الوقت- لطالما كانت فلسطين بمثابة القضية المركزية في العالم العربي والإسلامي، ليس فقط لأنها أرض تاريخية مقدسة، بل لأنها تمثل رمزًا للحرية والكرامة في وجه الظلم والاحتلال، ومع مرور الزمن، ازداد ثبات المقاومة الفلسطينية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي المدعوم دوليًا، وتزايد معها دعم الشعوب الحرة التي ترى في فلسطين جزءًا لا يتجزأ من نضالها ضد الطغيان، من بين هذه الشعوب، برز اليمن كأحد أقوى الداعمين لفلسطين، حيث سطر بوضوح موقفه الثابت في الوقوف إلى جانب قطاع غزة والشعب الفلسطيني في محنتهم، رغم التحديات التي يواجهها في الداخل والخارج، فما الذي يجعل اليمن يشدد على موقفه الثابت في دعم فلسطين؟ وكيف يمكن أن نقرأ هذا الموقف في ضوء المعطيات السياسية الحالية؟
اليمن.. نموذج الثبات في دعم القضية الفلسطينية
أعلن محمد البخيتي، عضو المكتب السياسي لحركة أنصار الله، في تصريحاته الأخيرة عن موقف يمني ثابت لا يتزعزع من دعم فلسطين مهما كانت الظروف والتحديات، مؤكدًا أن "اليمن لن يتراجع عن دعمه لفلسطين تحت أي ظرف".
هذا التصريح يحمل في طياته معانٍ عميقة تعكس الالتزام الصادق من دولة اليمن تجاه القضية الفلسطينية، ويُظهر كيف أن هذا الموقف الثابت لا يرتبط فقط بالخطاب السياسي، بل يتجسد في الواقع العملي في مختلف أبعاد الصراع العربي الإسرائيلي.
اليمن، الذي عانى هو الآخر من عدوان متعدد الأطراف، يتفهم جيدًا معاناة الشعب الفلسطيني وتحدياته في مواجهة الاحتلال، وبالتالي فقد أصبح هذا البلد جزءًا من معركة الكرامة المشتركة، فاليمن، وهو يعاني من الحصار والعدوان الأمريكي والسعودي المستمر منذ سنوات، يرى في دعم فلسطين دافعًا معنويًا لتقوية جبهته الداخلية ورفع الروح القتالية لأبناء شعبه، كما يرى في هذا الدعم رسالة قوية إلى القوى الكبرى التي تحاول السيطرة على مصير المنطقة.
التضامن اليمني مع غزة لا يقتصر فقط على الخطابات السياسية، بل يتجسد في أعمال ملموسة، بدءًا من التهديدات البحرية ضد الكيان الصهيوني، وصولًا إلى الردود العسكرية ضد التهديدات الأمريكية والإسرائيلية، فاليمن قد أكّد مرارًا وتكرارًا على أن حملته ضد الاحتلال الإسرائيلي لن تتوقف إلا بعد رفع الحصار عن قطاع غزة وتحقيق العدالة لفلسطين.
الطريق الذي لا يُمكن التراجع عنه... الدعم العسكري والسياسي لفلسطين
في التحليل الاستراتيجي، يظهر بوضوح أن موقف اليمن هو خيار طويل الأمد، يرفض الانجرار وراء أي حلول وقتية قد تضر بالقضية الفلسطينية، وهذا يتجسد في المواقف الصلبة التي أظهرتها حركة أنصار الله، التي تتمسك بمبدأ عدم التفاوض مع الاحتلال الإسرائيلي، وعدم السماح للقوى الدولية بالضغط لتقليص الدعم الفلسطيني، إذن، ما الذي يجعل موقف اليمن مختلفًا عن العديد من الأنظمة العربية الأخرى التي قد تتساهل أو تراهن على محادثات سلمية مع الاحتلال؟
الجواب يكمن في فهم الهوية الوطنية لليمن، التي لا يمكن فصلها عن الهوية العربية والإسلامية، فاليمن يعتبر أن الدفاع عن فلسطين ليس مجرد واجب سياسي، بل هو مبدأ ديني وأخلاقي، هذه الرؤية تجعل من دعم فلسطين جزءًا لا يتجزأ من الوجود اليمني، وعليه، يتجاوز هذا الموقف اليمني حدود المصالح الضيقة ليكون موقفًا أخلاقيًا يستحق الاحترام، لأنه يأتي في وقت تتراكم فيه الضغوط الدولية على بعض الدول العربية لتقديم تنازلات لمصلحة الاحتلال الإسرائيلي.
إن المواقف التي تتخذها حكومة أنصار الله، والتي تؤكد على استمرار العمليات العسكرية ضد الاحتلال الإسرائيلي حتى يتم كسر الحصار عن غزة، هي بمثابة تعزيز فعلي لمقاومة فلسطين، فاليمن يعلم أن التراجع عن دعم غزة يعني التراجع عن مقاومة الاحتلال في كل أنحاء المنطقة، وعليه، فإن موقفه يظل محفزًا لحركات المقاومة الأخرى في الشرق الأوسط التي تعتبر أن الدعم الشعبي والسياسي الفلسطيني هو السبيل الوحيد لاستعادة الحقوق العربية في فلسطين.
أمريكا في مرمى الرد اليمني
من خلال تحليل المواقف الرسمية، يتضح أن الولايات المتحدة الأمريكية هي أحد الداعمين الرئيسيين للاحتلال الإسرائيلي، حيث تقدم الدعم العسكري والسياسي المستمر له، ومن هنا تأتي التهديدات اليمنية المتزايدة لأمريكا بأنها ستظل تدافع عن فلسطين وتواجه التهديدات الأمريكية، حتى وإن كان ذلك يعني تعميق الحرب في المنطقة، فاليمن أطلق تحذيرات حاسمة تجاه التوسع الأمريكي في البحر الأحمر، مشيرًا إلى أن أمريكا تمثل تهديدًا حقيقيًا للملاحة الدولية.
لكن هذا الموقف يحمل في طياته بعدًا أكبر من مجرد الرد على الاعتداءات العسكرية الأمريكية، فهو رسالة مباشرة إلى الدول التي تتواطأ مع الاحتلال الإسرائيلي، مفادها بأن المقاومة الفلسطينية ستظل حاضرة بقوة في قلب الصراع، وأن أي محاولة لاحتواء القضية الفلسطينية ستواجه مقاومة عنيفة ومستمرة، حتى لو كانت الحرب بالوكالة.
التحليل الاستراتيجي للمرحلة المقبلة
اليمن اليوم، ومن خلال مواقفه الواضحة تجاه فلسطين، ينقلب على الصورة النمطية للأنظمة العربية التقليدية التي تتعامل مع الاحتلال الإسرائيلي بمراعاة الظروف السياسية الدولية، بدلاً من ذلك، يعكس الموقف اليمني تحولًا استراتيجيًا حقيقيًا في كيفية التعامل مع القضية الفلسطينية.
إن التحديات التي تواجهها غزة في هذه اللحظات الدقيقة من تاريخها، من حصار اقتصادي وعسكري، تستدعي من الجميع أن يظلوا موحدين في مواقفهم الداعمة لها، إن تواصل العدوان الأمريكي على اليمن، وتزايد المواقف الصارمة لحركة أنصار الله ضد هذه الاعتداءات، يثبت أن التضامن مع فلسطين ليس خيارًا بل هو ضرورة، إن الدعم اليمني لفلسطين لا يقتصر فقط على الجانب العسكري، بل يشمل أيضًا الدعم السياسي الذي يعزز من موقف المقاومة الفلسطينية في مواجهة الضغوط الدولية، واليمن، على الرغم من التحديات الكبيرة التي يواجهها في ظل الحصار والعدوان المستمر عليه، يثبت مرة تلو الأخرى أن دعم فلسطين لن يتوقف، مهما كانت الظروف.
ختاماً، إن موقف اليمن الثابت في دعم فلسطين يرسل رسالة قوية لكل من يظن أن الاحتلال الإسرائيلي يمكن أن يمر من دون رادع، فلسطين ستظل حية في قلوب المقاومين، والدماء التي سالت على أرضها ستكون نبراسًا للمستقبل. في النهاية، سيتحقق النصر لفلسطين لأن الشعوب الحرة، مثل اليمن، تؤمن أن الحرية لا تُعطى، بل تُنتزع.