الوقت - في الوقت الذي يواصل فيه الكيان الصهيوني حربه المدمرة على قطاع غزة والتي دخلت شهرها الثامن، بدأت ارتدادات سياسية ودبلوماسية عميقة تضرب تل أبيب من أكثر الجبهات التي ظلت طويلاً تُعد "آمنة" لها: حلفاؤها الغربيون التقليديون.
صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، وفي تقرير غير مسبوق من حيث النبرة والمضمون، دقت ناقوس الخطر، محذرة من أن إسرائيل باتت على أعتاب "تسونامي سياسي" قد يتحول إلى أزمة وجودية دبلوماسية تهدد مكانتها ونفوذها الدوليين لعقود قادمة.
أسوأ وضع دبلوماسي في تاريخ "إسرائيل" الحديث
حسب التقرير الصادر مساء الثلاثاء، نقلت الصحيفة عن مسؤول كبير في وزارة الخارجية الإسرائيلية قوله: "نحن في أسوأ وضع دبلوماسي مررنا به على الإطلاق، ما نواجهه الآن ليس مجرد أزمة، بل تسونامي حقيقي سيزداد سوءًا".
المسؤول أضاف بنبرة يائسة: "العالم لم يعد يحتمل ما يراه يوميًا من مجازر ودمار، إسرائيل لا تقدم أي حلول، لا رؤية لليوم التالي، ولا تصور لمستقبل غزة، فقط موت وخراب".
تحولات في مواقف الحلفاء التقليديين: صدمة في تل أبيب
المشهد بات مقلقًا للغاية في العواصم الغربية، في غضون أقل من 24 ساعة، تحولت لهجة ثلاث دول تُعد من أقرب حلفاء إسرائيل – بريطانيا، فرنسا، وكندا – إلى تحذيرات صريحة من عقوبات وقرارات ضد تل أبيب.
فبريطانيا علقت مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة مع "إسرائيل"، واستدعت سفيرتها في لندن، وفرضت عقوبات على مستوطنين متورطين في العنف، في خطوة غير مسبوقة.
الصحيفة لفتت إلى أن هذه الإجراءات تشكل تحولًا جذريًا في سياسة الغرب تجاه "إسرائيل"، وتفتح الباب أمام تحالف دولي جديد يُمكن أن يعيد صياغة العلاقة مع تل أبيب بشكل جوهري.
الخطر الاقتصادي: ضربة قاصمة لقطاع التكنولوجيا
الشق الاقتصادي في الأزمة الحالية قد يكون الأكثر إيلامًا، حسب "يديعوت".
بريطانيا تمثل رابع أكبر شريك تجاري لـ"إسرائيل"، بحجم تبادل يصل إلى 9 مليارات جنيه إسترليني سنويًا، وكان الاتفاق التجاري الجديد المزمع توقيعه بين البلدين يهدف إلى تحديث العلاقة الاقتصادية بعد "البريكست"، وفتح مجالات حيوية مثل الاستثمار والتجارة الإلكترونية، وخاصة لقطاع التكنولوجيا الفائقة (الهايتك) الذي يمثل 70% من الصادرات الإسرائيلية.
تعليق المفاوضات لا يعني فقط خسائر فورية، بل تهديدًا استراتيجيًا لقدرة "إسرائيل" على الحفاظ على تنافسيتها التكنولوجية في الأسواق العالمية.
الولايات المتحدة: صمت مقلق وانسحاب غير معلن؟
الصدمة الأكبر، حسب الصحيفة، تمثلت في "الصمت الأمريكي"، واشنطن، التي طالما استخدمت حق النقض (الفيتو) لحماية "إسرائيل" في مجلس الأمن، التزمت هذه المرة الصمت أمام التحركات الأوروبية.
مصادر في البيت الأبيض عبّرت عن إحباطها من تعنت الحكومة الإسرائيلية، وأشارت إلى أن تل أبيب "هي الجهة الوحيدة التي لا تعمل بجدية للدفع نحو اتفاق شامل يوقف سفك الدماء في غزة".
السؤال الذي يُطرح الآن بإلحاح: هل بدأت واشنطن تنأى بنفسها عن "إسرائيل"؟ وهل ستواصل تقديم الحماية الدبلوماسية إذا وصل ملف غزة إلى مجلس الأمن مجددًا؟
أوروبا تعيد الحسابات: مراجعة الاتفاقيات والاعتراف بفلسطين
التحرك الأوروبي لا يقتصر على الإجراءات الفردية للدول. فقد أعلنت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، أن الاتحاد سيُعيد النظر في اتفاقية الشراكة مع إسرائيل على خلفية "الوضع الكارثي" في غزة.
وفي سابقة دبلوماسية، حصلت هولندا على دعم 17 دولة أوروبية لفتح نقاش رسمي داخل الاتحاد حول إلغاء الاتفاق كليًا، رغم معارضة 9 دول.
إضافة إلى ذلك، أعلنت فرنسا وبريطانيا وكندا نيتها الاعتراف المشترك بدولة فلسطينية، في خطوة قالت الصحيفة إنها "تشكل إعلانًا دوليًا صريحًا عن انتهاء مرحلة التسامح مع إسرائيل، وبداية مرحلة المواجهة السياسية".
تحذيرات من الانهيار والعار الدولي
الأزمة لا تقف عند حدود السياسة الخارجية. داخل إسرائيل، بدأت أصوات تحذيرية تتصاعد من خطورة المسار الحالي.
يائير غولان، زعيم حزب "الديمقراطيين" المعارض، قال في تصريحات نارية: "الدولة العاقلة لا تقتل الأطفال، ولا تهاجم المدنيين كهواية، ولا تنتهج سياسة التهجير الجماعي، ما تفعله هذه الحكومة سيكلفنا عزلة تاريخية".
العزلة تترسخ
مصطلح "دولة منبوذة" الذي استخدمته "يديعوت أحرونوت" ليس مجرد تعبير بلاغي، بل توصيف واقعي لحالة العزلة الدولية التي تعيشها "إسرائيل" اليوم.
الصحيفة أوضحت أن الصورة السائدة عن "إسرائيل" عالميًا باتت ترتبط حصريًا بالمجازر، وهدم البيوت، وقتل الأطفال، لا مشاريع لإعادة الإعمار، لا مبادرات سياسية، ولا خطاب إنسانياً، فقط نار الحرب.
وحذرت من أن هذا الواقع الجديد قد يُفضي إلى مقاطعة دبلوماسية واقتصادية واسعة النطاق، "تتجاوز حتى ما واجهته جنوب أفريقيا في حقبة الفصل العنصري".
التحذيرات تتصاعد، الغضب الدولي يتوسع، الحلفاء يتراجعون، والاقتصاد بدأ يشعر بوقع العقوبات
تصر حكومة بنيامين نتنياهو على مواصلة الحرب، غير عابئة بما يتشكل في الأفق من جبهة دولية موحدة قد لا تكتفي بالعقوبات الرمزية، بل قد تدفع نحو إعادة صياغة كاملة لوضع "إسرائيل" في المجتمع الدولي، "التسونامي السياسي" لم يعد مجرد احتمال، بل حقيقة تتشكل، والسؤال الأكبر: هل فات أوان التراجع؟
