الوقت- وفقًا لتقرير نشره موقع "بروفايل" النمساوي، عُقد اجتماعٌ استمر أربعة أيام بعنوان "تحريك الجبال" في مدينة سيفيلد بولاية تيرول، حضر هذا الاجتماع المغلق حوالي 80 شخصية بارزة من مختلف المجالات، وكان جدول الأعمال مواضيع مثل الذكاء الاصطناعي، والاقتصاد الأوروبي، ومستقبل الشرق الأوسط.
كان من بين المشاركين عددٌ من الأمراء العرب، ومليارديرات، وكبار المديرين التنفيذيين في شركات التكنولوجيا، ووزير الدفاع اليوناني، والرئيس التنفيذي السابق لشركة جوجل، ومع ذلك، فإن حضور شخصيتين مميزتين جعل الاجتماع يتجاوز الإطار الاقتصادي والتجاري البحت ويتخذ بُعدًا سياسيًا أكثر وضوحًا: أحدهما محمد شيمشك، وزير المالية التركي، والآخر أونير نتنياهو، نجل رئيس الوزراء الإسرائيلي.
استضاف الاجتماع سيباستيان كورتس، المستشار السابق للنمسا، وكارل تيودور تسو غوتنبرغ، وزير الدفاع الألماني السابق، ووفقًا للتقارير، فإن الدافع الرئيسي لكورس لتنظيم مثل هذا المنتدى يعود إلى حد كبير إلى مصالحه الاقتصادية وعلاقاته الشخصية في الشرق الأوسط، فقد شارك كورتس في العديد من المشاريع الاقتصادية في المنطقة في السنوات الأخيرة، وهو من بين الشخصيات التي تسعى إلى بناء علاقات جديدة بين الدول العربية و"إسرائيل"، وهو أيضًا عضو في المجلس الاستشاري لمعهد إبراهيم للسلام، وهي مؤسسة أسسها جاريد كوشنر، صهر دونالد ترامب.
تشير التقارير إلى أن كوشنر لعب دورًا محوريًا في التخطيط للقاء شرم الشيخ والترويج له، وأنه لم يتقدم في مساره عبر الدبلوماسية الرسمية، بل من خلال شبكاته الشخصية والتجارية مع الأمراء والحكام العرب، لذلك، يمكن اعتبار هذا اللقاء في النمسا جزءًا من خطته الأوسع لإعادة رسم ملامح الشرق الأوسط؛ مشروع يهدف في نهاية المطاف إلى إرساء نظام جديد في المنطقة.
نظرًا لتوقيع اتفاقية سرية بين المشاركين، لا تتوافر معلومات كثيرة عن اللقاء، مع ذلك، يعتقد المحللون أن مثل هذه اللقاءات السرية والتعاون يمكن أن يلعب دورًا حاسمًا في المستقبل السياسي للمنطقة، كما يعتقد بعض الخبراء أن بعض هذه الحركات تهدف إلى خلق تنسيق بين الغرب والدول العربية وتركيا ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
إلى جانب هذه التحليلات السياسية، أضفى البعض على هذه الحركات طابعًا دينيًا ورؤيويًا، وتروج الحركات الإنجيلية المسيحية واليهود اليمينيون لهذه التفسيرات بشكل خاص، وتستمد جذورها من المزمور 83 لداود، في هذا المزمور، يطلب رجل يُدعى آساف من الله: "يا رب، لا تسكت، لأن أعدائك يُثيرون ضجيجًا، ومبغضوك قد رفعوا رؤوسهم، يتآمرون على شعبك ويتشاورون، لكي لا يُذكر اسم إسرائيل من بعد".
ووفقًا لهذه القراءة، يُنظر إلى محور المقاومة الذي تقوده إيران على أنه نفس القبائل القديمة المعادية لـ"إسرائيل"، والتي أعادت تنظيم صفوفها ضدها في شكل حديث، من هذا المنظور، يُمثل التحالف الجديد بين بعض الدول العربية و"إسرائيل" والغرب محاولةً لتحقيق الوعد الإلهي ومواجهة أعداء شعب "إسرائيل"، ورغم أن هذا التصور يبدو راديكاليًا من منظور ديني وأيديولوجي، إلا أنه في ظل المناخ السياسي الراهن في المنطقة، لا يمكن تجاهل تأثير هذه النظرة الدينية على صنع القرار السياسي.
كشفت العلاقات السرية وغير الرسمية بين بعض الدول العربية والكيان الصهيوني عن وجه جديد للبراغماتية الأداية في الشرق الأوسط، العديد من الحكومات العربية، التي كانت تُصوّر نفسها يومًا ما كمدافعة عن القضية الفلسطينية، أصبحت الآن جزءًا من شبكة التعاون الإسرائيلي الغربي تدريجيًا في ظل اتفاقيات أمنية وتكنولوجية واقتصادية.
العملية التي بدأت مع الإمارات والبحرين مستمرة الآن على مستويات غير رسمية في السعودية ومصر وحتى الأردن، ظاهريًا، تُؤكد هذه الدول على موقفها التقليدي من "حق الشعب الفلسطيني"، لكنها عمليًا، من خلال تطبيع العلاقات والاستثمارات المشتركة في مشاريع الطاقة وتبادل المعلومات الاستخباراتية، ساهمت في استقرار موقع إسرائيل الجيوسياسي في قلب المنطقة.
من منظور استراتيجي، يمكن اعتبار هذا التحول نوعًا من صفقة كبرى للبقاء والأمن في النظام الأمريكي الصهيوني؛ نظام يُعيد تعريف الهوية السياسية للعالم العربي، من خلال وعده بـ"الاستقرار" و"التقدم" الاقتصاديين، بما يخدم مصالح تل أبيب، وعلى المنوال نفسه، فإن تركيا، التي سعت يومًا ما إلى كسب لقب "حامية القدس" بخطاب أردوغان، قد اقتربت أيضًا من المحور نفسه بطريقة مزدوجة وتكتيكية.
تُفسر أنقرة علاقاتها مع "إسرائيل" ظاهريًا في إطار دبلوماسية متوازنة، لكنها في الواقع شكّلت شبكةً متعددة الطبقات من التعاون الأمني والمالي بين أسواق الخليجية وتل أبيب والمؤسسات الغربية.
وترسّخ تركيا مكانتها كوسيط بين العرب وإسرائيل من خلال تجارة الطاقة، وتبادل تقنيات المراقبة، والتعاون في مشاريع البنية التحتية، هذا التوجه، ولا سيما بعد حرب غزة والاجتماعات السرية مثل شرم الشيخ وسيفيلد، أبرز الوجه الحقيقي للسياسة التركية: لم تعد تركيا طرفًا يدّعي قيادة الأمة الإسلامية، بل شريكًا صامتًا في نظام ضحّى بفلسطين من أجل مصالح اقتصادية وطموحات جيوسياسية.
نتيجةً لذلك، لم تُرتكب خيانة القضية الفلسطينية من داخل أعدائها المُعلنين، بل من حلفائها السابقين، الذين يُزعم أنهم مسلمون؛ خيانةٌ هادئة مُدبّرة، مُغطّاةٌ بعباءة التنمية والاستقرار الإقليميين.
                            