الوقت- في مشهد تختلط فيه البراءة بالدم، تتواصل جرائم الكيان الإسرائيلي في قطاع غزة، حيث لم تعد الحرب مقتصرة على القصف المباشر أو التدمير الممنهج للمنازل والبنى التحتية، بل وصلت إلى استهداف الأطفال بشكل مباشر وممنهج، من خلال ترك ألعاب محشوة بالمتفجرات في الشوارع والأحياء السكنية، ليصبح اللعب اليومي للأطفال الفلسطينيين وسيلة موت.
وفقاً لتقارير طبية من داخل القطاع، فإن الأطفال الذين يقتربون من هذه الألعاب يتعرضون لانفجارات مميتة، تتسبب في بتر الأطراف وتشويه الوجوه، بينما تتكدس المستشفيات بلا موارد كافية لعلاج هذه الإصابات، وقد صرح منير البرش، مدير عام الصحة العامة في غزة، بأن المستشفيات تستقبل عشرات الأطفال يومياً مصابين بانفجارات ناجمة عن ألعاب مزيفة.
وأضاف:"غزة أصبحت الأعلى في العالم من حيث عدد الأطفال المصابين بفقد الأطراف، والكثير من العمليات الجراحية تُجرى دون التخدير بسبب نقص الأدوية والمعدات الطبية نتيجة الحصار الإسرائيلي المستمر."
دم الأطفال يتحول إلى سلاح
ما يجري في غزة ليس مجرد حرب عسكرية، بل هو تدمير ممنهج للطفولة، الكيان الإسرائيلي لم يكتفِ باستخدام الصواريخ والمدفعية الثقيلة ضد المدنيين، بل طور أساليب جديدة للقتل تستهدف البراءة نفسها، الألعاب التي كانت رموزاً للمرح والتحفيز النفسي أصبحت أدوات لقتل الأطفال وتشويه أجسادهم.
تقارير منظمات حقوقية دولية مثل هيومن رايتس ووتش تؤكد أن استخدام المتفجرات في مناطق مأهولة بالسكان المدنيين يعد جريمة حرب، وخصوصاً عندما يكون المستهدف الأطفال، وقد أشار التقرير إلى أن المستشفيات الفلسطينية تعاني نقصاً حاداً في الأدوية وأدوات التخدير والمعدات الجراحية، ما يجعل معظم عمليات البتر والحوادث الطارئة صعبة ومعقدة، وبعضها يجرى دون تخدير كامل للأطفال المصابين.
منظمة Save the Children رصدت خلال الأشهر الماضية إصابة أكثر من 5,000 طفل بجروح بليغة، بينهم من فقدوا أطرافهم، فيما يواجه نحو 15 طفلاً يومياً احتمال الإعاقة الدائمة نتيجة انفجار ألعاب أو عبوات ناسفة وضعت في الشوارع والمناطق السكنية.
الحصار شريك الجريمة
الحصار المفروض على غزة منذ سنوات طويلة يلعب دوراً محورياً في تعزيز هذه الجرائم، فهو لا يقتصر على منع دخول الأسلحة فقط، بل يمتد ليشمل الأدوية، المعدات الطبية، الغذاء، وحتى الألعاب، هذه السياسة تجعل الأطفال الفلسطينيين عرضة للخطر في حياتهم اليومية، حتى في لحظات اللعب.
حسب تقارير صحفية، تم حظر دخول العديد من الألعاب البسيطة، والأدوات التعليمية، وأحياناً المواد الغذائية الأساسية، في حين يستمر القصف وترك العبوات المتفجرة في الأحياء، هذا يعني أن حياة الأطفال في غزة أصبحت مخاطرة يومية، وأن براءتهم معرضة للخطر ليس فقط من القصف المباشر، بل من كل ما يحيط بهم في حياتهم اليومية.
شهادات حية من المستشفيات
الدكتور أحمد كمال، جراح أطفال في مستشفى الشفاء بغزة، قال:
"نستقبل يومياً أطفالاً فقدوا أطرافهم أو أصيبوا بجروح خطيرة، أحياناً نضطر لإجراء عمليات بتر عاجلة من دون تخدير كامل بسبب نقص الأدوية، كل انفجار لعبة صغيرة يُسجل دماء جديدة على الجدران، وكل يوم يحمل معه قصة جديدة لأطفال لم يعرفوا السلام أبداً."
أما الدكتورة ليلى المصري، أخصائية طب نفسي للأطفال، فتضيف:
"الأطفال الذين ينجون من الانفجار يعيشون صدمة نفسية مستمرة، الكثير منهم يرفضون اللعب، ويخافون حتى من الأصوات العالية، هذه الطفولة المسروقة ستظل أثرها مستمراً مدى الحياة."
التحليل الاستراتيجي: لماذا تستهدف الألعاب؟
هناك أبعاد عدة توضح لماذا يلجأ الكيان الإسرائيلي إلى هذا الأسلوب الوحشي:
- إرهاب النفس والبراءة: الألعاب رمز البراءة، وتحويلها إلى أدوات قتل يعكس إرهاباً نفسياً مباشراً يطال الطفل وعائلته.
- توسيع دائرة الحرب لتشمل الحياة اليومية: الحياة اليومية للأطفال أصبحت ميدان قتال، فاللعب أصبح محفوفاً بالمخاطر.
- تدمير المستقبل الفلسطيني: الأطفال الذين يفقدون أطرافهم أو يعانون إعاقات دائمة سيظلون عبئاً مادياً ونفسياً على عائلاتهم، بينما يُقوّض هذا المستقبل الاقتصادي والاجتماعي للقطاع بأكمله.
- رفع مستوى الرعب الجماعي: استهداف الأطفال يزيد من ضغط الرعب النفسي على السكان، ويعزز شعور اليأس والعجز في المجتمع الفلسطيني.
تداعيات الحصار الطبي
الحصار الإسرائيلي أدى إلى نقص مستلزمات العمليات الجراحية، وأجهزة التأهيل، والأدوية الأساسية، ما يجعل علاج الإصابات الناتجة عن انفجار الألعاب أمراً معقداً وصعباً، الأطفال الذين يجرى لهم البتر يظلون بلا قدر كافٍ من الرعاية أو التأهيل، في حين تستمر الحرب النفسية والجسدية على الأطفال.
تقرير منظمة أطباء بلا حدود أشار إلى أن الأطفال الذين نجوا من انفجار الألعاب يعانون من إعاقات دائمة ونقص التأهيل، بينما تواجه المستشفيات نقصاً كبيراً في الطواقم الطبية، ما يزيد المعاناة.
دعوة المجتمع الدولي للتحرك
في ظل هذه الجرائم، هناك خطوات عاجلة يجب أن تتحرك بها المؤسسات الدولية:
- توثيق الجرائم وحماية الأدلة: تصوير الحالات، تسجيل الشهادات، وتوثيق الانتهاكات لتقديمها إلى المحاكم الدولية.
- محاسبة المسؤولين: جرائم استهداف الأطفال يجب أن تُعرض على محكمة الجنايات الدولية.
- رفع الحصار عن غزة: للسماح بدخول الأدوية، المعدات الطبية، واللوازم الأساسية للأطفال.
- تأمين سلامة الأطفال: إزالة الألغام والعبوات الناسفة، وتأمين مناطق لعب آمنة للأطفال.
- الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال الناجين: توفير برامج تأهيل نفسي ودعم اجتماعي لتخفيف أثر الصدمات.
طفولة مسروقة في غزة
أطفال غزة يعيشون في جحيم مستمر، حيث الموت يمكن أن يأتي من لعبة صغيرة، والابتسامة تتحول إلى صراخ، والحلم يتحول إلى كابوس، الكيان الإسرائيلي لم يكتفِ بالقتل المباشر، بل اخترع وسيلة جديدة لاستهداف الطفولة، عبر الألعاب المحشوة بالمتفجرات.
هذه الجرائم ليست مجرد انتهاكات عابرة، بل حرباً على البراءة نفسها، وعلى مستقبل المجتمع الفلسطيني بأكمله، الدماء التي تسيل في أزقة غزة هي شهادة على وحشية الاحتلال واستهدافه المباشر للأطفال المدنيين، وعلى مسؤولية المجتمع الدولي للتحرك فوراً لوقف هذه الجرائم المروّعة.
الطفولة في غزة اليوم دماء وأشلاء وأحلام محطمة، والبراءة تُقتل ببطء تحت أنظار العالم، على الجميع أن يتحرك قبل أن تموت آخر ابتسامة فلسطينية، قبل أن تتحول غزة بالكامل إلى مقبرة للطفولة.
