الوقت- بعث عبد الواحد أبوراس، معاون وزير الخارجية في الجمهورية اليمنية، برسالة رسمية إلى محمد درويش، رئيس مجلس قيادة حركة حماس، أكّد فيها أن موقف اليمن الداعم للقضية الفلسطينية والمقاومة ليس موقفًا سياسيًا عابرًا أو خيارًا مرحليًا، بل هو "واجب ديني، والتزام أخلاقي وإنساني" نابع من إرادة الشعب اليمني الحرة ومن مشاعره التاريخية المتجذّرة تجاه فلسطين وشعبها.
وجّه أبوراس في رسالته التهاني إلى الشعب الفلسطيني وفصائل المقاومة على "انتصارهم" في غزة، مؤكّدًا أن اليمن كانت وستظل في طليعة الدول التي تنحاز إلى حقوق الشعب الفلسطيني، وأنها لن تتراجع عن هذا الموقف مهما اشتدت الضغوط أو تكاثرت التحديات السياسية والعسكرية والاقتصادية.
كما تضمّنت الرسالة عرضًا موجزًا للإجراءات العسكرية والسياسية والاقتصادية التي اتخذتها الجمهورية اليمنية، في إطار ما وصفه بمحاولة ممارسة ضغط حقيقي على الاحتلال الإسرائيلي لوقف "جرائم الإبادة الجماعية، وسياسة الحصار والتجويع الممنهجة ضدّ مدينة غزة". وأشار أبوراس إلى أن استهداف الحكومة اليمنية أو الصحفيين والإعلاميين، وكذلك الضغوط السياسية والاقتصادية التي تواجهها صنعاء، لن تثني اليمن عن موقفها الثابت في نصرة الشعب الفلسطيني، مؤكّدًا أن الدعم اليمني سيستمر حتى زوال الاحتلال الإسرائيلي وإقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس.
يأتي هذا التصريح في وقت تتصاعد فيه الفوضى في قطاع غزة، حيث تتعرض الهدنة الهشة لانتهاكات متكرّرة، بينما يواصل الاحتلال الإسرائيلي شنّ غارات جوية على مناطق متفرقة، رغم الادعاءات بعودة الهدوء. وتثير هذه التطورات موجة جديدة من الغضب العربي والإسلامي، في ظل استمرار معاناة المدنيين وازدياد الأوضاع الإنسانية سوءًا.
على الصعيد الداخلي اليمني، تواجه السلطات في صنعاء ضغوطًا دوليا متزايدا على خلفية اعتقال موظفين تابعين للأمم المتحدة، متهمين — بحسب مصادر يمنية — بالمشاركة في عملية تجسس لصالح الاحتلال الإسرائيلي، استهدفت قيادات من جماعة أنصار الله. وقد أوضح أبوراس أن هؤلاء المحتجزين سيخضعون لمحاكمة عادلة تحت إشراف قضائي مباشر، مشيرًا إلى أن الإجراءات تمت بتنسيق ومتابعة دقيقة من النيابة العامة اليمنية.
وفي ما يتعلق بالعلاقات الخارجية والتصعيد الإقليمي، أعلن مسؤول يمني رفيع أن أي تهديد يُوجَّه إلى اليمن سيُواجَه بردّ “حاسم وشامل”، وذلك ردًا على تصريحات لوزير في حكومة الاحتلال الإسرائيلي هدّد برفع علم الاحتلال فوق العاصمة صنعاء، في تصريح استفزازي قوبل بموجة غضب واسعة وردود نارية من اليمنيين.
ويأتي هذا التصعيد الكلامي متزامنًا مع نشاط عسكري فعلي، إذ شنّ الاحتلال الإسرائيلي في أغسطس/آب الماضي غارات على العاصمة صنعاء، أسفرت عن استشهاد أربعة أشخاص وإصابة العشرات، وفق تقارير إعلامية. وزعمت حكومة الاحتلال أن الضربات استهدفت مواقع عسكرية قرب القصر الرئاسي ومحطات توليد الكهرباء ومرافق الوقود، بينما اعتبرت صنعاء أن هذه الهجمات تمثل انتهاكًا صارخًا للسيادة اليمنية وعدوانًا سافرًا ضد دولة مستقلة.
يمكن النظر إلى هذا الموقف اليمني بوصفه رسالة قوية تهدف إلى ترسيخ صورة اليمن كطرف فاعل في محور المقاومة، ليس عبر امتلاك ترسانة ضخمة أو قوات هائلة، بل من خلال الثبات على المبدأ، والقدرة على الصمود أمام الضغوط الإقليمية والدولية. هذا الثبات يمنح اليمن وزنًا خاصًا في المعادلة الجيوسياسية للمنطقة، ويؤكّد أن تأثيرها لا يُقاس فقط بالإمكانات العسكرية، بل بالموقف والمصداقية السياسية.
في المقابل، قد يكون لهذا التصريح تأثيرات ملموسة على المشهدين الفلسطيني والإقليمي؛ فمن جهة، يعزز معنويات المقاومة الفلسطينية، ويؤكد أن هناك قوى وشعوبًا عربية لا تزال تقف معها بوضوح وجرأة، ومن جهة أخرى، قد يدفع الاحتلال الإسرائيلي والدول الداعمة له إلى إعادة تقييم حساباتهم الأمنية والاستراتيجية، خصوصًا إذا ما تزايدت احتمالات توسّع جبهة المواجهة إلى مناطق جديدة مثل اليمن أو البحر الأحمر.
وفي المحصلة، يُمكن القول إن هذا التصريح يمثل حلقة جديدة في مسار الموقف اليمني الثابت، الذي تبنّى منذ اندلاع الحرب على غزة خطابًا مقاومًا واضح المعالم، قائمًا على الانحياز الكامل لمحور مناهضة الاحتلال الإسرائيلي، والتمسك بحق الشعوب في تقرير مصيرها ومواجهة العدوان بكافة أشكاله.
