الوقت - بينما أنظار العالم مشدودة نحو المجازر اليومية في غزة، تتعرض الضفة الغربية بدورها لحرب صامتة لا تقل فتكًا، حيث تصاعدت حملات الاقتحام والاعتقال والاعتداءات الممنهجة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين المتطرفين، في مشهد يعكس سياسة شاملة لإخضاع الأرض والإنسان الفلسطيني.
ففي سلسلة اعتداءات متواصلة، شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي فجر الأربعاء حملة اعتقالات واسعة طالت العشرات من المواطنين الفلسطينيين في مدن وبلدات متفرقة من الضفة الغربية، ترافق ذلك مع عمليات اقتحام عنيفة استخدمت خلالها المدرعات والأسلحة الثقيلة.
بلدة كوبر شمال غرب رام الله كانت من أبرز المحطات في هذا التصعيد، حيث اعتقل 16 فلسطينيًا، بينهم الأسيرة المحررة حنان البرغوثي، في عملية استمرت لساعات طويلة، تحولت خلالها منازل المواطنين إلى مراكز تحقيق ميداني، وخصوصًا منزل الأسير المحرر نائل البرغوثي.
وفي الجنوب، اجتاحت قوات الاحتلال مدينة الظاهرية جنوب الخليل، حيث اعتقلت 10 فلسطينيين، بينهم ثلاثة من أعضاء المجلس البلدي، ودهمت عددًا من المنازل والمرافق العامة، بينها المركز الطبي التابع للبلدية، الذي تم اقتحامه وتحويله إلى نقطة اعتقال وتحقيق ميداني.
أما في بلدة بلعا شرق طولكرم، فقد شهدت البلدة فجرًا عاصفًا بعد اقتحام مدرعات من طراز "إيتان"، وسط مداهمات للمنازل وتخريب واسع في الممتلكات، وأعلنت مديرية التربية والتعليم تأخير الدوام المدرسي بسبب الأوضاع الأمنية.
إرهاب المستوطنين: إحراق وتخريب وقتل
في مشهد آخر من فصول التصعيد، صعّد المستوطنون المتطرفون، بدعم كامل من جيش الاحتلال، اعتداءاتهم على البلدات الفلسطينية، حيث اقتحموا بلدة سنجل شمال رام الله، وأضرموا النيران في سبعة منازل وخمس مركبات، واعتدوا على السكان باستخدام العصي والحجارة، ما أسفر عن إصابات في صفوف المدنيين.
المشهد المؤلم تكرر أيضًا في بلدة كفل حارس شمال سلفيت، حيث حطّم المستوطنون مركبة فلسطينية، تحت أنظار وحماية جنود الاحتلال، في حين أغلقت مجموعات أخرى المدخل الشرقي لبلدة دير جرير، مستخدمة آليات هدم متجهة نحو بؤرة استيطانية مشيدة على أراضي بلدتي دير جرير وسلواد.
جرائم بالجملة: اغتيال أطفال وتجريف أراض
مأساة جديدة دوّى صداها غرب جنين، حيث استُشهد طفل فلسطيني يبلغ من العمر 12 عامًا برصاص الاحتلال خلال اقتحام بلدة اليامون، أصيب الطفل في فخذه وبطنه، ولم تفلح جهود إنقاذه، ليرتقي شهيدًا جديدًا في سجل الطفولة الفلسطينية التي تدفع ثمن الاحتلال بدمائها.
وفي السياق ذاته، واصلت قوات الاحتلال تجريف الأراضي خلف الجدار العازل في منطقة ارتاح غرب طولكرم، وسط مخاوف من ضم أراضٍ جديدة، ضمن سياسة التوسع الاستيطاني القسري.
المقاومة ترد.. ومواجهات تشتعل
لم تقف المقاومة الفلسطينية مكتوفة الأيدي، فقد أعلنت كتيبة جنين التابعة لسرايا القدس، الذراع العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، أنها تخوض مواجهات عنيفة مع قوات الاحتلال في بلدة اليامون، مشيرة إلى تفجير عبوات ناسفة واستهداف الآليات بزخات كثيفة من الرصاص.
كما شهدت الضفة الغربية سلسلة عمليات إطلاق نار، أبرزها تلك التي وقعت بين مستوطنتي إيتمار وألون موريه قرب نابلس، ما دفع الاحتلال لإرسال تعزيزات ومروحية عسكرية إلى الموقع.
الضفة.. ساحة حرب موازية
حسب معطيات فلسطينية، فإن الضفة الغربية تشهد تصعيدًا خطيرًا ومتزامنًا مع حرب الإبادة الجماعية في غزة، حيث أسفرت الاعتداءات عن استشهاد أكثر من 956 فلسطينيًا، وإصابة قرابة 7 آلاف آخرين، واعتقال ما يزيد على 16 ألفًا و400 شخص، منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وتقول مصادر فلسطينية إن الاحتلال يسعى إلى فرض وقائع جديدة على الأرض عبر تفريغ القرى من سكانها، وتوسيع المستوطنات، وتدمير البنى التحتية، بينما يتكفل المستوطنون بنشر الفوضى والذعر، بدعم مباشر من الجيش.
دعم أمريكي وسكوت دولي
كل هذه الانتهاكات والجرائم ترتكب، وفق منظمات حقوقية، تحت مظلة الدعم الأمريكي المطلق، وفي ظل صمت دولي مدوٍ، يغض الطرف عن مجازر تُبث على الهواء مباشرة، سواء في غزة أو في مدن وبلدات الضفة الغربية.
ورغم حجم العنف والتنكيل، لا تزال الضفة صامدة، تشهد يوميًا مواجهات شعبية وعسكرية تعكس تمسك الفلسطينيين بحقهم المشروع في مقاومة الاحتلال، فأحياء مثل نور شمس واليامون وكوبر وسنجل باتت عناوين يومية لصمود شعبي لا ينكسر، حتى في وجه واحدة من أكثر الآلات العسكرية بطشًا.