الوقت- في تحول استراتيجي غير مسبوق، أعلنت حركة أنصار الله اليمنية عن نيتها تنفيذ ضربات عسكرية مباشرة على مطارات الكيان الصهيوني، وفي مقدمتها مطار بن غوريون، هذا الإعلان لم يكن مجرد تهديد إعلامي، بل يأتي في سياق تصعيد محسوب ومتدرج بدأ منذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة، وامتد ليطال المصالح الحيوية للكيان في البحر الأحمر.
دلالات هذا التصعيد تتجاوز الرد على جرائم الحرب الإسرائيلية، لتؤكد أن اليمن بات طرفًا فاعلًا في معادلة الردع الإقليمي، وقادرًا على التأثير في عمق العدو، ما يميّز هذه المرحلة هو اتساع رقعة المقاومة، ليس فقط جغرافيًا، بل أيضًا نوعيًا، فالقوة التي كانت محاصرة في صنعاء والحديدة، باتت اليوم تلوّح بقصف تل أبيب واللد، هذه التطورات تفتح الباب أمام تساؤلات عميقة حول مستقبل الكيان الصهيوني في ظل ضغط متعدد الجبهات، وتكشف حجم التحول في موازين القوة على الساحة الإقليمية.
ضربات يمنية مرتقبة
لطالما نظر العالم إلى اليمن كبلد يعاني ويلات الحرب الداخلية والحصار الخانق، لكن التطورات الأخيرة أثبتت أن هذه الدولة المحاصرة استطاعت تحويل معاناتها إلى مصدر قوة وردع، التصريحات الأخيرة الصادرة عن نصر الدين عامر، رئيس لجنة الإعلام في حركة أنصار الله، بشأن استهداف مطارات الاحتلال، تعكس نقلة نوعية في استراتيجية المقاومة اليمنية، لم يعد الرد يقتصر على حماية الداخل اليمني من العدوان، بل أصبح يشمل المبادرة إلى الهجوم على مراكز حيوية خارج الحدود.
القرار اليمني لا يأتي في فراغ، بل هو استكمال لمسار طويل من بناء القوة الصاروخية والمسيّرة، وتنفيذ عمليات نوعية دقيقة في البحر الأحمر ضد سفن لها علاقة بالكيان الصهيوني، اليوم، حين تهدد صنعاء باستهداف مطار بن غوريون، فإنها تتحدث من موقع الثقة والتجربة، لا من باب الدعاية.
يجدر الإشارة هنا إلى أن اليمنيين يتمتعون بالثبات في القول والصدق، ولديهم القدرة على هذا الأمر، وعلى الرغم من أن الصهاينة لا يرغبون في الحديث عن عواقب هجمات أنصار الله، فإن الهجمات الوحشية التي شنها النظام الصهيوني على صنعاء والحديدة تدل على عمق الخسائر التي تكبدوها جراء هجمات أنصار الله.
إن عمليات أنصار الله، إلى جانب الضغط على البنية العسكرية، أثرت نفسيًا أيضًا على المجتمع الصهيوني، ما أدى إلى تراجع قدرة المجتمع الصهيوني على التحمل إلى أدنى حد، وقد أدى ذلك إلى زيادة الضغط على حكومة نتنياهو، التي تعاني أصلًا من هشاشة داخلية وصراع سياسي.
الصدمة النفسية والضغط السياسي داخل الكيان الصهيوني
لا تقتصر آثار عمليات أنصار الله على الجانب العسكري فقط، بل تمتد إلى الجبهة الداخلية للكيان الصهيوني التي تعاني من تصدعات متزايدة، تهديد الملاحة الجوية، خصوصًا في مطار بحجم وأهمية بن غوريون، يضرب أحد أعمدة الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في "إسرائيل"، فالهجمات أو حتى التهديدات الجدية باستهداف المطار تولد ذعرًا نفسيًا لا يُستهان به، وخصوصًا في أوساط المستوطنين الذين يعيشون تحت ضغط دائم من سقوط الصواريخ القادمة من غزة أو لبنان، والآن من اليمن.
هذا القلق المجتمعي يعكس نفسه مباشرة في المشهد السياسي، حكومة نتنياهو تواجه تحديات مركبة: تصاعد الغضب الشعبي، التململ داخل الائتلاف الحاكم، والانقسام بشأن كيفية إدارة الحرب، عمليات أنصار الله أضافت طبقة جديدة من التعقيد، حيث أظهرت أن الحرب لم تعد مقتصرة على جبهة واحدة، بل باتت متعددة الاتجاهات، ما يجعل قدرة الكيان على إدارة الصراع محدودة وتكاد تقترب من الانهيار السياسي والأمني، في هذا السياق، يصبح اليمن لاعبًا لا يمكن تجاهله، لا في الميدان ولا في معادلة التأثير السياسي.
تصعيد يمني يكشف هشاشة الأمن البحري الإسرائيلي
أعلنت القوات المسلحة اليمنية رسميًا عن إدراج ميناء حيفا ضمن بنك أهدافها العسكرية، في خطوة نوعية تُظهر تصاعد وتيرة الردع اليمني تجاه الاحتلال الصهيوني، جاء هذا الإعلان بعد أيام فقط من استهداف مطار بن غوريون، ما يؤكد أن صنعاء انتقلت من التهديد إلى الفعل، ومن الدفاع إلى الهجوم الاستراتيجي.
العميد يحيى سريع، المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية، أوضح أن إدراج حيفا هدفًا عسكريًا يأتي ردًا على الجرائم المستمرة بحق الشعب الفلسطيني، والحصار الخانق المفروض على قطاع غزة، البيان وجّه إنذارًا واضحًا لكل السفن والشركات البحرية التي تتعامل مع الميناء، بأن حيفا أصبحت منطقة اشتباك منذ لحظة الإعلان.
هذا التطور يكشف هشاشة الأمن البحري الإسرائيلي، ويُظهر عجز الاحتلال عن تأمين منشآته الحيوية في ظل توسع التهديدات من أكثر من جبهة، فالتحول من استهداف ميناء أم الرشراش إلى التلويح بقصف حيفا، يعكس تصعيدًا مدروسًا يحمل أبعادًا استراتيجية لا تقتصر على الجانب العسكري فقط، بل تمتد إلى الاقتصاد الإسرائيلي والبنية التحتية التجارية، لم تعد صنعاء تقف فقط عند دعم غزة بالتصريحات، بل باتت تمارس ضغوطًا عملية تقلب موازين الاشتباك وتضع الكيان أمام تحديات غير مسبوقة في تاريخه البحري والعسكري.
الردع اليمني يفرض قواعد اشتباك جديدة
التحول في الاستراتيجية اليمنية من استهداف السفن في البحر الأحمر إلى التهديد المباشر لميناء حيفا في شرق المتوسط، يدل على نقلة نوعية في القدرات العملياتية والتكتيكية للقوات المسلحة اليمنية، نجاح صنعاء في فرض حصار بحري على ميناء أم الرشراش، ودفع شركات الملاحة العالمية إلى إعادة تقييم مساراتها، شكل نقطة انطلاق لتوسيع رقعة التأثير، إدراج ميناء حيفا لم يكن خطوة عشوائية، بل هو تحرك محسوب ضمن خطة تصعيد تدريجي تسعى من خلالها أنصار الله إلى الضغط على الاحتلال عبر شرايينه الحيوية الاقتصادية.
هذا النوع من الردع لا يُقاس فقط بالقوة النارية، بل بقدرته على التأثير النفسي والسياسي، وتعطيل المصالح الحيوية للعدو، تهديد حيفا – الذي يُعد من أكبر موانئ الاحتلال – يرسل رسالة مفادها بأن كل نقطة تساهم في حصار غزة ستكون هدفًا مشروعًا، كما يربك خطط الاحتلال الذي بات عاجزًا عن تأمين سواحله ومرافقه أمام تهديدات قادمة من آلاف الكيلومترات.
في هذا السياق، اليمن لا يفرض فقط واقعًا عسكريًا جديدًا، بل يقدّم نموذجًا في إدارة معركة متعددة الأبعاد والجبهات، تساهم في استنزاف الكيان الصهيوني سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا، وترسخ مكانة صنعاء كرقم صعب في معادلة الردع الإقليمي.
في النهاية، اليمن تحول إلى منصة استراتيجية لضرب الكيان الصهيوني وتوسيع معادلات الردع، تهديد مطارات الاحتلال هو تعبير عن جاهزية متقدمة ورؤية متكاملة للمواجهة، في ظل هذا الواقع الجديد، تبدو "إسرائيل" عاجزة عن احتواء الخطر اليمني، الذي يتوسع مع كل يوم ويعيد رسم خريطة القوة في الشرق الأوسط.