الوقت- لطالما تبنت الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الإسرائيلي سياسات عدائية تجاه المنظمات والمؤسسات الدولية التي تكشف عن الجرائم التي يرتكبها هذا الكيان المحتل، وأحدث مثال على هذه السياسات هو السعي إلى فرض عقوبات على مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة (UNHRC) بسبب نشره تقارير حول الجرائم التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة.
تقارير مجلس حقوق الإنسان وردود الفعل الأمريكية والإسرائيلية
كشفت اللجنة الدولية المستقلة للتحقيق في الأراضي الفلسطينية المحتلة، في تقريرها الجديد بعنوان "أكثر مما يمكن أن يتحمله الإنسان"، عن الاستخدام المنهجي للعنف الجنسي من قبل قوات الأمن الإسرائيلية والمستوطنين ضد النساء والرجال والأطفال الفلسطينيين، ويستند هذا التقرير إلى أدلة رقمية مؤكدة، وشهادات الضحايا، وتحقيقات ميدانية، حيث أشار إلى حالات الاغتصاب، والتحرش الجنسي، وإهانة النساء الفلسطينيات، واستهدافهن أثناء العمليات العسكرية، بالإضافة إلى التدمير المتعمد للبنية التحتية الطبية والإنجابية في غزة.
علاوة على ذلك، يؤكد التقرير أن هذه الانتهاكات ليست حوادث فردية، بل جزء من نمط قمعي وهيكلي تفرضه سلطة الاحتلال على الشعب الفلسطيني، وكما هو الحال في قضايا سابقة، زعمت الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي أن نتائج هذا التقرير "خاطئة، ومشوهة، ومعادية للسامية"، وتسعيان إلى فرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية على هذا الكيان الدولي.
السعي لمعاقبة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة
وفقًا للتقارير، فإن ممثلي الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي في الأمم المتحدة، وخاصة "داني دانون"، سفير الاحتلال في الأمم المتحدة، و"أليس ستبنيك"، السفيرة الأمريكية المقبلة، يقودون جهودًا واسعة النطاق لفرض عقوبات اقتصادية وحظر سفر على مسؤولي مجلس حقوق الإنسان، وتشمل هذه الجهود الضغط على الحكومة الأمريكية لمنع دخول المسؤولين الرئيسيين في هذا المجلس إلى الولايات المتحدة، وتجميد أصولهم في البنوك الدولية.
كما يسعى الكيان الإسرائيلي، من خلال لوبياته في الكونغرس الأمريكي، إلى تقليص الميزانية والدعم الدبلوماسي لهذا المجلس، ما قد يؤدي إلى عزله على المستوى الدولي، وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي انتقدا مجلس حقوق الإنسان سابقًا، إلا أن الهجوم الحالي على هذا المجلس بلغ مستوى غير مسبوق.
وفقًا لأحكام اتفاقية جنيف الرابعة ولوائح لاهاي لعام 1907، فإن الجرائم الموثقة في غزة تشكل انتهاكات جسيمة للقانون الدولي، وتنص المادة 27 من اتفاقية جنيف الرابعة على أن قوة الاحتلال ملزمة بحماية المدنيين من أي عنف جنسي أو اغتصاب أو إذلال، إلا أن نتائج تقرير مجلس حقوق الإنسان تشير إلى أن الكيان الإسرائيلي ينتهك هذه الأحكام بشكل منهجي.
ويؤكد خبراء القانون الدولي أن الجرائم المسجلة في هذا التقرير، بما في ذلك استخدام العنف الجنسي كسلاح حربي، تشكل بوضوح جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وحتى إبادة جماعية، كما يشير التقرير إلى أن ممارسات الجيش الإسرائيلي في غزة أدت إلى خلق أزمة إنسانية من خلال تعمد تعطيل الوصول إلى الخدمات الصحية والطبية.
التاريخ العدائي لأمريكا والكيان الإسرائيلي تجاه المؤسسات الدولية
تمتلك الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي تاريخًا طويلاً من العداء تجاه المؤسسات الدولية، ففي عام 2018، قررت إدارة ترامب الانسحاب من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، بحجة "التحيز ضد إسرائيل"، ومع ذلك، فإن هذا المجلس سبق أن حقق في انتهاكات حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم، ولم يكن الكيان الإسرائيلي سوى أحد الدول التي خضعت لمراقبته.
وبالإضافة إلى مجلس حقوق الإنسان، تصادم الكيان الإسرائيلي مرارًا مع منظمات أخرى مثل المحكمة الجنائية الدولية (ICC) والأمم المتحدة، ففي عام 2021، أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية عن فتح تحقيق رسمي في جرائم الحرب التي ارتكبها الاحتلال في فلسطين، لكن هذا القرار قوبل برد فعل قوي من قبل الكيان الإسرائيلي والولايات المتحدة، حيث هددت واشنطن بفرض عقوبات على مسؤولي المحكمة.
ردود الفعل الدولية وتصاعد الضغوط على الاحتلال
أثار نشر هذا التقرير موجة من ردود الفعل الدولية، فقد دعت العديد من المنظمات الحقوقية، بما في ذلك منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، إلى إجراء تحقيق مستقل وشامل في هذه الجرائم، كما بدأت بعض الدول، مثل جنوب إفريقيا وتركيا وعدة دول في أمريكا اللاتينية، في اتخاذ إجراءات دبلوماسية جديدة للضغط على الكيان الإسرائيلي.
وفي هذا السياق، طالبت بعض الحكومات بإحالة ملف جرائم الاحتلال إلى المحكمة الجنائية الدولية (ICC) وعلى الرغم من أن شكاوى سابقة بشأن جرائم الحرب الإسرائيلية قد تم رفعها أمام المحكمة، إلا أن هذا التقرير الجديد قد يسرّع عملية النظر في هذه القضايا.
إن سعي الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي لمعاقبة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة هو جزء من استراتيجية أوسع لقمع المؤسسات الدولية التي تكشف عن الاحتلال وجرائمه الحربية، ومع تنامي الوعي العالمي بمدى الجرائم التي يرتكبها الكيان الإسرائيلي، يزداد الضغط الدولي لمحاسبته على انتهاكاته بحق الشعب الفلسطيني.