الوقت- في مشهد متكرر منذ عقود، تصاعد الغضب الإسرائيلي ممثلاً برئيس وزرائها بنيامين نتنياهو تجاه الضغوط الدولية، وخاصة من دول غربية مثل بريطانيا وفرنسا وكندا، التي طالبت بوقف فوري للعمليات العسكرية في قطاع غزة.
نتنياهو، الذي وصف هذه المطالب بأنها "هدية كبيرة" لمنفذي هجوم الـ 7 من أكتوبر، يعكس من خلال هذه التصريحات رفضاً قاطعاً لأي تدخل دولي يحاول إيقاف آلة الحرب الإسرائيلية التي تواصل دك غزة بلا هوادة، هذا الموقف يأتي في ظل كارثة إنسانية متصاعدة في غزة، حيث يعيش الملايين من الفلسطينيين تحت حصار خانق وفي ظل قصف يومي يتسبب في سقوط آلاف الضحايا المدنيين، ويكشف حقيقة أن الضغوط الغربية، رغم تصريحاتها الإنسانية، لا تملك سوى التأثير المحدود في وقف العدوان أو حماية الشعب الفلسطيني.
التصعيد الإسرائيلي: حرب بلا رحمة ومبررات وهمية
منذ الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة في أكتوبر 2023، أعلنت حكومة نتنياهو حرباً شاملة على غزة بذريعة الرد على هجوم حركة حماس في الـ 7 من أكتوبر، لكن ما يرفض نتنياهو الاعتراف به هو أن هذه الحرب ليست دفاعاً عن أمن "إسرائيل" فقط، بل محاولة منهجية لكسر إرادة الفلسطينيين وكسر مقاومة شعب يعيش تحت الاحتلال لأكثر من سبعين عاماً.
العمليات العسكرية الإسرائيلية التي تستهدف الأبرياء في غزة تواصلت بلا توقف، حيث استهدفت المرافق الطبية، المدارس، والمساجد، ما أدى إلى مقتل وجرح آلاف المدنيين، بينهم الأطفال والنساء، ومع ذلك، يصر نتنياهو على مواصلة الهجوم، رافضاً أي دعوات دولية لوقف النار، ومتهماً المطالبين بذلك بتقديم "هدية" للإرهاب، متناسياً أن من يقتل المدنيين الأبرياء هم من يواصلون العدوان ويرفضون الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني.
الضغوط الأوروبية: إنسانية مزيفة أم لعبة سياسية؟
البيانات التي صدرت عن بريطانيا وفرنسا وكندا، مطالبة بوقف فوري للعمليات العسكرية والسماح بدخول المساعدات الإنسانية، تحمل بعداً إنسانياً ظاهراً، لكن هذه البيانات في جوهرها تعكس تردداً وغموضاً، بل أحياناً ازدواجية في الموقف الغربي تجاه القضية الفلسطينية.
هذه الدول، التي تدعي الحرص على الحقوق الإنسانية، لم تقدم يوماً على اتخاذ خطوات جدية وقوية تضغط على "إسرائيل" لإنهاء الاحتلال وتطبيق القرارات الدولية، بل اكتفت غالباً بالتنديد اللفظي والمطالبات الشكلية، هذا التخاذل يعطي الضوء الأخضر للعدو للاستمرار في سياسة القتل والتدمير، كما يضعف من فرص المقاومة الفلسطينية التي تمثل أمل ملايين الفلسطينيين في إنهاء الظلم.
الضغط الأوروبي، رغم أهميته، يبقى في إطار المحاصرة الدبلوماسية التي لا تؤثر فعلياً على سياسات نتنياهو أو تغير مسار العدوان، بل إنه يصبح سبباً لغضب إسرائيلي متصاعد، كما ظهر في تصريحات نتنياهو الأخيرة.
غضب نتنياهو: رفض المساءلة الدولية ورفض الحقوق الفلسطينية
تصريح نتنياهو الذي اعتبر فيه الضغط الأوروبي بمثابة "هدية كبيرة لمنفذي هجوم الـ 7 من أكتوبر" يعكس موقفاً غاضباً، حيث يرى أن أي دعوة لوقف النار أو إنهاء العمليات العسكرية هي دعم مباشر لحماس والمقاومة الفلسطينية.
هذا الموقف يكشف استعلاءً إسرائيلياً متزايداً تجاه المجتمع الدولي وحقوق الفلسطينيين، ورفضاً لمبدأ المساءلة والعدالة، نتنياهو، الذي يقود حكومة يمينية متطرفة، يستخدم لغة الحرب والكراهية لتبرير الجرائم التي ترتكبها "إسرائيل"، متجاهلاً القوانين الدولية التي تحمي المدنيين وحقوق الشعوب المحتلة.
الغضب الإسرائيلي، رغم أنه يبدو كحالة دفاع عن النفس، إلا أنه في الواقع يعبر عن استياء من تنامي الوعي الدولي والتعاطف المتزايد مع القضية الفلسطينية، وما يرافقه من ضغوط سياسية وأحياناً اقتصادية قد تؤثر على "إسرائيل" في المستقبل.
المأساة الفلسطينية: كفاح من أجل البقاء في ظل العدوان
بينما ينشغل نتنياهو بغضبه ورفضه الضغوط، يعيش الفلسطينيون في غزة أسوأ أزمة إنسانية عرفتها المنطقة، الحصار المفروض منذ سنوات، والعمليات العسكرية المتواصلة، جعلت من غزة سجناً مفتوحاً تحاصرها قوات الاحتلال وتفرض حصاراً خانقاً على كل مناحي الحياة.
نقص الغذاء والدواء والماء النظيف، تفاقم وضع المستشفيات التي تفتقر إلى المعدات الطبية والأطباء، وزيادة أعداد القتلى والجرحى يومياً، كلها مؤشرات على أن المدنيين يدفعون الثمن الأكبر لحسابات سياسية باردة لا تهمها سوى إرضاء المصالح الإسرائيلية وقوى النفوذ في الغرب.
تجاهل المجتمع الدولي لهذه المأساة، أو اقتصار موقفه على بيانات تنديد وشجب لا تنفذ، يشكل خيانة للقيم الإنسانية والحقوقية، ويزيد من معاناة الشعب الفلسطيني ويقوي أيدي المحتلين.
تضامن الشعوب والضغط على الاحتلال: نافذة أمل للفلسطينيين
رغم كل الصعوبات، لا تزال هناك فرص حقيقية لتغيير مسار الصراع عبر ضغط دولي متزايد على سلطات الاحتلال، الدعوات لوقف إطلاق النار، والضغط على الدول الغربية لتطبيق عقوبات على "إسرائيل"، وتقديم الدعم السياسي والاقتصادي للفلسطينيين، كلها أدوات يمكن أن تصنع فرقاً حقيقياً.
المجتمع المدني حول العالم، والمنظمات الحقوقية، والحركات الشعبية المؤيدة للسلام والعدالة، يجب أن تستمر في العمل بكثافة لفضح جرائم الاحتلال ودعم نضال الفلسطينيين المشروع، هذه الجهود تتزايد وتلقي صدىً واسعاً، ما يجعل من الصعب على الكيان الصهيوني الاستمرار في سياساته دون حساب.
في النهاية، غضب بنيامين نتنياهو من الضغوط الأوروبية ليس سوى انعكاس لغضب الاحتلال من تحرك عالمي يدعو للعدالة وحقوق الفلسطينيين، وهو في جوهره رفض للاعتراف بالحق الفلسطيني في الحرية والاستقلال.
المأساة الإنسانية في غزة هي جرح مفتوح لا يمكن أن يلتئم إلا بإنهاء الاحتلال ورفع الحصار وتحقيق الحقوق الوطنية الفلسطينية، الضغوط الدولية، رغم تقلباتها، تمثل بارقة أمل يجب تعظيمها واستغلالها للدفع نحو السلام الحقيقي العادل.
ولا يمكن أن يُبنى السلام على جثث الأطفال ودموع الأمهات، ولا على غضب يصرّ على استمرار الاحتلال والعدوان، القضية الفلسطينية هي قضية عدالة وكرامة، والتاريخ لا ينسى من وقف إلى جانب الحق والحرية.