الوقت- تم نشر مجموعة قتالية تابعة للأسطول الأمريكي، تتألف من ثلاث مدمرات، وغواصة هجومية نووية سريعة من فئة فرجينيا، ومجموعة استعداد برمائي (ARG) تحمل آلافًا من مشاة البحرية، في المياه الدولية بالقرب من فنزويلا، وقد تسببت هذه الخطوة، التي تصفها واشنطن بأنها "جزء من مكافحة أوسع لعصابات المخدرات"، في زيادة غير مسبوقة في التوترات مع كاراكاس، وأثارت سؤالًا محوريًا في مراكز التحليل العسكري: هل واشنطن على وشك التدخل العسكري الشامل في فنزويلا؟
تفاصيل الانتشار: استعراض حاسم للقوة
ووفقًا للإعلانات الرسمية الصادرة عن القيادة الجنوبية الأمريكية، يشمل الانتشار مدمرات مجهزة بأنظمة صاروخية متطورة، وما لا يقل عن 4500 عسكري، أكدت صور الأقمار الصناعية الحديثة أيضًا وجود طائرة دورية بحرية من طراز P-8A Poseidon في قاعدة سان خوان الجوية في بورتوريكو، تُعد هذه الطائرات حيوية لتتبع السفن والغواصات على طرق تهريب المخدرات.
وصف الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو هذه الخطوة بأنها "تهديد تاريخي" لسيادة أمريكا اللاتينية، وأعلن إرسال الأسطول الأمريكي إلى المنطقة مزودًا بـ 1200 صاروخ وغواصة نووية، وفي رد فعل عاطفي، أعلن مادورو "جمهورية مسلحة" ووعد بتعبئة 4.5 ملايين شخص من الميليشيا الشعبية.
تحليل عسكري: لماذا يُستبعد شن هجوم بري؟
يعتقد الخبراء الاستراتيجيون والمراقبون العسكريون على نطاق واسع أن نشر هذه الطائرات هو عملية نفسية واستعراض للقوة أكثر منه تمهيدًا لغزو شامل، ولا سيما أنه يتزامن مع إعادة تسمية ترامب لوزارة الدفاع الأمريكية إلى وزارة الحرب، لعدة أسباب، يُشكك العديد من المراقبين في إمكانية نشوب صراع شامل، أهمها ما يلي:
اختلال توازن القوى:
يقول كريستوفر ساباتيني، الزميل البارز في مركز تشاتام هاوس للأبحاث: "لا يظن أحدٌ عاقلٌ أنه يُمكن غزو بلدٍ بجيش قوامه 4500 جندي، يتمتع بجبال وغابات ومراكز حضرية متعددة، ويتطلب غزوٌ ناجحٌ لاحتلال ولو جزءٍ من فنزويلا حشدَ عشرات الآلاف من الجنود، على غرار عملية "القضية العادلة" الأمريكية في بنما عام 1989، والتي شارك فيها أكثر من 20 ألف جندي".
استعراضٌ للقوة لا استخدامٌ للقوة:
وصف السفير الأمريكي السابق لدى فنزويلا، جيمس ستوري، هذه الخطوة بأنها "استعراضٌ للقوة" لا "استخدامٌ للقوة"، الهدف هو إظهار لمادورو أن واشنطن لديها خياراتها.
غياب "مبررات حربية" كافية:
على عكس التدخلات الأمريكية الأخيرة في سوريا أو اليمن، والتي عادةً ما يُزعم أنها رد على هجوم مباشر على مصالح واشنطن أو حلفائها، لم تتخذ فنزويلا مثل هذا الإجراء حتى الآن، ويشير كارلوس سولار، الباحث البارز في المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية (RUSI): "لم تتخذ فنزويلا مثل هذه الإجراءات ولم تُشكل تهديدات خطيرة بما يكفي لتبرير التدخل العسكري الأمريكي".
سيناريو التدخل المحدود
إذا تصاعدت الأزمة وقررت واشنطن اتخاذ إجراء عسكري، يعتقد الخبراء أن أي عملية ستتخذ شكل هجوم محدود عن بُعد، بدلاً من غزو بري، وهو أمر مشابه للهجوم الصاروخي الذي شنته الولايات المتحدة (إلى جانب فرنسا والمملكة المتحدة) على سوريا بعشرات صواريخ توماهوك في الـ 14 من أبريل/نيسان 2018، وهو ما أشار إليه أيضًا السفير الأمريكي السابق في كاراكاس، يلخص كارلوس سولار سيناريو محتملًا على النحو التالي: "من المرجح أن تشن الولايات المتحدة موجة أولى من الهجمات باستخدام صواريخ توماهوك كروز بعيدة المدى."
من المرجح أن تشمل أهداف هذه الهجمات ما يلي:
مستودعات الإمدادات والذخيرة
مواقع الرادار والاتصالات
قواعد القوات الجوية وقدرات إطلاق الطائرات من دون طيار
مراكز القيادة والتحكم
هذه الاستراتيجية، التي استخدمتها الولايات المتحدة عدة مرات في غرب آسيا، من شأنها أن تقلل الخسائر الأمريكية مع تقليص القدرات العسكرية للعدو في مختلف المجالات، في مثل هذا السيناريو، فإن بحرية فنزويلا الصغيرة والمتهالكة والتي تتكون من "فرقاطات وغواصات قديمة ومتهالكة"، لن يكون لديها فرصة تُذكر لصد الأسطول الأمريكي، ومع ذلك، أفادت التقارير بأن فنزويلا تمتلك أسطولاً من الطائرات الهجومية المسيرة، ما قد يُشكل مشكلة للقوات الأمريكية.
الدافع الخفي: أقصى ضغط للتوصل إلى اتفاق
يعتقد المحللون أن الهدف النهائي للمواجهة العسكرية هو على الأرجح إجبار مادورو على إبرام صفقة، وصرح ويليام فريري من مجلس جيوستراتيجي: "من المرجح أن تكون محاولة للضغط على مادورو لاتخاذ إجراءات أقوى ضد الكارتلات التي تعمل انطلاقاً من فنزويلا".
تأتي هذه الخطوة على خلفية علاقة "معاملاتية" بين ترامب ومادورو، هذا الصيف، شهد البلدان تبادلاً ناجحاً للأسرى، وهناك تقارير تفيد بأن شركة النفط الأمريكية شيفرون حصلت على تصريح لتوسيع عملياتها النفطية في فنزويلا، قد يكون استعراض القوة الحالي محاولةً للحصول على المزيد من التنازلات من موقع قوة.
ردود الفعل الدولية والاستنتاجات
أدانت العديد من دول أمريكا اللاتينية، بما في ذلك كوبا، هذه الخطوات، ووصفتها بأنها "استعراض عدواني للقوة ضد السيادة".
نتيجةً لذلك، ورغم أن نشر القوات الأمريكية مؤخرًا في منطقة البحر الكاريبي يُعدّ حدثًا مثيرًا للإعجاب وغير مسبوق، إلا أنه لا توجد حتى الآن أي مؤشرات قاطعة على هجوم وشيك، يبدو أن هذه الخطوة أقرب إلى لعبة استراتيجية معقدة لممارسة أقصى قدر من الضغط، وتعزيز الموقف التفاوضي، وإرسال رسالة واضحة إلى كاراكاس والجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى، ومن المرجح أن كاراكاس هي من سيرسم الخط الأحمر الحقيقي، لا واشنطن: فأي إجراء من جانب مادورو يُفسَّر على أنه تهديد مباشر لمصالح الولايات المتحدة أو حلفائها قد يُغيّر الحسابات بسرعة. في الوقت الحالي، الكرة في ملعب الدبلوماسية.