الوقت- يشهد قطاع غزة واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العصر الحديث، حيث يواجه أكثر من 2.2 مليون فلسطيني خطر الموت جوعاً نتيجة الحصار الخانق والعدوان المستمر من قبل الاحتلال الإسرائيلي، في ظل تدهور الأوضاع المعيشية وغياب أدنى مقومات الحياة، باتت المجاعة تهدد سكان القطاع بشكل غير مسبوق.
ووفقاً لتقارير صادرة عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، فإن حوالي 100% من سكان غزة يعانون اليوم من انعدام الأمن الغذائي، وهي نسبة لم تُسجل من قبل في أي أزمة إنسانية معاصرة.
برنامج الغذاء العالمي أعلن أنه قام يوم الجمعة الماضي بتوزيع آخر مخزوناته من المواد الغذائية على المطابخ المجتمعية، محذراً من أن هذه المطابخ التي كانت تخدم أكثر من نصف سكان القطاع ستتوقف عن العمل في الأيام المقبلة بسبب نفاد الإمدادات.
أرقام صادمة
- أكثر من 2.400.000 فلسطيني معرّضون لخطر المجاعة والموت جوعاً.
- تسجيل 52 حالة وفاة بسبب الجوع وسوء التغذية، بينهم 50 طفلاً.
- نحو 60.000 طفل يعانون من سوء تغذية حاد.
- أكثر من مليون طفل يتعرضون للجوع المزمن، ما يؤدي إلى الهزال ونقص المناعة ويعرضهم لخطر الموت.
- لم يدخل أي مساعدات غذائية أو تجارية إلى غزة منذ أكثر من 55 يوماً بسبب الإغلاق التام للمعابر الحدودية.
تحذيرات دولية
برنامج الغذاء العالمي حذر من أن غياب المساعدات يعني أن خطر المجاعة بات وشيكاً جداً، وطالب بفتح ممرات إنسانية عاجلة، كما أكد مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أن منع إدخال الغذاء والوقود إلى غزة قد أدى إلى انهيار قطاع المخابز وتدمير قطاع الصيد البحري، ما تسبب بارتفاع جنوني في أسعار المواد الغذائية بنسبة تزيد على 500% في بعض السلع الأساسية.
ووفقاً لشهادات المراقبين الدوليين، فإن "إسرائيل" قامت بتدمير أكثر من 70% من البنية التحتية الزراعية ومراكز تخزين الأغذية في القطاع خلال الأشهر الماضية، ما جعل السكان يعتمدون بشكل شبه كامل على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة.
الآثار الصحية الكارثية
نقص التغذية الحاد تسبب في انتشار أمراض فتاكة بين الأطفال والنساء، مثل فقر الدم، وضعف المناعة، وتأخر النمو، وحذرت منظمة الصحة العالمية من أن استمرار الوضع الحالي سيؤدي إلى ارتفاع كبير في معدلات الوفيات وخاصة بين الأطفال دون سن الخامسة.
تعتبر الأزمة النفسية أحد الآثار الجانبية الكبرى لهذه المجاعة والحرب المستمرة، فالأطفال في غزة يعانون من اضطرابات نفسية حادة نتيجة فقدان الأهل، والمشاهد اليومية للدمار والموت، والعيش في ظروف غير إنسانية، تشير التقارير إلى أن أكثر من 50% من الأطفال في القطاع يعانون من صدمات نفسية، مثل الاكتئاب والقلق، ما يشكل تحدياً إضافياً أمام جهود إعادة تأهيل القطاع.
تكاليف الحرب والدمار الشامل
منذ بداية الحملة العسكرية الإسرائيلية ضد قطاع غزة، تعرضت العديد من المناطق السكنية والمرافق العامة للتدمير الكامل، ما فاقم من الوضع الإنساني والاقتصادي بشكل غير مسبوق، الهجمات الجوية الإسرائيلية دمرت أكثر من 30% من المنازل في القطاع، إضافة إلى تدمير كامل للبنية التحتية الحيوية مثل محطات المياه والكهرباء، التي كانت تُعد آخر موارد السكان الأساسية.
ورغم النداءات العديدة من المنظمات الدولية لوقف القصف والسماح بدخول المساعدات الإنسانية، فإن الاحتلال الإسرائيلي استمر في تشديد الحصار وفرض مزيد من القيود على دخول المواد الغذائية والمساعدات الطبية إلى القطاع، ما أسفر عن تفاقم الأزمة بشكل خطير.
منذ أكثر من 55 يوماً، لم يدخل أي نوع من المساعدات الإنسانية أو المواد التجارية إلى غزة بسبب الإغلاق التام للمعابر الحدودية، وفي هذه الأثناء، توقفت المساعدات الإنسانية التي كانت تُوزع عبر المطابخ المجتمعية، التي كانت توفر الطعام لأكثر من نصف سكان غزة، في الأسبوع الماضي، أعلنت الأمم المتحدة أنها قد تلقت آخر دفعة من المساعدات الغذائية، مشيرة إلى أن المخزونات قد نفدت تماماً.
تستمر الأمم المتحدة في الدعوة إلى فتح المعابر الإنسانية فوراً لتيسير وصول المساعدات الطبية والغذائية، محذرة من أن الوفيات بسبب الجوع والمرض قد تتزايد بشكل غير مسبوق في حال استمرت القيود.
على الرغم من تعهدات العديد من المنظمات الإنسانية الدولية، مثل الصليب الأحمر وبرنامج الغذاء العالمي، بتقديم الدعم الغذائي والطبي، إلا أن القيود الإسرائيلية على المساعدات الإنسانية جعلت هذه الجهود غير كافية، في هذا السياق، أعلن العديد من ممثلي المنظمات الدولية أن الحل الوحيد لمعالجة الأزمة يكمن في توفير ممرات آمنة لإيصال المساعدات إلى غزة، مع ضرورة وجود ضغط دولي على "إسرائيل" لرفع الحصار.
ومن جهتها، أعلنت منظمة الصحة العالمية أن أكثر من 50% من المستشفيات في غزة تعرضت للتدمير أو الإغلاق بسبب نقص الإمدادات الطبية، ما جعل تقديم العلاج للمرضى والمصابين في غاية الصعوبة.
دعوات إلى الضغط الدولي
في وقت يشهد فيه قطاع غزة انهياراً كاملاً في جميع نواحي الحياة، يطالب المجتمع الدولي بمواقف أكثر صرامة ضد سياسات الاحتلال الإسرائيلي، ووفقاً لتصريحات مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فإن التحرك الدولي أصبح أكثر من ضروري لوقف المجزرة الإنسانية في غزة، مطالباً الدول الكبرى باتخاذ خطوات حاسمة عبر فرض عقوبات سياسية واقتصادية على "إسرائيل".
في السياق نفسه، دعا العديد من النشطاء الحقوقيين والمنظمات الإنسانية إلى فرض حظر كامل على الأسلحة الموجهة لـ"إسرائيل"، وهو ما من شأنه أن يحد من قدرة الاحتلال على استمرار العدوان ضد المدنيين في غزة.
في ضوء هذه الكارثة الإنسانية، تزايدت الدعوات من الدول العربية والإسلامية لفتح ممرات إنسانية عاجلة لإغاثة المدنيين في غزة، حيث تنادي هذه الدول بضرورة إيجاد حلول دبلوماسية لضمان وصول المساعدات، كما أبدت دول الاتحاد الأوروبي قلقها الشديد إزاء التصعيد العسكري الإسرائيلي في غزة، مطالبةً بإيجاد آليات لمراقبة الوضع الإنساني عن كثب.
إن الوضع في قطاع غزة اليوم أصبح غير قابل للاستمرار، حيث يعيش أكثر من 2.4 مليون فلسطيني في ظروف مأساوية مع استمرار الحصار والعدوان، لذلك، فإن التدخل الفوري من قبل المجتمع الدولي أصبح ضرورة ملحة لضمان سلامة المدنيين في غزة ورفع الحصار الذي يهدد حياة الأجيال القادمة، ويبقى السؤال: هل سيستجيب العالم للنداءات الإنسانية، أم ستستمر هذه المأساة بلا نهاية؟