الوقت- في كيانٍ يقوم أصلًا على القمع والقتل والتهجير، لا يبدو مستغربًا أن تمتدّ ثقافة العنف البنيوي لتلتهم حياة النساء داخل المجتمع نفسه، هذا ما تؤكده أحدث التقارير الصحفية والبرلمانية الصادرة في الكيان الصهيوني، والتي تكشف موجة تصاعدية غير مسبوقة في جرائم قتل النساء خلال السنوات الأخيرة، وبشكل خاص عام 2025، الذي يبدو أنه يتجه نحو أن يكون الأكثر دموية في عقد كامل.
فحسب تقرير لصحيفة يديعوت أحرونوت، وهي من أوسع الصحف انتشارًا داخل الكيان، قُتلت 44 امرأة منذ مطلع العام فقط، ورغم فداحة الرقم، فإن الموقف الرسمي بقي على حاله: صمت مطبق وتجاهل حكومي كامل، إذ لم يشارك أي عضو من الائتلاف الحاكم في النقاشات المخصّصة لأمن وحياة النساء بمختلف انتماءاتهن.
تقول الصحيفة إن الرسالة واضحة تمامًا:
في الكيان الصهيوني، دم المرأة وخصوصًا العربية لا قيمة له، وحياتها ليست أولوية سياسية.
تقرير أمام الكنيست: عقدٌ من الجرائم… و2025 الأسوأ
تزامن تقرير الصحيفة مع وثيقة جديدة ستُعرض أمام “لجنة النهوض بمكانة المرأة” في الكنيست، بناءً على طلب رئيسة اللجنة ميراف كوهين، التقرير يتضمن أرقامًا صادمة تظهر ارتفاعًا حادًا في قتل النساء خلال العقد الماضي، ليكشف صورة أعمق لواقع اجتماعي متوحش داخل الكيان.
269امرأة خلال عشر سنوات
وفق التقرير، قُتلت269 امرأة بين عامي 2015 و2024، بمعدل يقارب27 امرأة سنويًا.
لكن في 2025، يبدو أن الأمور خرجت عن السيطرة بالكامل:
فخلال ثمانية أشهر فقط، سجّل العدد مستوى يقارب حصيلة عام 2024 كاملًا، وهو ما يعدّ مؤشرًا على موجة عنف غير مسبوقة.
هذه الأرقام، في نظر متابعين، ليست معزولة عن البيئة العامة داخل الكيان القائم على الاحتلال، إذ تتفشى فيه ثقافة القوة والقمع وسيادة منطق العنف على حساب الحقوق والحماية.
ضد العربيات أولًا: نصف الضحايا من مجتمع واحد
التقرير يُظهر أن النساء العربيات هنّ الأكثر استهدافًا:
-
53% من الضحايا عربيات
-
42% يهوديات
-
4% من مجموعات أخرى
مع أنّ نسبة العرب داخل الكيان أقل كثيرًا من اليهود، فإن تمثيل النساء العربيات في قوائم الضحايا يتجاوز النصف باستمرار منذ 2019، وهي دلالة لا تخطئها العين على تمييز بنيوي وعنصرية متجذّرة داخل أجهزة الأمن والشرطة والمحاكم.
الكيان يحقق مع اليهوديات… ويتجاهل العربيات
الفوارق في معالجة الجرائم تكشف حجم التمييز:
-
46% من جرائم قتل النساء العربيات بلا حلّ
-
9% فقط من جرائم قتل اليهوديات بقيت دون حل
هذا الفارق الفجّ يعكس سياسة واضحة:
عندما تُقتل امرأة عربية، فإن السلطات تتعامل مع الجريمة باعتبارها “قضية ثانوية”.
أما في حال الضحية يهودية، فالقضية تُعامل بجدية أكبر ووتيرة أسرع.
متابعات وناشطات حقوقيات وصفن ذلك بأنه “نهج يعكس عقلية استعمارية” داخل أجهزة الكيان، التي تطبّق ذات أساليب الإهمال والتقليل من قيمة حياة العرب في الداخل كما تفعل مع الفلسطينيين تحت الاحتلال.
العنف من داخل البيت: الأسر تتحوّل إلى ساحات قتل
التقرير يشير إلى أن معظم الجرائم تأتي من داخل البيت:
-
50% من الجرائم ارتكبها الزوج
-
30% قريب آخر
-
20% شخص معروف غير قريب
لكن الاختلاف يبرز بين المجموعات:
-
اليهوديات: 59% قتلهن الزوج
-
العربيات: 41% قتلهن قريب، و34% قتلهن الزوج
ويفسّر باحثون هذه الفوارق بأنها نتيجة اختلاط عوامل اجتماعية مع بيئة سياسية قمعية لا توفّر أي حماية حقيقية للعائلات العربية، ما يترك النساء داخل دائرة عنف متواصلة في مجتمع مهمّش ومُستهدف.
تحذيرات لم تُنقذ أحدًا: شكاوى بلا استجابة
أخطر ما كشفه التقرير أن:
-
36% من الضحايا خلال 2024–2025 قدّمن شكاوى سابقة عن العنف الأسري.
-
بين اليهوديات: 43%
-
بين العربيات: نحو الثلث
-
في مجموعات أخرى: 17%
وفي جرائم قتل الزوجات، ظهرت شكاوى مسبقة في 41% من الحالات، وترتفع النسبة إلى 56% عندما يتعلق القاتل بقريب غير الزوج.
ومع ذلك، لم يحدث أي تدخل فعال.
وهذا الفشل ليس مجرد أخطاء مهنية، بل جزء من منظومة أوسع تتعامل مع المرأة باعتبارها طرفًا ضعيفًا، ومع العربية تحديدًا باعتبار حياتها “قضية غير مستعجلة”.
اضطرابات نفسية تتحول إلى سلاح قاتل
عام 2025 سجّل أيضًا تسع جرائم قتل ارتكبها أفراد يعانون من اضطرابات نفسية، وغالبيتهم من أفراد العائلة غير الأزواج.
ويعيد اختصاصيون ذلك إلى انهيار منظومة الرعاية الصحية والنفسية داخل الكيان، التي تعاني من الإهمال وضعف الميزانيات، في وقت تُضخ مليارات الشواكل نحو الاحتلال والعسكر والأجهزة الأمنية.
يديعوت: غياب الحكومة رسالة بحد ذاته
تقرير يديعوت أحرونوت اتّهم الحكومة مباشرة عبر الإشارة إلى غياب كامل لممثلي الائتلاف عن كل النقاشات المتعلقة بحياة النساء.
وبرأي الصحيفة، فإن ذلك يعكس لامبالاة رسمية تتغذى على التطرّف والانشغال الدائم بالصراعات السياسية والنهج الأمني.
وفي كيان بُني على القمع وفرض السيطرة بالقوة، تبدو حياة النساء وخاصة العربيات تفصيلاً غير مهم في حسابات السلطة، التي ترى في الأمن والعسكر والأجندة الاستيطانية أولويات مطلقة.
كيان قائم على العنف ينتج مجتمعًا غارقًا في العنف
تكشف هذه الأرقام أنّ العنف ضد النساء في الكيان الصهيوني ليس ظاهرة اجتماعية عابرة، بل انعكاساً مباشراً لطبيعة الكيان نفسه:
-
كيان بُني على الاحتلال والقهر
-
يُمارس التمييز ضد الفلسطينيين داخل أراضي 1948
-
يرسّخ سياسة تُهمّش حياة النساء العربيات
-
ويُهمل معالجة الأسباب البنيوية للعنف
إنّ ارتفاع جرائم قتل النساء بهذا الشكل المروّع، وتحوّل 2025 إلى عام دموي غير مسبوق، يعكسان انهيارًا داخليًا يعبّر عن طبيعة كيان غير قادر على حماية المجتمع الذي يدّعي تمثيله.
وفي ظل استمرار الاحتلال وسياسات العنصرية والتمييز، سيبقى العنف ضد النساء خاصة العربيات جزءًا بنيويًا من واقع الكيان، مهما حاولت مؤسساته إخفاء الحقيقة أو تلميع الصورة.
