الوقت- قبل عام، كان "زهران ممداني" شخصيةً سياسيةً مغمورةً، أما اليوم فهو عمدة أكبر وأكثر مدن أمريكا تجاريةً، سيصبح الأمريكي البالغ من العمر 34 عامًا أول عمدة مسلم لنيويورك، مدينةٌ يتجاوز تأثيرها حدود أمريكا، وتُعرف كإحدى عواصم الرأسمالية في العالم.
حتى قبل عام، كان ممداني معروفًا فقط بين أصدقائه وأقاربه، أما الآن فقد أصبح الشخصية الأبرز في مدينة نيويورك، بفضل حضوره الذكي على وسائل التواصل الاجتماعي وحملته الشعبية، تمكّن ممداني من حشد آلاف الناخبين لأول مرة، وكثير منهم من الشباب أو من ذوي البشرة الملونة، إلى صناديق الاقتراع، وقد رسمت مقاطع الفيديو التي ألقاها صورةً مفعمةً بالأمل والمحبة لنيويورك، وانتقد مرارًا وتكرارًا ارتفاع تكلفة المعيشة في مدينة نيويورك، مؤكدًا أن الحياة لا ينبغي أن تكون بهذه الصعوبة.
كيف استقطب ممداني تأييد سكان نيويورك؟
تضمنت العديد من منشورات ممداني على وسائل التواصل الاجتماعي تعهده بالحفاظ على انخفاض الإيجارات، وكبح أسعار العقارات، وتوفير وسائل نقل بأسعار معقولة، وخلق فرص عمل للشباب، وقد جعله الفيديو الأكثر مشاهدة، والذي أجرى فيه مقابلات مع سكان نيويورك من الطبقة العاملة من ذوي البشرة الملونة وسألهم عن سبب تصويتهم لترامب أو عدم تصويتهم على الإطلاق، اسمًا مألوفًا.
إن طبيعة ممداني المنفتحة واستعداده للخروج ومقابلة الناس - بمن فيهم منتقدوه - جعلته يتناقض تمامًا مع خصمه، أندرو كومو، وبينما أيد بعض اليساريين الديمقراطيين ممداني، إلا أنه كان يُنظر إليه كمرشح مستقل.
وُلد ممداني ونشأ في كامبالا، أوغندا، ثم انتقل مع عائلته إلى مدينة نيويورك في سن السابعة، وهو ابن مخرج سينمائي شهير وأستاذ جامعي في جامعة كولومبيا، التحق بمدرسة برونكس للعلوم الثانوية الحكومية، حيث أسس أول فريق كريكيت فيها، حصل على درجة البكالوريوس في الدراسات الأفريقية من كلية بودوين عام ٢٠١٤، حيث أسس أول فرع طلابي لمعهد العدالة من أجل فلسطين، أصبح مواطنًا أمريكيًا عام ٢٠١٨.
قبل انضمامه إلى مجلس مدينة نيويورك، دخل ممداني مجلس الولاية ممثلًا عن الدائرة السادسة والثلاثين في مدينة نيويورك، والآن، بفوزه بمنصب عمدة مدينة نيويورك، أصبح أول أمريكي من أصل هندي، وأول أوغندي، وأول مسلم يتولى قيادة مدينة نيويورك، عاصمة الرأسمالية الأمريكية.
تضمنت خطط عمدة مدينة نيويورك مراقبةً شاملةً وواسعة النطاق لأسعار الإيجارات وجودة الحياة، ورعاية الأطفال، والغذاء، ودعم سياساتٍ مثل رفع الضرائب على الأثرياء في مدينة نيويورك، ورفع ضرائب الشركات، والحفاظ على إيجارات الشقق ثابتة.
كما اقترح خططًا مثل إنشاء رياض أطفال عامة، وحافلات مجانية، ومتاجر بقالة بلدية، وتحديد الحد الأدنى للأجور بـ 30 دولارًا.
مؤيدون للهجرة، ومؤيدون للمستأجرين، ومؤيدون للحكومة، ومناهضون للمليارديرات؛ كانت هذه هي شعارات حملة ممداني الانتخابية، كانت رسالة ممداني إلى سكان نيويورك: "مدينةٌ يعيش فيها الجميع بأمان وكرامة"، كانت رسالة ممداني، على الصعيد الوطني، هي الرسالة ذاتها التي حاول الديمقراطيون إيصالها في مؤتمرهم الصحفي، وقد نجحت في الانتخابات.
شعورٌ مشتركٌ بالخطر بين الجمهوريين والديمقراطيين
أشعرت سياسات ممداني الجمهوريين بالخطر، بينما يشعر الديمقراطيون أيضًا بالقلق بشأن مستقبلهم السياسي، أيد بعض الديمقراطيين الذين انتقدوا ممداني أندرو كومو، الحاكم الديمقراطي السابق لنيويورك، في سباق رئاسة البلدية. أما القادة الديمقراطيون الرئيسيون، فقد قدموا دعمًا فاترًا لممداني أو لم يقدموا أي دعم على الإطلاق، بينما حاول الديمقراطيون المعتدلون النأي بأنفسهم عن خطابه.
تردد زعيم الأقلية في مجلس النواب، حكيم جيفريز، وهو ديمقراطي من نيويورك، في تأييد ممداني، حيث أعلن دعمه قبل يوم واحد فقط من بدء التصويت المبكر، ولم يؤيد أي من أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين في نيويورك، بمن فيهم زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ تشاك شومر، ممداني.
ويجب أيضًا مراعاة أن نجم ممداني السياسي قد ارتفع في الوقت الذي بلغت فيه حمى القومية البيضاء ذروتها، وتزايد الاستبداد في إدارة ترامب الثانية، وأن فوزه في انتخابات نيويورك يُظهر أن سكان نيويورك غير مستعدين لمسايرة سياسات ترامب المتعلقة بالهجرة والسياسة.
من ناحية أخرى، سلك ممداني مسارًا غير تقليدي في صعوده السياسي، إذ شق طريقه نحو الفوز ليس من خلال الحملات الإعلانية الضخمة للحزب الديمقراطي، بل من خلال التواصل مع أدنى طبقات المجتمع وعامة الناس، فبدلًا من تنظيم فعاليات إعلانية فخمة وخطب ضخمة، لجأ ممداني إلى علاقات شخصية مع سائقي سيارات الأجرة وعامة الناس ومندوبي المبيعات والطبقات المهمشة في نيويورك، وأثر في قلوب الكثيرين منهم، وتمكن من كسب أصوات ناخبي نيويورك دون الاعتماد على حملات الحزب الديمقراطي الإعلانية الضخمة، وذلك بفضل قدراته الفردية.
المسار المعاكس في عاصمة الرأسمالية الأمريكية
أحد أسباب شعبية زهران ممداني في نيويورك هو شعاراته المناهضة للرأسمالية في هذه المدينة التي تتمركز حول العاصمة، وقد أثار اقتراح ممداني بتحصيل 5 مليارات دولار سنويًا عن طريق زيادة ضريبة دخل الولاية بنسبة 2% على من يزيد دخلهم عن مليون دولار (أي حوالي 1% من دافعي الضرائب) غضب أثرياء نيويورك، في الوقت نفسه، تجدر الإشارة إلى أن ممداني يحتاج إلى دعم حاكم الولاية لزيادة معدل الضرائب، وهو ما يعارضه حاكم نيويورك الحالي.
بلغت مخاوف فوز ممداني في انتخابات عمدة نيويورك حدًا دفع 26 مليارديرًا أمريكيًا، من مايكل بلومبرغ إلى بيل أكمان، إلى إنفاق ملايين الدولارات لمنع فوزه، يُظهر هذا التحالف غير المسبوق بين الرأسماليين أن حملة ممداني، التي تجاوزت كونها منافسة انتخابية، أصبحت مسرحًا لصراع أيديولوجي بين السياسة الشعبية وسلطة رأس المال.
هيمنة الخطاب الفلسطيني في نيويورك
من المهم الإشارة إلى أن ممداني نجح في كسب دعم الناخبين المؤيدين للفلسطينيين في نيويورك بالاعتماد على سجله الداعم لفلسطين، وقد تبنى ممداني مواقف انتقادية للغاية تجاه الكيان الصهيوني، واتهم الكيان الإسرائيلي بتطبيق سياسات الفصل العنصري في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
بدا برنامج ممداني العلني والصريح لدعم الفلسطينيين كمرشح لمنصب عمدة المدينة أمرًا مستحيلًا في البداية، منذ عملية طوفان الأقصى في الـ 7 من أكتوبر/تشرين الأول 2023، اتهم "إسرائيل" بالإبادة الجماعية في جميع خطاباته، ووعد باعتقال قادة هذا الكيان، وقد صرّح بوضوح بأنه لا يستطيع دعم كيان يُعرّف نفسه رسميًا بأنه "دولة يهودية" ولا يعترف بحقوق الفلسطينيين.
يُظهر فوز ممداني في انتخابات عمدة نيويورك أن الآراء تجاه "إسرائيل" في نيويورك قد تغيرت بعد حرب غزة، وأن هذا الموقف المؤيد للفلسطينيين هو الذي حقق النصر في نيويورك.
