الوقت- كشفت تسريبات إعلامية جديدة عن وثائق سرية وضعت رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في موقف حرج، بعد أن أظهرت هذه الوثائق رفضه المتكرر لمقترحات عُرضت عليه لإتمام صفقات تبادل الأسرى مع فصائل المقاومة الفلسطينية، وذلك رغم الضغوط الداخلية والخارجية المتزايدة التي يواجهها منذ اندلاع الحرب الأخيرة على قطاع غزة.
هذه الوثائق، التي حصلت عليها قنوات ومواقع إخبارية من بينها قناة الجزيرة (الجزيرة، 2025)، تكشف تفاصيل المداولات الداخلية التي جرت في الكيان الإسرائيلي خلال الأشهر الماضية، وتوضح أن نتنياهو لم يكتفِ برفض المقترحات فحسب، بل وجّه فريقه للتشدد أكثر في الشروط المطروحة، ما ساهم في تعقيد مسار المفاوضات وتعطيل أي تقدم في هذا الملف الإنساني الحساس.
ووفقًا للمصادر، فإن الوثائق تضم محاضر اجتماعات ومراسلات بين مكتب نتنياهو ومسؤولين أمنيين وعسكريين، تشير بوضوح إلى أن الاعتبارات السياسية والشخصية لعبت دورًا محوريًا في قراراته، إذ يخشى نتنياهو، بحسب التحليل، أن أي تنازل في ملف الأسرى قد يُفسر على أنه هزيمة سياسية وعسكرية، وهو ما قد يضعف موقعه أمام خصومه في الداخل، وفي الوقت نفسه، يبدو أن هذه الحسابات السياسية تتعارض مع رغبة قطاعات واسعة من المجتمع الإسرائيلي التي تطالب بإعطاء الأولوية لإعادة الأسرى، حتى ولو تطلب الأمر تقديم تنازلات.
التقارير التي بثتها قناة الجزيرة وبعض الصحف العبرية، من بينها صحيفة هآرتس (هآرتس، 2025)، تشير إلى أن هناك مقترحات سابقة كانت تتضمن تبادلاً محدودًا للأسرى أو إطلاق سراح دفعات منهم مقابل وقف مؤقت لإطلاق النار، غير أن نتنياهو رفض هذه المبادرات بدعوى أنها لا تضمن أمن الكيان الإسرائيلي على المدى الطويل، إلا أن منتقديه يرون أن هذا الرفض يعكس أولويات مختلفة، حيث يضع بقاءه السياسي فوق أي اعتبارات إنسانية أو استراتيجية.
على الصعيد الدولي، كشفت مصادر دبلوماسية عن أن الكيان الإسرائيلي يسعى مؤخرًا إلى إدراج قضية أسراه لدى فصائل المقاومة على جدول أعمال عدد من المحافل الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة وبعض المؤتمرات الأمنية في أوروبا، في محاولة لزيادة الضغط على الوسطاء ودفعهم لتكثيف جهودهم، غير أن مراقبين يرون أن هذه الخطوة، وإن بدت تحركًا دبلوماسيًا مشروعًا، تحمل في طياتها محاولة لتوجيه الأنظار بعيدًا عن فشل القيادة الإسرائيلية في التوصل إلى اتفاق عبر القنوات المباشرة أو غير المباشرة.
من جهة أخرى، يلفت بعض المحللين إلى أن استمرار الجمود في هذا الملف قد ينعكس سلبًا على الوضع الداخلي في الكيان الإسرائيلي، وخاصة مع تصاعد الاحتجاجات التي ينظمها أهالي الأسرى والمفقودين، والذين يتهمون الحكومة بالتقاعس والإهمال، وقد نقلت قناة الجزيرة مشاهد من هذه الاحتجاجات، حيث رفع المشاركون لافتات تطالب بالإسراع في إنجاز صفقة تبادل، مؤكدين أن الوقت ليس في مصلحة الأسرى الذين يعيشون ظروفًا قاسية.
في المقابل، تتهم أطراف في المعارضة الإسرائيلية نتنياهو باستغلال الملف لأغراض انتخابية، إذ يعتقدون أنه يحاول الحفاظ على حالة التعبئة والخوف في المجتمع لزيادة تماسك قاعدته السياسية، ويشير هؤلاء إلى أن أي تقدم حقيقي في المفاوضات قد يحرج نتنياهو أمام اليمين المتطرف الذي يرفض تقديم أي تنازلات للفلسطينيين.
إقليميًا، تلعب مصر وقطر دورًا أساسيًا في الوساطة بين الكيان الإسرائيلي وفصائل المقاومة، لكن هذه الجهود غالبًا ما تصطدم بشروط متشددة من الطرفين، فبينما تصر المقاومة على إطلاق سراح أعداد كبيرة من الأسرى الفلسطينيين، بما في ذلك من يقضون أحكامًا طويلة، يطالب الكيان الإسرائيلي بإطلاق سراح جميع أسراه قبل أي وقف دائم لإطلاق النار، وهو ما يجعل التوصل إلى حل وسط أمرًا معقدًا للغاية.
تاريخيًا، يُظهر سجل الكيان الإسرائيلي في صفقات التبادل أنه لا يتردد أحيانًا في تقديم تنازلات كبيرة عندما تكون الضغوط الداخلية والخارجية كافية، غير أن الظرف السياسي الراهن، مع انقسام المجتمع الإسرائيلي وتراجع الثقة في القيادة، قد يجعل من الصعب تكرار مثل هذه الصفقات دون تكلفة سياسية باهظة على نتنياهو شخصيًا.
من الناحية الإنسانية، يؤكد خبراء القانون الدولي أن احتجاز الأسرى المدنيين يخالف الاتفاقيات الدولية، وأن على جميع الأطراف إعطاء الأولوية لحماية المدنيين وتبادل الأسرى وفقًا للقوانين الدولية، وفي هذا السياق، حذرت منظمات حقوقية من أن استمرار الجمود قد يؤدي إلى مزيد من التدهور في أوضاع الأسرى وربما إلى وفاة بعضهم بسبب الظروف الصحية أو سوء المعاملة.
وفي النهاية، تبدو قضية الأسرى اليوم اختبارًا حقيقيًا لمدى استعداد قيادة الكيان الإسرائيلي لتقديم تنازلات من أجل حل أزمة إنسانية معقدة، في وقت يزداد فيه الضغط الداخلي والدولي. فبينما تحاول الحكومة تصوير موقفها على أنه دفاع عن الأمن القومي، يرى كثيرون أن الحسابات السياسية والشخصية تلعب دورًا أكبر بكثير مما تعلنه رسميًا.
وحتى يتم التوصل إلى تسوية، ستظل هذه القضية مصدر توتر داخلي وخارجي، وورقة سياسية بيد جميع الأطراف.