الوقت - بينما كان لدى بعض المواطنين السوريين آمالٌ كبيرة في انتعاش اقتصادي بعد سقوط حكومة بشار الأسد في سوريا في ديسمبر/كانون الأول 2024، سرعان ما واجهت سوريا تحدياتٍ مُعقدة، ألقت التهديدات الإقليمية، والتدخل الأجنبي، والتوترات الطائفية، والعنف بظلالها الثقيلة على اقتصاد الظل في سوريا ومسارها الصعب نحو التعافي الاقتصادي.
إعادة إعمار مُكلفة
يُقدّر تقريرٌ صادرٌ عن معهد التحرير، ومقره واشنطن، أن تكلفة إعادة إعمار سوريا وحدها ستتراوح بين 250 و400 مليار دولار، هذا على الرغم من تقلص حجم الاقتصاد السوري من 60 مليار دولار قبل عام 2011 إلى 17.5 مليار دولار في عام 2023، ووفقًا لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، يحتاج حوالي 16.7 مليون شخص في سوريا إلى مساعدات إنسانية، ويعيش أكثر من 90% من السكان تحت خط الفقر.
في حين أن قرار الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان برفع وتخفيف العقوبات المفروضة على سوريا قد أنعش الآمال ودفع السوريين إلى الشوارع للاحتفال، إلا أن رفع العقوبات لم يحقق حتى الآن مكاسب ملموسة للاقتصاد السوري، ومن دون عقوبات، لا تزال سوريا تواجه تحديات اقتصادية هيكلية عميقة أعاقت إعادة إعمارها.
على مدى العقد الماضي أو أكثر، دُفع ملايين المواطنين السوريين إلى براثن الفقر بسبب العواقب المدمرة للحرب والعقوبات، وفي غياب التنمية الاقتصادية المنتجة، فإن التعافي الاقتصادي في سوريا غير مرجح، إن أي انتعاش اقتصادي محتمل في سوريا متجذر في توسيع الناتج الوطني، ولا سيما في القطاعين الصناعي والزراعي، لكن القطاع الصناعي السوري لم يتعافَ بعد من سنوات الحرب والعقوبات.
تُظهر التصريحات والقرارات الاقتصادية للنظام السوري الجديد دعمه لنظام اقتصادي حر، لكن يبدو أن المجتمع السوري، العالق في براثن الفقر الناجم عن سنوات الحرب، لا يستطيع فجأةً الدخول في هذا النظام في ظل الظروف الراهنة، تُطبّق السلطات الحكومية الجديدة سلسلة من الإجراءات التقشفية، شملت تسريح ثلث أو حتى نصف موظفي الدولة، ومنح بعض الموظفين إجازة إجبارية (بعضهم بأجر، وبعضهم بدون أجر) لمدة ثلاثة أشهر.
نظرة عامة إحصائية:
ما بين 250 و400 مليار دولار: التكلفة التقديرية لإعادة إعمار سوريا
60 مليار دولار: حجم الاقتصاد السوري قبل عام 2011
17.5 مليار دولار: حجم الاقتصاد السوري في عام 2023
24.67 مليون: عدد سكان سوريا في تعداد عام 2024
16.7 مليون: بحاجة إلى مساعدات إنسانية
90% من السكان: يعيشون تحت خط الفقر
خفض الدعم
بالإضافة إلى عمليات الإخلاء، طُرحت مسألة خفض الدعم أو تخفيضه في سوريا، منذ منتصف ديسمبر 2024، أي بعد أسابيع فقط من سقوط حكومة الأسد، يناقش المسؤولون الجدد مصير الدعم الذي يدعم سبل عيش ملايين السوريين، ولا تزال هذه المناقشات مستمرة، في غضون ذلك، رفع مسؤولو الحكومة سعر الخبز المدعوم عشرة أضعاف، وفي بعض الحالات، أُلغي دعم الخبز بالكامل.
صرح عمر شقروق، وزير الكهرباء السوري المؤقت، لصحيفة "سيريا ريبورت" أن الحكومة تدرس خفض أو حتى إلغاء دعم الكهرباء لأن "الأسعار الحالية أقل بكثير من تكلفتها"، ولا يتجاوز توفير الكهرباء في المدن السورية الرئيسية أربع ساعات يوميًا.
رواتب غير كافية
على الرغم من أن الحكومة قد رفعت مؤخرًا، بعد أشهر من الانتظار، رواتب موظفي الحكومة والمتقاعدين بنسبة 200%، رافعةً الحد الأدنى للأجور إلى 750 ألف ليرة سورية شهريًا، أي حوالي 68 دولارًا أمريكيًا، إلا أن هذه الإجراءات لم تُخفف الضغط الاقتصادي على العاملين بأجر، ولا يزال معظم العاملين في القطاعين العام والخاص في سوريا عاجزين عن تلبية احتياجاتهم الشهرية برواتبهم الحالية.
ووفقًا لتقديرات صحيفة قاسيون (الناطقة باسم حزب الإرادة الشعبية السوري) في نهاية يونيو/حزيران 2025، بلغ الحد الأدنى لتكلفة المعيشة لأسرة سورية مكونة من خمسة أفراد تعيش في دمشق ما يقرب من 9 ملايين ليرة سورية (حوالي 818 دولارًا أمريكيًا)، في الواقع، يُفاقم خفض الدعم وزيادة أسعار السلع الوضع ويُحيّد آثار زيادات الرواتب، فبينما يُمكن لخفض الدعم أن يُحسّن الوضع المالي للحكومة، إلا أنه يُحمّل الشعب والاقتصاد بأكمله تكلفةً باهظة، ولم يُؤدِّ قرار زيادة الرواتب والأجور رمزيًا أو منح المكافآت إلى زيادة القدرة الشرائية للأفراد، في حين أن التضخم الجامح في ازدياد.
نظرة إحصائية:
200% معدل زيادات الرواتب في سوريا بعد سقوط حكومة بشار الأسد
750,000 ليرة سورية، أي حوالي 68 دولارًا أمريكيًا شهريًا: الحد الأدنى للأجور في سوريا عام 2025
9 ملايين ليرة سورية، أي حوالي 818 دولارًا أمريكيًا شهريًا: الحد الأدنى للأجور المطلوب لأسرة مكونة من خمسة أفراد في سوريا.
تراجع الإنتاج
كما كان لخفض أو إلغاء الدعم على المشتقات النفطية والوقود والديزل والبنزين تأثيرٌ سلبيٌّ على الاقتصاد ككل وعلى الشعب، كما أدى قطع الدعم عن الوقود إلى زيادة تكاليف الإنتاج بالنسبة للمزارعين، ومن المتوقع أن تكون زراعة القمح في عام 2025 أقل بكثير من العام الماضي.
شهدت قيمة العملة الوطنية السورية ارتفاعًا خلال الأشهر القليلة الماضية، إلا أن هذا الارتفاع ليس نتيجةً لتحسن الأوضاع الاقتصادية أو زيادة تدفقات النقد الأجنبي، بل نتيجةً للقرار الإداري الصادر عن مصرف سورية المركزي بتقييد الوصول إلى الودائع بالليرة السورية، وبمجرد رفع هذه القيود، من المرجح أن تنخفض قيمة الليرة، ما سيؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط مجددًا، ما سيزيد بدوره من تكاليف الإنتاج والزراعة.
إضافةً إلى ذلك، لا توفر الحكومة أي حماية للإنتاج المحلي والزراعة السورية من الواردات الأجنبية، في نهاية يناير/كانون الثاني 2025، خفضت دمشق الرسوم الجمركية على أكثر من 260 منتجًا تركيًا، ما أدى إلى زيادة الواردات من تركيا بنسبة 47% بين يناير/كانون الثاني ومايو/أيار 2025 مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، لتتجاوز مليار دولار أمريكي، بالإضافة إلى ذلك، اتفقت السلطات السورية والتركية على بدء مفاوضات لإحياء اتفاقية التجارة الحرة بين تركيا وسوريا، التي وُقّعت عام 2005 وعُلّق العمل بها عام 2011، سيؤثر هذا على الأنشطة الزراعية والصناعية في سوريا، إذ لن يتمكن المزارعون والمنتجون السوريون من منافسة نظرائهم الأتراك.
في الوقت نفسه، تواجه سوريا واحدة من أشد أزمات الغذاء في العقود الأخيرة، إذ أثّر "الجفاف طويل الأمد" تأثيرًا بالغًا على محصول القمح، الذي يُعدّ حجر الزاوية في الإنتاج الزراعي للبلاد.
تحدي إنتاج النفط
يُعدّ بيع النفط أحد مصادر تمويل الحكومة السورية لميزانيتها ونفقاتها، لكن معظم حقول النفط السورية تخضع لسيطرة الجماعات الكردية المسلحة، ولن تتمكن حكومة أحمد الشرع من السيطرة على النفط السوري دون حل خلافاتها مع الأكراد، لذلك، يُعدّ عدم قدرة حكومة دمشق حاليًا على الوصول إلى موارد النفط أحد التحديات الرئيسية التي تواجهها في الحصول على عائدات النفط.
الاقتصاد ينتظر الاستقرار
إن تعقيد الوضع الداخلي في سوريا سياسيًا وعرقيًا، بالإضافة إلى التدخلات الأجنبية والقصف الإسرائيلي، جعل الوضع في سوريا هشًا للغاية هذه الأيام، يبدو أن الاقتصاد في سوريا، كغيره من مناطق العالم، يعتمد على الاستقرار، وفي هذه الحالة، سيظل الوضع الاقتصادي في سوريا فوضويًا وغير مستقر حتى يتحقق استقرار طويل الأمد.