الوقت- خلال الهجمات الأمريكية الوحشية على مخيم المهاجرين الأفارقة في محافظة صعدة اليمنية، قُتل 68 شخصاً وأصيب 50 آخرون، وكان من بين الضحايا العديد من المهاجرين الأفارقة، في عصرنا هذا، لم يعد مفهوم "القوة" يقتصر على حجم الأسلحة أو اتساع التحالفات العسكرية فحسب، ولكن المعايير الجديدة مثل القدرة على احترام المبادئ الإنسانية ومراعاة الحدود الأخلاقية في ساحة المعركة اكتسبت مكانة خاصة، ومن المثير للاهتمام أن أولئك الذين يقدمون أكبر عدد من الادعاءات حول المبادئ الإنسانية هم الأقل التزاماً بهذه المبادئ في الممارسة العملية.
وعندما تلجأ قوة عالمية، في مواجهة إخفاقاتها على الأرض إلى استهداف مخيمات المدنيين والمهاجرين المشردين، فإنها تكشف عن عمق أزمة شرعيتها بدلاً من إظهار قوتها، إن قصف مركز للمهاجرين في بلد كان تحت ضغط الحرب والحصار لسنوات ليس فقط وصمة عار لا تمحى في سجل السياسة الخارجية الأمريكية، بل إنه يتحدث أيضاً عن عملية تآكل حيث يتم دفن حتى الإنجازات العسكرية خلف جدار سميك من عدم الثقة والكراهية العالمية، إن ما نشهده في اليمن اليوم ليس مجرد كارثة إنسانية أخرى، بل هو علامة على التآكل التدريجي للهيبة السياسية والأخلاقية لأمريكا على الساحة الدولية، وهو تآكل لا تستطيع أي إحصاءات رسمية أو بيانات دبلوماسية أن تخفيه.
وذكرت قناة المسيرة اليمنية أن الدفاع المدني اليمني أعلن اليوم الإثنين أن عدد ضحايا الغارات الجوية الأمريكية الصباحية على مركز إيواء المهاجرين الأفارقة في محافظة صعدة اليمنية ارتفع إلى 68 قتيلا، كما أصيب 47 شخصا في هذه الهجمات، ونظرا لخطورة حالة عدد من المصابين فإن عدد الضحايا مرشح للزيادة. وأفاد مراسل "المسيرة" بأن نحو 120 مهاجراً أفريقياً كانوا متواجدين في مركز الإصلاح الذي استهدفته الولايات المتحدة، حيث استهدفت طائرات حربية أمريكية، مساء الأحد وصباح أمس، مناطق في محافظات صعدة وعمران وصنعاء بغاراتها الجوية، وهو ما يعتبر، حسب وزارة الداخلية اليمنية، جريمة حرب، وتحمل الولايات المتحدة مسؤولية مقتل المدنيين.
جدير بالذكر أنه ورغم هذه الهجمات، تواصل القوات المسلحة اليمنية دعمها للمقاومة والشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وقامت بعمليات نوعية استهدفت قلب الأراضي المحتلة والسفن التابعة للكيان الصهيوني، وحتى السفن الأمريكية في البحر الأحمر والمحيط الهندي، وأسقطت عدة طائرات أمريكية مسيرة متطورة، تجدر الإشارة إلى أن دونالد ترامب أمر ببدء الهجمات في اليمن في الـ 15 من مارس، والآن يقول مسؤولون في الكونغرس إن هذه الحملة كلفت أكثر من مليار دولار!
ومن المثير للاهتمام أن القيادة المركزية الأمريكية ادعت أن قواتها شنت حملة مكثفة ومتواصلة ضد جماعة أنصار الله في اليمن، بزعم استعادة حرية الملاحة والردع الأمريكي! وأضافت القيادة: إن العملية نفذت استناداً إلى معلومات استخباراتية دقيقة لضمان، كما تزعم، تقليل المخاطر على المدنيين، في حين أن الهجمات الأمريكية العدوانية في اليمن خلفت عشرات القتلى والجرحى من المدنيين، معظمهم من النساء والأطفال وكبار السن.
الوحشية لا تخفي الهزيمة!
وقال محمد عبد السلام رئيس الوفد اليمني المفاوض رداً على هذه الوحشية: "إن الحكومة الأمريكية ارتكبت جريمة وحشية بحق المهاجرين الأفارقة بقصف مأواهم في صعدة"، إن وحشية الحكومة الأمريكية لا تغطي الهزيمة العسكرية التي تعرضت لها في عدوانها على اليمن، إن إصرار الحكومة الأمريكية على العدوان على اليمن لن يحقق لها أي مكاسب، "إن الصمت الدولي على جرائم أمريكا يشجع هذا البلد على مواصلة سفك الدماء من خلال استهداف المناطق السكنية وتضليل العالم بأنها أهداف عسكرية".
وأضاف: "إن استناد واشنطن إلى هذه الادعاءات لا يجعلها حقيقة"، والحقيقة أن واشنطن كان لديها نوايا متعمدة ومدروسة لارتكاب الجرائم والإرهاب، ويصر العدو الأمريكي على ارتكاب جرائم متعمدة ضد المدنيين وآخرها مجزرة المهاجرين الأفارقة في صعدة، "إن جرائم الحرب التي ارتكبها العدو الأمريكي تمثل ذروة الفشل والانهيار الأخلاقي للحكومة الأمريكية".
ومن الجدير بالذكر أن تداعيات الجريمة لا تقتصر في بعض الأحيان على البعد الإنساني وعدد القتلى، بل إنها تتجاوز حدود الزمان والمكان، وتخترق الأنماط الناشئة للنظام الدولي وتطرح تساؤلات حول معادلات القوة، إن مذبحة المهاجرين الأفارقة في صعدة ليست مجرد حدث مرير أو واقعة مأساوية في سجل المآسي الإنسانية، بل إنها تمثل تغييرات عميقة تعمل على تحويل فهمنا للأمن والشرعية والقوة في العالم المعاصر، في عصر تنتشر فيه الصور المروعة عبر الحدود بسرعة البرق وتثير "المشاعر العامة" قبل أي تحليل رسمي، حتى الهجوم المحدود يمكن أن يخلق تموجات تهز أسس مصداقية القوة حتى النخاع، لقد انتهى عصر إرساء الروايات الرسمية من خلال القوة العسكرية وحدها.
إن "الرأي العام" العالمي يزن كل فعل ويراجع كل ادعاء في ضوء الحقائق الملموسة بحساسية غير مسبوقة، اليوم، أصبح الخط الفاصل بين "القوة الصارمة" و"أزمة الشرعية" أرق وأكثر هشاشة من أي وقت مضى، ورغم امتلاكها ترسانة هائلة من الأسلحة والتقنيات التي لا مثيل لها، فإن أمريكا لا تستطيع إخفاء الشقوق العميقة في رواياتها الإنسانية عن أعين التاريخ الحادة، إن كل صاروخ يطلق على المدنيين العزل يسقط كالفأس على جسد الشرعية التي بنيت على مدى سنوات من الدعاية والدبلوماسية، ويقف التاريخ على الهامش، ويراقب بصبر وصمت ذي معنى، لرؤية أي القصص تبقى في ذاكرة الأمم وأي القوى، تحت وطأة تناقضاتها الثقيلة، تقترب من الانهيار، هناك مشكلة واحدة هنا، وهي أن هذه "المشاعر العامة" و"الآراء العامة" لم تكن لديها القدرة على تغيير السياسات حتى الآن، وبالتالي يتعين علينا أن نتحدث باللغة نفسها التي تفهمها أمريكا في الميدان، إلى أن يأتي اليوم الذي يضع فيه هذا "الرأي العام" حداً لجرائم القوى العالمية.
استهدفنا حاملة الطائرات ترومان
أعلن المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية العميد يحيى سريع، قبل عدة أيام، أنه رداً على العدوان الأمريكي ومجازر المدنيين، استهدفنا حاملة الطائرات الأمريكية ترومان والسفن الحربية التابعة لها، وقال سريع إن استهداف حاملة الطائرات ترومان تم بصواريخ كروز وصواريخ باليستية وطائرات مسيرة، ما أجبر حاملة الطائرات على الابتعاد، وأعلن أيضا عن قصف هدف حيوي في عسقلان بواسطة طائرة مسيرة من نوع يافا.
"خسائر مأساوية"
في هذا السياق، أعرب المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، عن "انزعاج الأمم المتحدة البالغ" إزاء التقارير التي تفيد بشن غارة جوية على مركز احتجاز للمهاجرين في محافظة صعدة، وقال دوجاريك: "نشعر بالحزن إزاء الخسائر المأساوية في الأرواح، حيث يُعتقد أن العديد من هؤلاء المهاجرين قُتلوا وجُرحوا... وقد ترتفع الأعداد مع استمرار جهود البحث والإنقاذ".
وأكد المتحدث الأممي على استعداد المنظمة الدولية للهجرة هناك لتقديم الدعم عند الحاجة، موضحاً أنهم "لا يزالون ملتزمين بمراقبة الوضع عن كثب"، وأشار إلى تقارير تفيد بأن المستشفيات في المنطقة مكتظة بسبب قدرتها الاستيعابية المحدودة، موضحاً أن مستشفيين قريبين استقبلا أكثر من 50 جريحاً، كثير منهم في حالة حرجة.
كما أفاد بيانه بمقتل ثمانية وإصابة ستة آخرين، بينهم نساء وأطفال، في مديرية بني الحارث بمحافظة صنعاء، قبل عدة أيام، وحذرت الأمم المتحدة من أن هذه الضربات تشكل خطراً متزايداً على السكان المدنيين في اليمن، مشدداً على ضرورة التزام الطرفين بالقانون الإنساني الدولي، الذي يؤكد على حماية المدنيين، على صعيد آخر، صرح مسؤول عسكري أمريكي، بأن الجيش الأمريكي على علم بمزاعم سقوط ضحايا مدنيين، وأضاف لرويترز رافضاً الكشف عن هويته: "نأخذ هذه الادعاءات على محمل الجد، ونجري حالياً تقييماً لأضرار المعارك والتحقيق فيها".
وقال الجيش الأمريكي إنه لن يُقدم معلومات مفصلة عن أهداف غاراته الجوية لأسباب تتعلق بأمن العمليات، وكانت قناة المسيرة قد عرضت صوراً لآثار الغارة الجوية في صعدة، على طريق يستخدمه المهاجرون الأفارقة للعبور من اليمن إلى السعودية، وأظهرت اللقطات جثثاً مغطاة بالغبار وسط أنقاض ملطخة بالدماء، وحمل عمال الإنقاذ رجلاً يتحرك ببطء على نقالة، فيما سُمع أحد الناجين وهو ينادي "أمي" باللغة الأمهرية الرئيسية في إثيوبيا، ووصف ناجون آخرون، في مقابلات مع التلفزيون اليمني في المستشفى، كيف استيقظوا على وقع انفجار الفجر، وقال أحدهم: "لقد قُذِفت في الهواء وسقطت أرضاً".