الوقت- السؤال الأهم في البلاد هذه الأيام يتعلق بإمكانية شنّ الكيان الصهيوني، وربما الولايات المتحدة، هجومًا جديدًا على إيران، وتدور جميع أخبار المفاوضات النووية والتطورات في المنطقة تقريبًا حول هذه القضية أو تُقيّم في إطارها، ويعتقد قطاع واسع من الخبراء والمحللين أن هجومًا جديدًا من الكيان الصهيوني على إيران أمرٌ مؤكد، وبالطبع، هناك اختلافات في الآراء حول توقيت هذا الهجوم"، على النقيض من هذا الرأي، يرى بعض الخبراء والمحللين أنه في ظل الظروف الراهنة ووقائع حرب الاثني عشر يومًا، لا توجد لدى الكيان الصهيوني والولايات المتحدة حاليًا أي خطط لمهاجمة إيران، ويُظهر تحليل كلا الرأيين أن هؤلاء الخبراء يقدمون أسبابًا قوية ومبررة لتقييمهم لهجوم متجدد على إيران، وبناءً على ذلك، لا يمكن قبول رأي واحد على وجه اليقين، ورفض الرأي الآخر.
الحرب قادمة
يطرح الخبراء الذين يعتبرون هجومًا عسكريًا متجددًا من الكيان الصهيوني على إيران أمرًا مؤكدًا هذا الرأي لسببين رئيسيين.
أولاً - استراتيجية الكيان الصهيوني ضد إيران
ثانياً - سياسات وسلوك الولايات المتحدة والغرب تجاه إيران
بعد الـ 7 من أكتوبر/تشرين الأول 2023، واجه الكيان الصهيوني تهديداً وجودياً خطيراً للغاية، وللخروج من هذا المأزق الوجودي، وضع نتنياهو توسيع نطاق الحرب على جدول أعماله، وأكد منذ الأشهر الأولى للحرب أنه سيجرّها إلى إيران.
مهّد الكيان الصهيوني الطريق لصراع عسكري مع إيران بمهاجمة مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق، كما أظهر اغتيال الشهيد إسماعيل هنية في طهران أن الصهاينة يستعدون لصراع عسكري مع إيران، وأخيراً، في صباح الـ 13 من يونيو/حزيران، هاجم الكيان الصهيوني إيران بدعم شامل وغير مسبوق من الولايات المتحدة. استمرت الحرب 12 يوماً، وبمساعدة ومشاركة الولايات المتحدة، تمكن الكيان الصهيوني من تدمير المنشآت النووية الإيرانية، وضرب مراكز الصواريخ الإيرانية إلى حد ما؛ بالإضافة إلى اغتيال عدد من كبار القادة العسكريين والعلماء الإيرانيين.
أظهرت طريقة هجوم الكيان الصهيوني أن نتنياهو كان يخطط لمواصلة الصراع العسكري مع إيران، علاوة على ذلك، خلال حرب الاثني عشر يومًا، استُهدفت أيضًا بعض المواقع والمنشآت العسكرية والعلمية، مثل مبنى الشرطة وسجن إيفين، بالإضافة إلى بعض المراكز الأمنية والقضائية الإيرانية، أظهر هذا الإجراء من جانب الكيان بوضوح أن مواقف نتنياهو الساعية إلى خلق الفوضى في إيران، وتغيير الكيان في نظره، ليست مجرد تكتيكات عمليات نفسية. وعليه، يُتوقع أن يكون الكيان الصهيوني قد وضع هذا الهدف على جدول أعماله، ويعتبر الهجوم العسكري على إيران مُكملًا للفوضى وتغيير الكيان السياسي في إيران. وهذا أحد الافتراضات التي يرى بعض الخبراء أن تكرار الهجوم العسكري من قبل الكيان الصهيوني على إيران أمرٌ مؤكد.
من ناحية أخرى، يرى هؤلاء الخبراء أن حالة القدرات الدفاعية الإيرانية في حرب الاثني عشر يومًا تُشجع الكيان الصهيوني على مهاجمة إيران مجددًا، يعتقد هؤلاء الخبراء أنه على الرغم من أن الكيان الصهيوني لم يتمكن من احتواء القدرات الهجومية الإيرانية بالكامل خلال حرب الـ 12 يومًا، إلا أن حالة الدفاع الإيرانية جعلت نتنياهو على استعداد لتجربة حظه مرة أخرى لهذا الغرض.
وبناءً على ذلك، يتضح أنه، لتحقيق هذا الهدف، يسعى بالدرجة الأولى إلى إضعاف جبهة المقاومة، وعلى رأسها الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بمعنى آخر، يعتبر الكيان الصهيوني جبهة المقاومة العقبة الرئيسية أمام هيمنته على المنطقة، ولذلك يعتقد أنه بتخطيها، سيتمكن من تحقيق ذلك بسهولة، وبالتالي، تزداد احتمالية هجوم هذا الكيان على إيران مجددًا.
ومن العوامل الأخرى التي تُثير احتمال شن هجوم عسكري جديد على إيران مواقف وتصريحات المسؤولين الصهاينة، إذ يتحدث بعض مسؤولي الكيان، وكذلك وسائل الإعلام التابعة للحكومة في تل أبيب، باستمرار عن خطط الكيان الصهيوني لمهاجمة إيران مجددًا، وإلى جانب وسائل إعلام الكيان، تنشر بعض وسائل الإعلام الأمريكية والغربية بشكل دوري تقارير تستند إلى يقين وقوع هجوم عسكري آخر على إيران.
كما أن بعض العمليات العسكرية التي اتُخذت بعد انتهاء الحرب تزيد من هذه الاحتمالية. كما يُقيّم في هذا الصدد إرسال معدات عسكرية، مثل الصواريخ المستخدمة في دفاع الكيان الإسرائيلي متعدد الطبقات، وزيادة حلقات الدفاع في الأراضي المحتلة، بل إن بعض وسائل الإعلام أفادت بإرسال أنظمة ثاد من بعض الدول الإقليمية، مثل الإمارات العربية المتحدة، إلى الأراضي المحتلة؛ وهو خبر يُقيّم تماشيًا مع تخطيط الكيان الإسرائيلي والولايات المتحدة لمهاجمة إيران مجددًا. ومع ذلك، إلى جانب هذه الإجراءات والخطط التي وضعها الكيان الإسرائيلي ضد إيران، فإن سياسات واشنطن ضد طهران تُعدّ أيضًا اقتراحًا آخر يستخدمه بعض الخبراء لاقتراح هجوم عسكري جديد على إيران، ففي خضم المفاوضات النووية، منحت إدارة ترامب نتنياهو الضوء الأخضر لمهاجمة إيران.
الحرب غير ممكنة
بعد انتهاء حرب الاثني عشر يومًا المفروضة، اعتبر معظم المحللين والخبراء المحليين والأجانب استمرار الحرب وشن هجوم جديد على إيران أمرًا مؤكدًا، وساد جوٌّ من التوتر حتى أن بعض الخبراء البارزين وأساتذة الجامعات البارزين حددوا موعدًا لهذا الهجوم، على سبيل المثال، بعد أيام قليلة من انتهاء الحرب، أكد أستاذ بارز في جامعة طهران في برنامج تلفزيوني مباشر أن الكيان الصهيوني سيهاجم إيران الأسبوع المقبل، لذلك، ساد جوٌّ في إيران، وحتى خارجها، يُشير إلى أن هجومًا عسكريًا جديدًا أمرٌ مؤكد.
مع ذلك، ومع مرور الوقت، برزت تحليلاتٌ مختلفة، والآن، بعد ثلاثة أشهر من انتهاء الحرب، ورغم أن عدد الخبراء الذين يعتقدون أن الحرب ستقع لا يزال يفوق عدد المعارضين، إلا أن مرور الوقت أثار شكوكًا جدية حول فكرة شن هجوم عسكري جديد، ولذلك يؤكد بعض الخبراء البارزين في البلاد بيقين أن الحرب مع إيران مستبعدة.
ولكن ما هو سبب أو دوافع هؤلاء الخبراء؟ يقدم هؤلاء الخبراء أسبابًا عديدة لإثبات وجهة نظرهم، أبرزها غياب أي هجوم عسكري آخر على إيران.
الف) غياب عنصر المفاجأة: كانت مفاجأة إيران إحدى نقاط قوة الكيان الصهيوني في حرب الـ 12 يومًا، كانت هذه المفاجأة في الواقع هدية ترامب لنتنياهو، لا شك أن قلة من الناس في العالم تصوّروا أن الحكومة الأمريكية ستمنح الكيان الصهيوني الضوء الأخضر لمهاجمة إيران في خضم المفاوضات مع إيران. لذلك، لم تكن مفاجأة إيران ناجمة عن القدرات الاستخباراتية للكيان الصهيوني، بل عن سوء نية الأمريكيين وسوء أخلاقهم.
مع أن إيران فوجئت صباح الـ 13 من يونيو/حزيران، إلا أن هذه المفاجأة لم تكن في حقيقة الهجوم، بل في شكله، كانت إيران قد استنتجت بعد هجوم الكيان الصهيوني في الـ 23 من نوفمبر/تشرين الثاني تقريبًا، وتحديدًا منذ أواخر ديسمبر/كانون الأول 1403، أن هجومًا عسكريًا من جانب الكيان الصهيوني أمرٌ مؤكد، ولكن نظرًا للمفاوضات النووية مع الولايات المتحدة ووعد ويتاكر لعراقجي بعدم وقوع هجوم أثناء سير المفاوضات، ساد الاعتقاد بأن هذا الهجوم لن يحدث إلا بعد انتهاء المفاوضات.
ومع ذلك، في ليلة الهجوم، وبالنظر إلى تحركات مقاتلات الكيان الصهيوني والمعلومات التي حصلت عليها إيران، كان هناك استعداد نسبي، وبالمثل، استشهد القائد العام للحرس الثوري الإيراني وعدد من كبار قادة القوة الجوية الفضائية التابعة للحرس الثوري الإيراني في مقر عملهم وفي غرفة العمليات، لكن المفاجأة الأهم لإيران كانت تتعلق بأسلوب الهجوم، ربما كان يُعتقد أن هجوم الكيان الصهيوني سيقتصر على المنشآت النووية الإيرانية وبعض مراكز الصواريخ. لم يكن من المتوقع أن يغتال الكيان الصهيوني كبار القادة العسكريين الإيرانيين، بينما كان بعض هؤلاء القادة في منازلهم مع أفراد عائلاتهم، كما لم يكن من المتوقع أن يجرؤ الكيان الصهيوني على مهاجمة طهران والتصرف كما شهدنا خلال حرب الـ 12 يومًا، على أي حال، وعلى الرغم من أن إيران استعادت تماسكها بسرعة في أقل من يوم وبدأت في مهاجمة الكيان الصهيوني، إلا أن هذه المفاجأة حدثت على أي حال.
ب) جاهزية القوات المسلحة: يجب أن نضع المجاملات جانبًا. لقد جعلت حرب الـ 12 يومًا القادة والمنظرين العسكريين الإيرانيين أكثر يقظة بشأن مستوى ونوعية الصراع مع الكيان الصهيوني، والآن، وبالنظر إلى العلاقات بين واشنطن وتل أبيب، يجب اعتبار أي صراع مع الكيان الصهيوني في الميدان حربًا مع أمريكا. ويمكن القول بثقة إن حرب الـ 12 يومًا التي فرضها الكيان الصهيوني والولايات المتحدة على إيران كانت أحدث حرب في تاريخ البشرية.
وبناءً على ذلك، كانت أيام الحرب الـ 12 فرصة سانحة للقادة الإيرانيين لاكتساب فهم واقعي للحرب مع الكيان الصهيوني والولايات المتحدة، ولإيجاد تقدير مناسب ومرغوب فيه لنقاط قوتهم وضعفهم في هذا المستوى من الحروب الحديثة، اتخذت القوات المسلحة الإيرانية إجراءات مهمة خلال الأشهر الثلاثة الماضية، تماشيًا مع استراتيجية مواءمة البنية الدفاعية للبلاد مع متطلبات الحرب الحديثة، وبناءً على ذلك، تم تنويع القوة الهجومية، واتُخذت إجراءات مهمة في مجال الدفاع لتعزيز حلقات الدفاع في البلاد، وقد أدت تكتيكات العدو في حرب الاثني عشر يومًا إلى الحصول على معلومات مهمة في مجال الدفاع، واتخاذ تدابير خاصة لتأمين الممرات الجوية لمقاتلات العدو وطائراته المسيرة، كما طُرحت روايات مختلفة حول شراء معدات هجومية ودفاعية حديثة، على أي حال، اتخذت إيران إجراءات مهمة خلال الأشهر الثلاثة الماضية، والتي أحدثت بلا شك تغييرات كبيرة في مجال القوة العسكرية للبلاد، وكما قال رئيس مجلس الشورى الإسلامي، إذا عاد الكيان الصهيوني، فسيدرك أن أمورًا كثيرة قد تغيرت.
على أي حال، لن تفاجأ القوات المسلحة الإيرانية بعد الآن فحسب، بل إن القوة الدفاعية الإيرانية، الهجومية والدفاعية، أصبحت بالتأكيد أكبر بكثير مما كانت عليه صباح الـ 13 من يونيو/حزيران.