الوقت- أقدمت منصة إكس على خطوة مفاجئة بتعطيل الترجمة التلقائية من اللغة العبرية، في وقت يشهد فيه الفضاء الرقمي انفجاراً في الخطاب الإسرائيلي المتطرف المؤيد للعنف ضد الفلسطينيين. وبينما حاولت المنصة تقديم القرار كإجراء تقني لمنع انتشار محتوى تحريضي، فإن توقيت الخطوة وسياقها يفتحان أبواب الأسئلة حول احتمال أن يكون القرار نوعاً من الحماية غير المعلنة للرواية الإسرائيلية التي تتعرض عالمياً لانتقادات متصاعدة.
فالترجمة كانت تكشف للعالم حجم التأييد الشعبي داخل إسرائيل للعمليات العسكرية، وللغة الإقصاء والعنصرية، وللدعوات العنيفة التي تتكرر في الخطاب العام. ومع تعطيل الترجمة، يعود هذا المحتوى إلى العتمة اللغوية التي طالما استفادت منها المؤسسة الإسرائيلية لمناورة صورتها أمام المجتمع الدولي.
إخفاء الصوت الحقيقي: هل تخشى إسرائيل أن يُكتشف ما يقوله مجتمعها؟
على مدار الأشهر الأخيرة، برزت ترجمات منشورات باللغة العبرية كنافذة تكشف ما يدور داخل المجتمع الإسرائيلي: خطاب متشدد، دعوات صريحة للعنف، تمجيد للحصار، وإنكار لحق الفلسطينيين في الوجود السياسي. وقد أصبحت هذه الترجمات مادة توثيق تُستخدم في الفضاء الدولي لدحض الدعاية الإسرائيلية التي تحاول تصوير نفسها كـ دولة محاصرة تدافع عن نفسها.
تعطيل الترجمة اليوم يعني خنق القدرة على متابعة هذا الخطاب، وتقييد وصول ملايين المستخدمين حول العالم إلى الصورة الحقيقية للرأي العام الإسرائيلي. ولأن المؤسسة الرسمية في تل أبيب تبذل جهوداً مكثفة لإعادة صياغة سرديتها، يبدو أن تعطيل الترجمة سواء كان قراراً تقنياً خالصاً أو سياسياً مقنّعاً يصب في مصلحتها بشكل مباشر. والأكثر دلالة أن المنصة لم تتخذ خطوة مشابهة تجاه لغات أخرى، ما يعزز شعوراً عاماً بأن ثمة عملية تحييد مقصودة للغة العبرية، لقطع الطريق أمام توثيق ما يكتبه الإسرائيليون حول الحرب والسياسة والهوية.
حرب الروايات: إسرائيل تفقد السيطرة على الصورة… فتبحث عن ستار رقمي
الإعلام الإسرائيلي اعتاد لعقود أن يتحكم في روايته قبل خروجها إلى العالم. لكن عصر المنصات المفتوحة كشف ما كان مخفياً: من التعصب الممنهج إلى الاحتفاء العلني بالعنف. ومع اشتعال الصراع الأخير، جاء المحتوى العبري ليُظهر بوضوح أن شرائح واسعة من المجتمع الإسرائيلي تتبنى خطاباً حاداً وإقصائياً وصل في كثير من الأحيان إلى تأييد الإبادة ورفض أي وجود فلسطيني مستقل.
اختفاء هذا المحتوى عن أعين غير الناطقين بالعبرية هو مكسب كبير لإسرائيل، التي تجد نفسها اليوم في مواجهة عالم لم يعد يصدق روايتها بسهولة. وبينما تكافح الحكومة الإسرائيلية واللوبيات الداعمة لها لإعادة السيطرة على السرد، يبدو تعطيل الترجمة خطوة تساعد في إعادة بناء حاجز لغوي يحمي صورة الداخل من انكشاف مستمر.
إكس في قلب العاصفة: هل أصبحت المنصة جزءاً من مشكلة التعتيم؟
رغم تبريرات المنصة، فإن تعطيل لغة كاملة بسبب كثرة خطاب الكراهية فيها يطرح سؤالاً بديهياً: لماذا لا تتم مواجهة المحتوى المخالف عبر محاسبة ناشريه بدلاً من إخفائه عن العالم؟
فالقرار يعكس منطقاً معكوساً: بدلاً من مساءلة الخطاب الإسرائيلي عن سبب كثافة التحريض والعنصرية داخله، يتم ببساطة إغلاق نافذة الترجمة كي لا يرى العالم ما يحدث. وهذا السياق يجعل من المنصة شريكاً ولو بشكل غير مباشرفي تقليل الشفافية، ويحوّل قراراً تقنياً ظاهرياً إلى خطوة ذات أثر سياسي واضح.
وحتى تعلن المنصة بيانات دقيقة تثبت أن الخطوة لا تستهدف التعمية على الخطاب الإسرائيلي، ستبقى الشكوك قائمة، وسيظل القرار مثالاً على تحول الشركات الرقمية إلى أدوات غير مباشرة في خدمة روايات دول تبحث عن حماية صورتها لا عن كشف حقيقتها.
تلاعب بالرواية الرقمية: كيف تستفيد إسرائيل من "العمى اللغوي"؟
إسرائيل تدرك جيداً أن أخطر ما يهدد روايتها ليس فقط النقد السياسي، بل انكشاف ما يقوله مواطنوها عندما لا يراقبهم العالم. فالخطاب العنيف الذي يتصدر المنصات العبرية كان طوال الفترة الماضية دليلاً حياً على اتجاهات داخلية تتعارض بالكامل مع الصورة التي تحاول المؤسسة الإسرائيلية تصديرها للخارج. ومن هنا يصبح حجب الترجمة خطوة تمنحها فرصة لإعادة ترتيب أوراقها، لأن اختفاء تلك المنشورات يعني دفن الأدلة الرقمية التي تُظهر حجم التأييد الشعبي لسياسات الإقصاء والعنف. هذا "العمى اللغوي" ليس مجرد صدفة تقنية، بل مكسب سياسي يتيح لإسرائيل استعادة جزء من السيطرة.
الفضاء الرقمي تحت السيطرة: محاولات إسرائيل لاستعادة الهيمنة المعلوماتية
في عالم تتسارع فيه المعلومات، تفقد الحكومات القدرة على احتكار روايتها، وإسرائيل ليست استثناء. فخلال الأشهر الأخيرة، كشف المحتوى العبري عن هوة واسعة بين الخطاب الرسمي وما يكتبه المستخدمون الإسرائيليون بأنفسهم. ومع اتساع رقعة التضامن العالمي مع الفلسطينيين وانتشار مواد مترجمة تفضح خطاب الكراهية المتداول، أصبح واضحاً أن إسرائيل تخوض على الإنترنت معركة دفاعية شرسة.
تعطيل الترجمة يوفر لها متنفساً مؤقتاً، لكنه يعكس شعوراً متزايداً بفقدان السيطرة على السرد. وهذا الإجراء ليس مجرد محاولة للحد من الإحراج السياسي، بل خطوة تكشف خوفاً عميقاً من أن تتحول الحقائق الرقمية إلى أداة إدانة عالمية لسياساتها. وهكذا، يصبح الفضاء الرقمي ساحة صراع لا يقل ضراوة عن ساحات المعارك الأرضية، حيث تُقاتل إسرائيل من أجل بقاء روايتها، حتى إن كان الثمن هو حجب اللغة عن العالم.
