الوقت- في خضم حرب مفتوحة لا تبدو نهايتها قريبة، صعّدت "إسرائيل" من لهجتها العسكرية ضد قطاع غزة، مهددة بشن عملية برية موسعة على قطاع غزه.
التحذير جاء هذه المرة من أعلى المستويات العسكرية، حيث صرح رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، الجنرال ایال زامیر، أن هذا التوسيع المحتمل للعمليات قد يؤدي إلى مقتل الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لدى حركة "حماس".
في الوقت ذاته، أعلن الجيش عن تعبئة آلاف الجنود من قوات الاحتياط، ما يُعد مؤشرًا عمليًا على نية التصعيد، رغم التحذيرات الدولية المتزايدة من كارثة إنسانية محتملة، هذا التصعيد يطرح تساؤلات جادة حول تداعياته على البيئة الداخلية الإسرائيلية من جهة، وعلى مكانتها الدولية من جهة أخرى.
تصعيد ميداني وتحذيرات عسكرية: الوقائع كما هي
في الـ 4 من مايو 2025، أصدر الجيش الإسرائيلي بيانًا رسميًا نقل فيه عن رئيس الأركان قوله: "أي هجوم على رفح يحمل خطرًا كبيرًا على حياة الأسرى الإسرائيليين"، في إشارة إلى عشرات الجنود والمدنيين الذين ما زالوا محتجزين لدى حماس منذ اندلاع الحرب في أكتوبر 2023 (الجيش الإسرائيلي، 2025/5/4).
بالتوازي، أكدت هيئة البث الإسرائيلي "كان" أن الجيش بدأ باستدعاء آلاف الجنود من قوات الاحتياط، ضمن استعدادات لمرحلة جديدة من العمليات البرية في غزة، وتحديدًا مدينة رفح، وقد تزايدت التكهنات بأن هذه المرحلة قد تكون الأكثر دموية منذ بدء الحرب، نظرًا للكثافة السكانية الهائلة في المنطقة المستهدفة.
الداخل الإسرائيلي: قلق شعبي وانقسامات داخلية
على الصعيد الداخلي، تعكس تصريحات رئيس الأركان حجم التوتر الذي يعتمل في قلب المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، فملف الأسرى يُعد من القضايا الوطنية التي تثير عواطف الجمهور الإسرائيلي، وقد سبق أن أدى الإخفاق في إدارتها إلى احتجاجات شعبية ومواجهات سياسية داخلية.
اليوم، تواجه الحكومة معادلة معقدة: الضغط السياسي والعسكري لاستكمال العملية من جهة، وضغط أهالي الأسرى والمنظمات المدنية لوقف أي تصعيد قد يؤدي إلى قتلهم من جهة أخرى، وما يزيد تعقيد المشهد، أن استدعاء الاحتياط بدأ يؤثر سلبًا على الاقتصاد الإسرائيلي، من خلال تعطيل قطاعات العمل وتزايد الإنفاق العسكري.
في ظل هذه الضغوط، تتعرض حكومة نتنياهو لانتقادات حادة من بعض الأوساط العسكرية والإعلامية، التي ترى أن غياب خطة استراتيجية شاملة يجعل الحرب في غزة "نزيفًا مفتوحًا" دون أفق سياسي أو مكاسب واضحة.
الساحة الدولية: صورة "إسرائيل" تتعرض للتآكل
أما على المستوى الدولي، فقد أثارت التحركات العسكرية الإسرائيلية موجة من الانتقادات، وخاصة بعد إعلان النية لشن هجوم بري على رفح، فقد حذّرت منظمة العفو الدولية من "كارثة إنسانية وشيكة" إذا ما نفذت "إسرائيل" تهديداتها، مشيرة إلى احتمال ارتكاب "جرائم حرب" في حال سقوط أعداد كبيرة من المدنيين (منظمة العفو الدولية، 2025/5/3).
وتزايدت الدعوات في العواصم الأوروبية لإعادة تقييم العلاقات العسكرية مع "إسرائيل"، كما طالبت منظمات حقوق الإنسان بفتح تحقيق دولي في استهداف المدنيين والبنية التحتية الصحية والتعليمية في القطاع.
في الوقت ذاته، بدأت بعض المؤسسات الإعلامية الغربية باستخدام لهجة أكثر حدة في تغطية الحرب، ما قد ينعكس على الرأي العام الغربي ويزيد من الضغط على الحكومات المتحالفة مع "إسرائيل".
ما الذي قد يحدث ؟: السيناريوهات المحتملة
يترقب العالم نتائج التصعيد العسكري المحتمل في غزه، فالتوسع في العمليات البرية قد يفتح الباب أمام مزيد من التداعيات الإنسانية، وقد يتسبب في موجة نزوح إضافية، مع تزايد أعداد الضحايا المدنيين، كما قد تواجه "إسرائيل" ضغوطًا دولية غير مسبوقة بسبب الأبعاد الإنسانية لهذا الهجوم.
من جهة أخرى، قد يتسبب نجاح "إسرائيل" في تنفيذ أهدافها العسكرية في تقوية موقف الحكومة في الداخل، لكن قد تأتي هذه المكاسب على حساب المزيد من العزلة الدولية، وتفاقم الأزمات الداخلية بسبب الخسائر البشرية المحتملة.
بين المطرقة والسندان: خيارات "إسرائيل" المعقدة
في ظل هذا المشهد، تجد "إسرائيل" نفسها محاصرة بين خيارين كلاهما مكلف: المضي قدمًا في التصعيد وتحقيق مكاسب عسكرية قصيرة الأمد مع احتمال قتل الأسرى وتعميق العزلة الدولية، أو التراجع لتفادي التكلفة الإنسانية والسياسية، وهو ما قد يُفهم داخليًا كتنازل أو ضعف.
الواقع أن استمرار الحملة العسكرية على غزة، دون إطار سياسي واضح أو مسار تفاوضي، يزيد من احتمالات الانفجار الداخلي، سواء عبر الاحتجاجات الشعبية أو تفكك الإجماع السياسي حول القيادة الحالية.
لا حسم بالقوة… بل بتغيير المقاربة
تُظهر تطورات الساعات الأخيرة أن القوة العسكرية، مهما بلغت، ليست قادرة وحدها على فرض "الحسم" في غزة، فالمعادلات على الأرض تغيرت، كما أن الرأي العام العالمي لم يعد متسامحًا مع استهداف المدنيين تحت أي ذريعة.
ملف الأسرى، الذي يمثّل نقطة ضغط داخلي حساسة، يجب أن يُدار سياسيًا وإنسانيًا لا عسكريًا، كما أن مواصلة القصف في منطقة مثل رفح، التي تعج بالنازحين، قد يضع "إسرائيل" في مواجهة مع المجتمع الدولي بشكل غير مسبوق.
لقد حان الوقت لـ"إسرائيل" – وربما أيضًا لحلفائها – لإدراك أن الانتصار الحقيقي لا يُقاس بعدد المواقع التي تم تدميرها، بل بقدرة السياسة على إنهاء نزاع دام أكثر من سبعة عقود.