الوقت- في عام 1948، انتزع الاستكبار العالمي "القدس"، قبلة المسلمين الأولى في العالم الإسلامي، من أيدي سكانها، لقد قوبل هذا الاحتلال من قبل الكيان الصهيوني الغاصب منذ السنوات الأولى لاحتلال القدس بمقاومة من الشعب المسلم في فلسطين واحتجاجات من المسلمين والشعوب الحرة والواعية في جميع أنحاء العالم، وأظهر وجهه في شكل نضالات سياسية وعسكرية مستمرة، بعد انتصار الثورة الإسلامية، أعلن الإمام الخميني (رض) في أقرب فرصة ممكنة يوماً باسم "يوم القدس" لإظهار الحساسية العالمية تجاه مصير القدس وإنقاذها من براثن الصهاينة الغاصبين، وأصدر رسالة بهذه المناسبة.
في هذه الرسالة، الصادرة في الـ 6 من أغسطس/آب 1979، الموافق للثالث عشر من شهر رمضان المبارك عام 1399 هـ، والموجهة إلى المسلمين في جميع أنحاء العالم، قال الإمام الراحل: "لقد حذّرتُ المسلمين لسنوات طويلة من خطر "إسرائيل" الغاصبة، التي كثّفت الآن هجماتها الوحشية على الإخوة والأخوات الفلسطينيين، وتقصف منازلهم وبيوتهم باستمرار، وخاصة في جنوب لبنان، بهدف القضاء على المقاتلين الفلسطينيين، أدعو جميع المسلمين في جميع أنحاء العالم والحكومات الإسلامية إلى التكاتف لقطع يد هذا الغاصب وأعوانه، أدعو جميع المسلمين في جميع أنحاء العالم إلى إعلان آخر جمعة من شهر رمضان المبارك، وهو يوم القدر، والذي يمكن أن يُحدد مصير الشعب الفلسطيني، "يوم القدس"، وإقامة مراسم لإعلان التضامن الإسلامي الدولي دعماً للحقوق المشروعة للشعب المسلم، أسأل الله العلي القدير أن يمنّ على المسلمين بالنصر على الكافرين".
لقد شكلت هذه الرسالة من الإمام نقطة تحول في نضال الشعب الفلسطيني وأضفت المصداقية على التاريخ الطويل لهذا النضال، كما أشعلت رسالة مؤسس الثورة الإسلامية الإيرانية شعلة الأمل في قلوب الفلسطينيين المضطهدين.
حسب الإمام الخميني (رض) فإن يوم القدس هو يوم عالمي، لا يوجد يوم مخصص للقدس فقط، إنه اليوم الذي يواجه فيه المظلوم المستكبرين، إنه يوم المواجهة بين الأمم التي كانت تحت ضغط القمع الأمريكي وغير الأمريكي، ضد القوة العظمى، إنه يوم يجب أن يتسلح فيه المظلومون ضد المتغطرسين، ويجب أن يُسحق المتغطرسون في التراب، يوم القدس هو يوم يتقرر فيه مصير الشعوب المظلومة، ويوم تعلن فيه الشعوب المظلومة وجودها في وجه المستكبرين.
لكن يوم القدس هذا العام، الذي يصادف الذكرى السادسة والأربعين له في ظل الثورة الإسلامية في إيران، يكتسب أهمية خاصة بالنظر إلى عملية عاصفة الأقصى، واتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وخطة ترامب المقترحة لإجبار الفلسطينيين على النزوح، وانتفاضة الشعب الأمريكي ومختلف الدول الأوروبية ضد الحكومات التي تدعم الإبادة الجماعية في غزة.
وفي هذا الصدد، تحدث مراسل مجموعة وكالة مهر للأنباء الدولية مع السيد عباس موسوي ممثل الأمين العام لحركة المقاومة الإسلامية العراقية النبيلة في إيران، وفيما يلي تفاصيل اللقاء: "يوم القدس العالمي الذي يقام كل عام في آخر جمعة من شهر رمضان في الدول الإسلامية وحتى الغربية دعماً للقضية الفلسطينية، هو مبادرة من الإمام الخميني (رحمه الله)، ويأتي يوم القدس هذا العام في ظل طرح ترامب خطة لتهجير الفلسطينيين قسراً، ما أهمية إحياء يوم القدس في ظل هذه الظروف بالنسبة لجبهة المقاومة؟
يوم القدس هو يوم عالمي لمدينة القدس المقدسة وينتمي للعالم الإسلامي، يوم القدس العالمي هو مبادرة من الإمام الخميني (رض) ويتم الاحتفال به كل عام في آخر يوم جمعة من شهر رمضان المبارك، يعد هذا اليوم يومًا مهمًا للعالم الإسلامي والمسلمين في جميع أنحاء العالم، إنه يوم يدعم فيه الأحرار في جميع أنحاء العالم الثورة العظيمة للشعب الفلسطيني ضد النظام الصهيوني الغاصب ومن يقف وراءه، ولقد قال الشهيد السيد الصدر الثاني (رضي الله عنه): "إن ثورة الشعب الفلسطيني راسخة في وجدان كل المسلمين على اختلاف مذاهبهم واتجاهاتهم ودولهم، ليظلوا متحدين ويجاهدون الإسلام دائماً"، وفي هذا اليوم تنطلق تظاهرة ضد الاحتلال الصهيوني ويدعو الناس لتجديد جهادهم ضد أعداء الدين والإنسانية والغد السرطاني المتمثل بالكيان الصهيوني الخبيث.
يوم القدس يوم مهم جداً لمحور المقاومة والثبات، لأنه يعزز روح الجهاد، ويقوي العزم على دعم فصائل المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني المظلوم، ويجدد المجاهدون عهدهم بالدفاع عن قضية فلسطين والوقوف إلى جانب المجاهدين والشعب الفلسطيني لتحقيق هدفهم المنشود في سلب وتدمير المحتل الغاصب الصهيوني المذلول.
إن خطة ترامب الأحمق لترحيل الشعب الفلسطيني بالقوة لا قيمة لها على الإطلاق، وحلمه الفظ لن يتحقق، إن إرادة الشعب الفلسطيني بشكل عام، وفصائل المقاومة بشكل خاص، أعظم من أن تضعف أو تنكسر أمام مثل هذا التهديد من الشيطان الأكبر، إن إحياء يوم القدس في مثل هذه الظروف وفي مختلف البلدان هو رسالة للشعب الفلسطيني بأن يكون واثقاً بنفسه، وليعلم أن كل أحرار العالم معهم ويدافعون عنه بكل قوتهم وبكل نتيجة وتضحية في مختلف المجالات الثقافية والفكرية والعسكرية.
إن الاحتفال بيوم القدس في مثل هذه الظروف وفي مختلف البلدان هو رسالة إرهاب وتحذير للكيان الصهيوني الغاصب والحكومة الأمريكية، حيث تقول: "لم ولن نسمح لكم بتحقيق أهدافكم الشريرة في أرض القدس المقدسة وتشريد الشعب الفلسطيني من أرضه"، نحن نراقبكم، وأيدينا على مقابض أسلحتنا، وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا.
ما هو دور الإمام الخميني (رض) في تشكيل جغرافيا المقاومة؟
لقد حدد الإمام الخميني (رض) طريق النضال ضد الظالمين وجغرافيا المقاومة وحدد محاورها، ولم يكن دافع الإمام الراحل في إرساء جغرافيا المقاومة نابعاً من الحماسة والمشاعر والعواطف العابرة، لقد رسموا جغرافيا المقاومة بشكل منطقي وعقلاني وعلمي كامل، مستلهمين من القرآن الكريم وسنة النبي (ص) والأئمة المعصومين (ع)، ولهذا السبب حققت هذه الجغرافيا نتائج عظيمة منذ نشأتها، وهو ما لا يمكن تناوله في هذه المناقشة القصيرة، بل بسبب الانتصارات التي حققتها والثمار الكثيرة التي جلبتها للإسلام والمسلمين في كل أنحاء العالم فهي تحتاج إلى الكتب والبحوث والمحاضرات.
كيف سيتطور مستقبل المقاومة في ظل إدارة ترامب؟
ما دامت جبهة الحق والباطل موجودة فإن الحرب لن تتوقف ولن تتوقف، ومن يتابع ساحة المعركة بين الحق والباطل من خلال آيات القرآن يدرك أن المعركة شديدة جداً في بعض مراحلها، بل قد تصل إلى حد الهلاك والتمتع بالباطل وأهله، كما يعاني المظلومون والمعذبون، هدم الخندق وهم جلوس عليه يشهدون ما يفعلون بالمؤمنين، وما حدث مؤخراً في فلسطين بعد اقتحام الأقصى وما يحدث الآن في سوريا يظهر ذلك بوضوح، وعندما يتمكن المستعمرون المتغطرسون من السيطرة على مجموعة عرقية، فإنهم يعرضون الشعب المضطهد للتعذيب المروع ويأخذون نساءهم إلى الأسر، لذلك يجب على الشباب الشجاع والمخلص أن يتسلح بالفكر والوعي والشجاعة في كل المجالات، وخاصة جهاد التنوير ضد أعداء الدين والإنسانية.
فصائل المقاومة في حالة تأهب وجاهزية تامة، نحن نتوقع كل ما يأتي من الأحمق ترامب والحكومة الأمريكية؛ نحن لا نبحث عن الحرب، ولا نهاجم أحداً، وهذا ليس جزءاً من أخلاقياتنا، نحن ندافع عن أنفسنا وعن عائلاتنا وعن مقدساتنا وعن الشعب المظلوم، ونحن عونهم وأعداء المستعمر الظالم، هذا هو نهجنا وعقيدتنا، ولهذا تأسس حراكنا في العراق، الحشد الشعبي، وسيبقى ويستمر على هذا الأساس مهما كانت الظروف والتهديدات، وخاصة التهديدات الأخيرة من الأحمق ترامب، لقد اقتدينا بالشهيدين اللواء قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس وعاهدنا قوات الحشد الشعبي على الصمود مهما كانت الظروف والتحديات، وسنبقى على عهدنا وسنعمل وفق أوامر قادة المقاومة حتى لو كره الظالمون ذلك.
نحن لسنا مسؤولين عن سير الحرب ونتائجها، نحن نقوم بواجبنا الديني، والنتيجة هي إما النصر أو الشهادة، وبناء على الأدلة والمعطيات، وحتى على الوعد الإلهي، فإن النصر بيد أصحاب الحق، إذا ساعدت الله، فإنه سيعينك ويثبت أقدامك، لقد كان العام الماضي صراعاً بين الحق والباطل، ما دامت هناك طائفة على الأرض على حق واضح فإنها باقية (ويقاتلونكم على دينكم إن استطاعوا)، ولن يستطيعوا بإذن الله.