الوقت-على وقع الإنتصارات التي يحقّقها الجيش السوري وحلفائه على الأراضي السورية، وجد تنظيم داعش الإرهابي "مهربه" هذه المرّة إلى الداخل التركي حيث إستهدف قلب منطقة "السلطان أحمد" السياحية في إسطنبول عبر تفجير إنتحاري، فجّر غضب الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" الذي سارع إلى إستغلال الحادث عبر توجيه الإتهامات في كل حدب وصوب.
لم ينتظر الرئيس التركي وأركان حكمه طويلاً للدخول في بازار الإستثمار السياسي للحادث الذي أدى إلى مقتل 10 أشخاص، 9 منهم من الألمان، فضلاً عن إصابة 15 آخرين بجروح، فسارع أردوغان في بث تلفزيوني مباشر بعد وقت قصير من التفجير إلى القول بـ"أن المنفذ هو انتحاري سوري، معتبراً أن "لا فرق بين داعش وحزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي و وحدات حماية الشعب؛ فكلها منظمات إرهابية".
إدعاءات أردوغان التی أيّدها الناطق باسم الحكومة التركية، "نعمان قورتولموشدار"، عارضتها ما نقلته وكالة "أدوغان" التركية عن مصادر في الشرطة أن الانتحاري يُدعى "نبيل فضلي"، من مواليد السعودية.
لم تقتصر المعادلة الجديدة على فشل مراهنات الرئيس التركي في سوريا، عبر عدم قدرته على التأثير في مجريات الميدان، بل تعدّتها لتتوسع وتصل إلى العمق التركي الذي يعيش استنفاراً أمنياً عالياً، بعد التفجير الانتحاري الأكثر دموية في 10 تشرين الأول الماضي، والذي أدّى إلى مقتل 103 أشخاص.
حاول "أردوغان" تعمية الضعف التركي، بالأمس، مستخدماً سياسة الهروب إلى الأمام عبر التصويب على "حلفاء" الجيش السوري في الجبهات، أي روسيا وإيران، إذ اتهم طهران بأنها "تستغل التطورات في اليمن والعراق وسوريا لتوسيع نفوذها في المنطقة"، كما إنتقد التدخل العسكري الروسي في سوريا، قائلاً "روسيا لا تواجه داعش، بل تعمل على إقامة دويلة سورية في اللاذقية ومحيطها"، ليخلص إلى نتيجة مفادها أن "العمليات العسكرية الروسية في سوريا تعمّق المشاكل في المنطقة".
اليوم، بدأ أردوغان يحصد ما زرعه طيلة السنوات الـ5 الماضية في سوريا، ما يطرح العديد من التساؤلات حول مستقبل الرئيس عموماً، وحزبه الحاكم على وجه الخصوص. فقد وجد "كمال كيليتشدار أوغلو"، زعيم حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة التركية، أن "هذه الحكومة لا يمكنها أن تحكم البلاد... لا يمكن لتركيا القرن الواحد والعشرين أن يحكمها فريق من الدرجة الثالثة".
لا تنحصر تحدّيات الرئيس "أردوغان" بالشق الأمني رغم أن تهديدات داعش لن تنته أمس بإسطنبول بل ما هي إلا البداية إلا أن التحدي الأكبرلأردوغان هو ما ينتظر الموسم السياحي الذي يدر أكثر من 35 مليار دولار على الخزينة التركية، خاصّة أنها تأتي بعد فترة قصيرة من العقوبات الاقتصادية الروسية وقرار الرئيس "فلاديمير بوتين" بمنع السياح الروس البالغ عددهم خمسة ملايين سائح من زيارة تركيا ومنتجعاتها إثر اسقاط طائرة السوخوي.
إن خسارة 35 مليار دولار كفيلة بإجبار "أردوغان" على التصرّف بحزم حيال الإرهاب، لأن نجاحات حزب العدالة والتنمية كانت إقتصادية بإمتياز. بعبارة آخرى، "أردوغان" الذي إعتمد سياسة سوداء تجاه تنظيم داعش الإرهابي منذ نشأته، أُجبر في الفترة الماضية على تغيير هذه السياسة لينتقل إلى السياسة "الرمادية" التي لم تعد تنفع بعد تفجير إسطنبول. لا نستغرب أن يلجئ "أردوغان" إلى الحياد في المواجهة مع تنظيم داعش الإرهابي في المنطقة، إلا أنه لا يمكنه السكوت عن "الخطر الكردي"، وبذلك لا بد من ذريعة "مواجهة داعش" لضرب الأكراد سواءً في تركيا أو على الحدود مع سوريا.
لقد نجحت سياسة "صفر مشاكل" في تحقيق إنتصارات إقتصادية وسياسة كبيرة لتركيا، إلا أنه اليوم يدفع ثمن تورطه في الازمة السورية عندما فتح الاراضي التركية لمرور وتدريب عشرات الآلاف من الإرهابيين الذين غدوا اليوم "تنظيم داعش الإرهابي" و"جبهة النصرة" و"جيش الإسلام" وغيرهم من الفصائل المسلّحة.
اليوم، وبعد تحرير العديد من المناطق في سوريا، لاسيّما في ريفي حلب واللاذقية، تبدأ المعادلة الميدانية السورية بالإنعكاس بشكل أكبر على الداخل التركي حيث لا نستغرب حالات "فرار جماعي" من بعض التنظيمات المسلّحة، غير داعش، إلى تركيا مما سيشكّل عبئ كبير عليها في المرحلة اللاحقة، عبئ يعيد إلى الأذهان تجربة مؤسسة "مجاهدي خلق" مع "صدّام حسين".
ولكن رغم كل ذلك، لا يستغرب بعض الخبراء وقوف الرئيس التركي نفسه خلف تفجير الأمس بغية إستخدام "القبضة الحديدية" في التعاطي مع الأكراد، لاسيّما بعد الضجة التي حصلت في الأيام القليلة الماضية تجاه إعتداءات الجيش التركي، وبأوامر "أردوغانية"، ليس على الحزب العمالي فحسب بل كافّة أكراد تركيا.