الوقت- في مفارقة صارخة، تستمر الإمارات في تبني موقف مزدوج تجاه القضية الفلسطينية، من جهة، تُعلن باستمرار رفضها للاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية، مُعلنةً دعمها لحل الدولتين وفقًا للقرارات الدولية، ومن جهة أخرى، تقدم الإمارات نفسها على الساحة الدولية باعتبارها نموذجًا لعلاقات جديدة مع "إسرائيل"، ولا تكتفي بذلك، بل تستضيف شخصيات إسرائيلية من كبار المستوطنين في الأراضي المحتلة في لقاءات رسمية على أراضيها.
في خطوة غير مسبوقة، استضافت الإمارات وفدًا من قادة المستوطنين الإسرائيليين، بمن فيهم يسرائيل غانتس، رئيس مجلس مستوطنات الضفة الغربية، وإيليرام آزولاي، رئيس مجلس مستوطنات الخليل، في العاصمة أبوظبي، اللقاء الذي أُقيم خلال شهر رمضان المبارك، كان بمثابة ضربة للمبادئ العربية والإسلامية التي تعارض الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فالإمارات التي طالما روجت لمواقفها المُعلنة ضد الاستيطان، تجد نفسها الآن في موقف محرج، حيث لا تقف فقط ضد التصريحات الداعمة لفلسطين، بل تُسهم في تعزيز مشروعات الاستيطان بطرق غير مباشرة.
استضافة المستوطنين... خطوة مُثيرة للجدل
هذه الزيارة تأتي في وقت حساس، حيث يسود في المنطقة شعور بالاستياء من الممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتدعو الغالبية العظمى من الدول العربية والمجتمع الدولي إلى وقف الاستيطان وإعادة الحقوق الفلسطينية، ولكن في الإمارات، تقف هذه المواقف الرسمية في تناقض صريح مع سياسة التطبيع التي تنتهجها مع "إسرائيل"، وتطرح تساؤلات عميقة حول نوايا أبوظبي الحقيقية تجاه فلسطين.
من الواضح أن الإمارات تُسهم في دعم "إسرائيل"، بما يتجاوز مجرد العلاقات الدبلوماسية أو الاقتصادية، فاستضافتها لممثلين عن المستوطنات الإسرائيلية تعكس رغبة واضحة في تبرير وجود المستوطنات غير القانونية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وعلاوة على ذلك، لم تقتصر الإمارات على استقبال هؤلاء المسؤولين في لقاءات رسمية، بل احتفت بهم بدعوةٍ لتناول وجبة الإفطار في شهر رمضان، وهو ما يعكس مستوى من التفاعل الدبلوماسي الذي يثير الكثير من الاستفهامات حول الالتزام الإماراتي بالقضية الفلسطينية.
استثمارات الإمارات في التطبيع...هل تضر بالقضية الفلسطينية؟
من المؤكد أن الإمارات تسعى إلى تعزيز مكانتها الإقليمية والدولية عبر تحالفات استراتيجية مع "إسرائيل"، ولكن ما يثير الجدل هو الكيفية التي تدير بها هذا التحالف في وقت تتصاعد فيه الانتقادات العالمية للاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية، في هذا السياق، تظهر الإمارات كما لو أنها تسعى للحصول على المكاسب السياسية والاقتصادية من خلال تطبيع علاقتها مع "إسرائيل"، ولكن على حساب القضية الفلسطينية.
يظهر التناقض الإماراتي بشكل جلي في تصريحات المسؤولين الإماراتيين، الذين يُصرون على تأكيد موقفهم الرافض للاستيطان في تصريحاتهم العامة، بينما في الواقع، يُواصلون دعمهم للسياسات الإسرائيلية عبر فتح أبوابهم للمستوطنين، فكيف يمكن لدولة تُعلن عن دعمها للقضية الفلسطينية أن تبرر استقبال ممثلين عن المستوطنات التي تُعتبر غير قانونية بموجب القانون الدولي؟ كيف يمكن للإمارات أن تبقى في موقف حليف للفلسطينيين، بينما هي تفتح المجال أمام من يديرون أكبر مشاريع الاستيطان في الضفة الغربية؟
المصالح السياسية على حساب المبادئ
إضافة إلى ذلك، فإن هذا الموقف المزدوج يفتح الباب أمام تساؤلات حول جدية التزام الإمارات بما تدّعيه من دعم لفلسطين، هل الإمارات حقًا قادرة على دعم حقوق الفلسطينيين وهي تتحالف مع من يواصلون بناء المستوطنات على الأراضي التي يتوق الفلسطينيون إلى أن تكون جزءًا من دولتهم المستقلة؟ لا شك أن الإمارات تلعب على الحبال، موازنة بين تأكيد موقفها العربي والإسلامي وبين السعي وراء مكاسب سياسية واقتصادية عبر علاقتها مع "إسرائيل".
لقد تجاهلت الإمارات، بما لا يدع مجالًا للشك، حقيقة أن هذا التحالف مع "إسرائيل" سيكلفها الكثير في العالم العربي، فإذا كانت أبوظبي تريد أن تُظهر نفسها كداعم للحقوق الفلسطينية، فإن عليها أن تتوقف عن هذه الممارسات التي تُضفي شرعية على الاحتلال الإسرائيلي، استضافة ممثلين عن المستوطنات، في وقت يتصاعد فيه الرفض العربي لاستيطان الاحتلال، هي خطوة قد تكون في مصلحة الإمارات سياسيًا، ولكنها بالتأكيد تضعف موقفها في المنطقة العربية وتفقدها مصداقيتها أمام الشعوب العربية.
التناقض الإماراتي مواقف مزدوجة
إن الموقف الإماراتي في القضية الفلسطينية هو بالتأكيد مثال على التناقض بين المصالح السياسية والمبادئ الإنسانية، ما تفعله الإمارات الآن هو بمثابة خطوة غير محسوبة تجاه الشعب الفلسطيني الذي ينتظر من جميع الدول العربية أن تكون حاضرة بقوة في مواجهة الاحتلال والاستيطان، إن موقف الإمارات المزدوج يُظهر بوضوح أن هناك تلاعبًا بالمواقف لتحقيق مكاسب اقتصادية وجيوسياسية، ما يثير الشكوك حول مصداقية استراتيجيتها الإقليمية.
بينما تواصل الإمارات رفع شعارات الدعم لفلسطين، فإنها تتسارع في تقديم تسهيلات للتعاون مع الاحتلال، وهو أمر يتنافى مع أي فكرة عن الوقوف إلى جانب الفلسطينيين في معركتهم ضد الاحتلال، إن هذه المواقف تضع الإمارات في مكان صعب على الساحة الإقليمية والدولية، حيث تتضارب مواقفها مع ما يقتضيه الموقف العربي والإسلامي التقليدي من دعم لفلسطين، قد تحقق الإمارات مصالحها في الوقت الحالي، لكنها لا تستطيع تجاهل الواقع السياسي الذي يراه العرب والعالم في محيطهم الإقليمي.
هل يمكن أن تتغير المواقف؟
إلى متى سيظل هذا التناقض قائمًا؟ وهل ستستطيع الإمارات الحفاظ على توازنها بين التحالف مع "إسرائيل" والحفاظ على مصداقيتها في العالم العربي؟ هذه أسئلة تبقى دون إجابة واضحة في الوقت الحالي، ولكن ما هو مؤكد أن المواقف المزدوجة لا تدوم طويلاً، وسيتعين على الإمارات في نهاية المطاف اتخاذ قرار حاسم بشأن كيفية التعامل مع هذه القضية المركزية بالنسبة للعالم العربي.