الوقت - أفاد موقع "والا نيوز" في تقريرٍ استقصائي أنه في أعقاب وصف رئيس دائرة اليهود في الشاباك للمستوطنين بأوصافٍ مشينة خلال حديثٍ متداول، بادر رونين بار، رئيس الجهاز المُقال الذي لا يزال متشبثاً بمنصبه بموجب أمرٍ من المحكمة العليا، إلى التعهد بمتابعة القضية، معلناً عبر الناطق الرسمي باسم الشاباك تكليف لجنةٍ خاصة للتحقيق في هذه الواقعة المثيرة للجدل.
غير أن هذه الخطوة قوبلت بردة فعلٍ عنيفة من مكتب نتنياهو، الذي أكد أن التحقيقات يجب أن تجري تحت إشراف خَلَف بار، وأن رئيس الشاباك المُقال ليس من حقه التدخل في هذا الشأن الخطير، بعد أن أطاح به مجلس الوزراء من منصبه.
وشدّد البيان الصادر يوم الأحد على أنه في ضوء اتهامات بار الأخيرة لرئيس الوزراء بإساءة استخدام صلاحيات الشاباك ضد المواطنين الإسرائيليين، فإنه يقف في موقف تضارب مصالح صارخ في هذا التحقيق، ما يحول دون مشاركته فيه بأي صورة من الصور.
تراشق الاتهامات يؤجج النيران
في غضون ذلك، نشرت صحيفة "زمان إسرائيل" مقالاً تحليلياً في عددها الصادر اليوم، سلطت فيه الضوء على تصريحات رونين بار الأخيرة التي اتهم فيها نتنياهو بمحاولة تطويع جهاز الشاباك لخدمة مصالحه الشخصية، مؤكدةً أن خطورة هذه الاتهامات تستدعي تدخلاً عاجلاً من الأجهزة الأمنية والقضائية، وفتح تحقيقٍ جنائي شامل في هذا الملف الشائك.
وكتب يوفال يواز، الخبير في الشؤون القانونية والقضائية بالصحيفة: للمرة الأولى في تاريخ دولة إسرائيل منذ تأسيسها، يخرج علينا رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) ليعلن صراحةً أن رئيس وزراء إسرائيل، طلب منه مراراً وتكراراً ارتكاب مخالفاتٍ قانونية صريحة.
إذا ثبتت صحة هذه المزاعم الخطيرة، فإن نتنياهو يكون قد ارتكب جرائم جنائية بالغة الخطورة، تستوجب ملاحقته قضائياً على الفور بمجرد طرحها للتداول.
وفي المقابل، إذا كانت تصريحات رونين بار مجافيةً للحقيقة، فإن مجرد إطلاق مثل هذه الاتهامات الخطيرة أثناء توليه منصباً حساساً كرئيس لمؤسسة أمنية رفيعة المستوى، يُعدّ في حد ذاته جريمةً جنائيةً لا تقلّ خطورةً.
وفي جميع الأحوال، فإن تصريحات بار الأخيرة، تستلزم تحركاً فورياً من الجهات المختصة، وإجراء تحقيقٍ جنائي مستفيض لا يترك شاردةً ولا واردةً إلا ويحيط بها علماً".
سلطات استخبارية هائلة وخطورة استغلالها
وأضاف الخبير في تحليله: "لا يخفى على ذي بصيرة أن الصلاحيات والأدوات الاستخبارية والتقنيات المتطورة التي يمتلكها جهاز الشاباك تتسم بالشمولية والاتساع، وهي قدرات تظل في طي الكتمان ومحجوبة عن أعين العامة، غير أن القليل من هذه القدرات وآلية عمل هذا الجهاز الحساس، تسرب إلى العلن وتناقلته وسائل الإعلام في بدايات تفشي جائحة كورونا قبل خمس سنوات.
آنذاك، لجأت الحكومة الإسرائيلية إلى توظيف إمكانيات الشاباك الهائلة، لرصد وتحديد هوية المواطنين الذين خرقوا قيود الحجر الصحي المفروضة للحد من انتشار الفيروس، ما أثار موجةً من الاعتراضات تجسدت في رفع عدة التماسات للمحكمة العليا، احتجاجاً على استخدام هذه القدرات الاستثنائية لأغراض لا تمت للأمن القومي بصلة.
من المسلم به أنه في سياق العلاقة المهنية المستمرة، يتقدم رئيس الوزراء بطلبات متنوعة إلى رئيس الشاباك، الذي يملك حق قبولها أو رفضها وفقاً لاعتبارات مهنية بحتة، وتتعدد هذه الطلبات وتتنوع في إطار التعاون المستمر بين الطرفين".
رسالة تفتح أبواب الجحيم
وجاء في محور آخر من المقال: "تبدو هذه الممارسات طبيعيةً ومألوفةً في سياقها المعتاد، بيد أن الأمور تتخذ منعطفاً خطيراً حين يعمد رئيس الشاباك إلى كشف هذه المداولات السرية للرأي العام.
إن الرسالة التي بعث بها رونين بار، رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي، إلى هيئة قضاة المحكمة العليا، مرفقةً برسالة المستشار القانوني لمجلس الوزراء، والتي قُدمت يوم الجمعة عشية انعقاد جلسة النظر في طلب إلغاء قرار إقالته، تكشف عن وقائع مثيرة للقلق.
فللمرة الأولى في تاريخ "دولة إسرائيل"، يكشف النقاب رئيس جهاز أمني بالغ الحساسية، وإن كان بأسلوب مقتضب يخلو من التفاصيل الدقيقة، عن تلقيه طلبات متكررة من رئيس الوزراء تنطوي على مخالفات قانونية صريحة، وأنه واجه هذه الطلبات المخالفة للقانون بالرفض القاطع لعدم مشروعيتها.
وإذا أردنا تبسيط هذه القضية الشائكة، فإن جوهرها يكمن في أن رونين بار، رئيس جهاز الشاباك، يوجّه اتهاماً مباشراً إلى بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء، بمحاولة تسخير جهاز أمني حساس لخدمة أغراض ومصالح شخصية، تتعارض مع القانون ولا تمت بصلة للمصلحة العليا للدولة".
جرائم خطيرة أم تشهير متعمد؟
واستطرد المقال التحليلي: "إذا ثبتت صحة هذه المزاعم الخطيرة، فإن نتنياهو يكون قد ارتكب جرائم جنائية بالغة الخطورة بمجرد التفوه بهذه الطلبات غير المشروعة، إذ يُعدّ مجرد طرح مثل هذه الطلبات جريمةً مكتملة الأركان، تنطوي على عرقلة سير العدالة، والاحتيال، وإساءة استغلال السلطة، وربما جرائم أشدّ خطورةً.
أما إذا كانت ادعاءات بار عاريةً عن الصحة، فإن تطرقه إلى هذه المسألة البالغة الحساسية أثناء توليه منصباً رفيع المستوى كرئيس لجهاز أمني، وتوجيه اتهامات بهذه الخطورة ضد رئيس وزراء يُعد رئيسه المباشر، قد يشكّل في حد ذاته جريمةً جنائيةً، أو على أقل تقدير خيانةً جسيمةً للأمانة والثقة الموضوعة فيه.
وفي كلتا الحالتين، تستدعي هذه القضية الشائكة إجراء تحقيقٍ جنائي شامل ومستفيض، إذ لا يمكن ترك هذا الصراع المحتدم والمواجهة المفتوحة دون تمحيص دقيق، ما يحتّم على المدعي العام للدولة التدخل العاجل لدراسة هذه المسألة الخطيرة، وإصدار توجيهاته بفتح تحقيق رسمي في ملابساتها".
اتهامات خطيرة تهز أركان الدولة العبرية
واختتم المقال بالقول: "على أي حال، فإن رسالة بار تمثّل سابقةً خطيرةً، إذ توجه للمرة الأولى، وبصورة صريحة ورسمية، اتهاماً مباشراً لنتنياهو بتقديم طلبات غير مشروعة، ويؤكد بار أن معارضته الحازمة لمطالب نتنياهو غير القانونية أفقدته حظوته لدى رئيس الوزراء، وأدت في نهاية المطاف إلى إثارة مسألة إقصائه من قيادة جهاز الشاباك.
وشدّد بار في مقطع لافت من رسالته على أنه "خلال شهر نوفمبر 2024، ألح علي رئيس الوزراء مراراً وتكراراً بإعداد تقرير أمني، يزعم أن الظروف الأمنية الراهنة تحول دون مثول نتنياهو أمام جلسة الاستجواب في المحكمة بشأن قضيته الجنائية… غير أن رفضي القاطع والتزامي بالمبادئ المهنية في عدم الانصياع لطلب رئيس الوزراء في هذا الصدد، أدى إلى إثارته مسألة انعدام الثقة بيننا، ما مهّد الطريق لمحاولة الإطاحة بي من منصبي".