدود مع تركيا لمنع المهاجرين من عبور أراضيها من أجل الوصول إلى دول أخرى في الاتحاد الأوروبي، لم تصمد "اللهجة الإنسانية" الأوروبية، سواءً دولها الشرقية أم الغربية، طويلاً أمام مهاجرين هربوا من نيرات الجماعات الإرهابية التي جاء جزء كبير منها من دول الإتحاد نفسه، لتحّل مكانها تصرفات لاإنسانية، وقوانين أكثر صرامة تقضي بإبعاد جنسيات بعينها من القارة العجوز وجملةً من قوانين وقرارات الترحيل.
أوروبا أظهرت جهها القاسي للاجئين تارة عبر ترحيلهم من حيث أتوا، فقد أقرت السويد إعادة نحو 80 ألف لاجئ ممن لم تقبل طلبات لجوئهم، تلتها فنلندا بقرارها إعادة 20 ألف لاجئ دخلوا البلاد عام 2015، كذلك تعتزم هولندا أيضاً إعادة اللاجئين إلى تركيا، وأخرى عبر الإجراءات الامنية والسياسات التحريضية التي وصلت لحد "إستخدام السلاح عند الضرورة ضد طالبي اللجوء لمنعهم من دخول ألمانيا"، وفق ما طلبت زعيمة حزب "البديل من أجل ألمانيا"، "فراوكه بيتري"، من الشرطة الألمانيّة، ناهيك عن العشرات من حوادث الإعتداء على النازحين في مخيماتهم في ظل سعي أوروبي "لطمطمتها".
البرلمان الدنماركي أيضاً، أقر قانوناً الأسبوع الأخير من يناير العام الحالي، يقضي بمصادرة مقتنيات اللاجئين الثمينة، وأي مبالغ مالية بحوزتهم إذا زادت عن عشرة آلاف كرونة (حوالي ألف جنيه إسترليني)، وذلك للمساهمة في سداد جزء من تكاليف إقامتهم. حاكم منطقة فلاندر الغربية في بلجيكا كارل ديكالوي اطلق دعوة الى الامتناع عن "اطعام اللاجئين"، في حين أن النائب الهولندي، "غيرت فيلدرز" وصف تدفق اللاجئين على أوروبا بـ"الغزو الإسلامي".
لاشك في أن أغلب اللاجئين لا يملكون شيئا يخشون مصادرته، إلا أنهم لم يأتوا إلى أوروبا الذي أطربتنا منذ فترة ليست ببعيدة بإنسانيتها، لكي يتم سرقة ما تبقى من ممتلكاتهم التي يستحلها تنظيم داعش الإرهابي، أو أن يتلقّوا في صدورهم نيران الشرطة الألمانية بعد أن نجوا من نيران الجماعات التكفيرية، أو حتى أن يواجهوا إجراءات أوروبية فيما يخص لم شمل الأسرة التي فرّقها أوروبيوا التنظيمات الإرهابية وأسياويهم.
لم تكن فكرة إطلاق النار على اللاجئين أمراً مستغرباً، بل تأتي في سياق الهجوم العنيف للنازحين قصراً من وطنهم، ولا فرق بين شرق أوروبا وغربها فكل هذه الإجراءات ترسل رسالة واضحة إليهم، عنوانها: "عودوا من حيث أتيتم..لا نريدكم".