الوقت - في تطور خطير يُسلط الضوء على تصاعد النشاطات الصهيونية اليمينية في الولايات المتحدة، تتفاخر منظمة "بيتار يو إس" (Betar US)، الفرع الأمريكي الشمالي لما يُعرف بـ"الصهيونية التصحيحية"، بتقديم أسماء طلاب ونشطاء ومفكرين -بمن فيهم يهود- إلى الحكومة الإسرائيلية، لمجرد تعبيرهم عن تأييدهم للقضية الفلسطينية أو معارضتهم للصهيونية.
المنظمة، التي تأسست على يد زئيف جابوتنسكي عام 1923، وُلدت كحركة شبابية شبه عسكرية، وها هي تعود إلى الواجهة بقوة، وتتباهى الآن في منشوراتها على منصة "إكس" بإعداد "قوائم سوداء" تتضمن شخصيات أكاديمية وإعلامية ومجتمعية تصفهم بأنهم "أعداء للدولة اليهودية".
ويبدو أن "بيتار يو إس" لا تفرّق بين مؤيد فلسطيني أو يهودي مناهض للصهيونية؛ فالجميع تحت المراقبة، تقول المنظمة صراحة إنها تُزوّد الحكومة الإسرائيلية بأسماء هؤلاء لمنعهم من دخول "إسرائيل"، بل تذهب أبعد من ذلك بنشر صورهم ومعلوماتهم الشخصية والمهنية على مواقع التواصل الاجتماعي، في سلوك يُشبه حملات التشهير والتخويف العلني.
قائمة بالأعداء.. دون تمييز
في أحد منشوراتها، كتبت المنظمة: "أرسلنا قائمة بأسماء اليهود في الشتات الذين نوصي بمنعهم من دخول إسرائيل"، وتفتخر بأنها تضيف يوميًا أسماء جديدة إلى قائمتها التي تشمل أشخاصًا من الولايات المتحدة، كندا، أوروبا، وأمريكا اللاتينية.
الصحفي الأمريكي اليهودي بيتر باينارت، إلى جانب قادة مجموعات مثل "أصوات يهودية من أجل السلام"، و"كود بينك"، و"صندوق إسرائيل الجديد"، كانوا من بين المستهدفين.
كما تم التشهير بموظفة مركز سليفكا بجامعة ييل، راشيل ليكين، ووصفت المنظمة دعمها لفلسطين بأنه "كل ما هو خطأ في اليهودية"، وأعلنت رسميًا تقديم اسمها لوزارة الداخلية الإسرائيلية لمنعها من دخول البلاد مدى الحياة، ولم تسلم أيضًا أصوات يهودية أخرى، مثل شاي ديفيداي، الذي قارن سلوك المنظمة بالنازيين.
امتداد إلى داخل "إسرائيل".. بدعم رسمي
لا تكتفي "بيتار يو إس" بنشاطها الخارجي، بل تحظى بدعم داخلي واسع في "إسرائيل"، فقد أكدت أن من بين أعضائها شخصيات رفيعة في الحكومة، مثل وزير الدفاع جدعون ساعر، وزيرة المساواة ماي جولان، ووزير الشتات عميحاي شيكلي، كما تضم المنظمة شخصيات أمنية، وأعضاء من الكنيست، وموظفين في جهاز الشاباك ومكتب رئيس الوزراء.
وتُواصل المنظمة خطابها التحريضي بعبارات شديدة اللهجة، إذ تنشر مقولات مثل: "لا أبرياء في غزة"، وتصف الفلسطينيين بـ"النازيين"، في دعوة ضمنية للإبادة الجماعية دون تمييز بين مدني ومقاتل.
بل ذهبت المنظمة أبعد من ذلك حين أعلنت عن "مهمة الموساد"، وهي فعالية تمتد من الـ 23 إلى الـ 25 من حزيران المقبل، تتيح للمشاركين لقاء ضباط مخابرات سابقين على حدود غزة.
من التجسس إلى الترحيل
قصة طالب الدراسات العليا محمود خليل، الذي يحمل البطاقة الخضراء الأمريكية، مثال حي على نفوذ "بيتار"، ففي منشور على منصة "إكس"، وضعت المنظمة خليل على "قائمة الترحيل"، ليُعتقل بعد ذلك بأسابيع على يد سلطات الهجرة، ولم تمضِ سوى أيام حتى زوّدت "بيتار" صحيفة واشنطن بوست بقائمة أهداف جديدة، أبرزها الطالب مومودو تال من جامعة كورنيل، الذي سبق أن تم فصله بسبب مشاركته في احتجاجات مؤيدة لفلسطين.
وبالرغم من نفي وزارة الأمن الداخلي الأمريكية تلقي أي معلومات من "بيتار"، إلا أن محامي خليل وتال يؤكدون أن موكليهم مستهدفون نتيجة لحملة تقودها الجماعة الصهيونية في ظل سياسة عامة متواطئة.
ويقول دانيال ليفي، المتحدث باسم المنظمة: "قدمنا مئات الأسماء لإدارة ترامب، لأشخاص من الشرق الأوسط أو مجنسين يُعارضون أمريكا وإسرائيل".
نفوذ متجدد في عهد ترامب
حظيت المنظمة بنفوذ متنامٍ في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، ولا سيما بعد تبنيه أوامر تنفيذية تُتيح ترحيل الأجانب المتهمين بدعم الإرهاب أو معاداة السامية، وفي هذا السياق، تعتبر "بيتار يو إس" نفسها شريكًا مؤثرًا في هذه السياسة، وتواصل نشر بياناتها على مواقع التواصل، بعد أن كانت محظورة مؤقتًا من منصات ميتا بسبب تهديدات مبطنة بالقتل.
وتقول صحيفة واشنطن بوست إن صعود نجم "بيتار" يعكس كيف ساهمت إدارة ترامب في إطلاق العنان لجماعات صهيونية متشددة، تُوظف وسائل التواصل الاجتماعي لاستهداف المعارضين، بمن فيهم يهود.
عودة بعد الـ 7 من أكتوبر
عودة "بيتار" القوية إلى الواجهة بدأت بعد هجوم حماس في الـ 7 من أكتوبر، حسب روس جليك، المدير التنفيذي السابق للمنظمة، الذي قال إنه شعر بالذهول حين رأى متظاهرين في نيويورك يحتفلون بالهجوم، فبدأ في تتبّعهم وتصويرهم، وتسليم أسمائهم "للجهات المختصة".
وفي عام 2024، انضم إلى جهود إحياء المنظمة برون توروسيان، وهو مسؤول علاقات عامة مثير للجدل، يتبنى الرؤية المتطرفة نفسها، ويعمل توروسيان اليوم على إعادة إحياء "بيتار" كجماعة صهيونية قوية، ترتكز على المراقبة والتشهير والعقاب الجماعي.