الوقت - في تطور غير مسبوق على الساحة الدولية، أعلنت تسع دول عن تأسيس "مجموعة لاهاي"، وهو تحالف يهدف إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، ودعم حقوق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، ومحاسبة "إسرائيل" على انتهاكاتها الجسيمة للقانون الدولي، وخاصة في ضوء الحرب المستمرة على غزة والانتهاكات المستمرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
جاء هذا الإعلان خلال مؤتمر عقد في مدينة لاهاي الهولندية، حيث أكدت الدول المؤسسة أن عمل المجموعة سيتركز على اتخاذ إجراءات قانونية واقتصادية ودبلوماسية ضد "إسرائيل"، في خطوة تعكس تحولات كبيرة في كيفية تعاطي المجتمع الدولي مع القضية الفلسطينية.
وقد لاقت هذه الخطوة ترحيبًا فلسطينيًا واسعًا، وخصوصًا من قبل حركة حماس، التي اعتبرتها تحولًا جوهريًا في المساعي الدولية لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي.
وفي أول تعليق لها على تأسيس التحالف الجديد، أشادت حركة حماس بالمبادرة ووصفتها بأنها "خطوة مهمة وجوهرية" نحو إنهاء الاحتلال الإسرائيلي.
وفي بيان رسمي، قالت الحركة: "نشيد بمبادرة كل من جنوب إفريقيا، وماليزيا، وكولومبيا، وبوليفيا، وكوبا، وهندوراس، وناميبيا، والسنغال، وجزر بليز، المؤسسة لمجموعة لاهاي، ونعتبرها تطورًا استراتيجيًا في دعم حقوق الشعب الفلسطيني".
وأكدت حماس أن نهاية الاحتلال لا يمكن أن تتحقق دون رفع تكلفة استمراره وعزله دوليًا، مشيرة إلى أن التحالف الجديد يمثل خطوة مماثلة لما حدث مع نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، والذي لم يسقط إلا بعد تصاعد الضغوط الدولية عليه سياسيًا واقتصاديًا.
كما شددت الحركة على ضرورة تحقيق العدالة الدولية ضد مجرمي الحرب الإسرائيليين، تمامًا كما حدث مع قادة الأنظمة الفاشية والنازية في التاريخ، داعية المجتمع الدولي إلى الانضمام إلى التحالف دعمًا للعدالة وحقوق الإنسان.
لماذا تأسست "مجموعة لاهاي"؟
جاء تأسيس مجموعة لاهاي استجابة للتصعيد الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، وخاصة في الحرب المستمرة على غزة التي أسفرت عن مقتل وإصابة أكثر من 159 ألف فلسطيني، معظمهم من الأطفال والنساء، إلى جانب كارثة إنسانية هي الأسوأ في العقود الأخيرة.
قادت جنوب إفريقيا تحركًا أمام محكمة العدل الدولية تتهم فيه "إسرائيل" بارتكاب إبادة جماعية، وهو تطور غير مسبوق يعكس تزايد الاعتراف القانوني العالمي بالجرائم المرتكبة ضد الفلسطينيين.
بدأت دول من أمريكا اللاتينية وإفريقيا وآسيا تتخذ مواقف أكثر حزمًا ضد "إسرائيل"، متجاوزة الإدانات الدبلوماسية إلى فرض قيود اقتصادية وعسكرية ودبلوماسية مباشرة.
كما أن تزايد الإحباط من عدم قدرة المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية على محاسبة "إسرائيل"، دفع هذه الدول إلى التحرك بشكل مستقل عبر هذا التحالف الجديد.
أيضا الحرب الحديثة لا تقتصر على المعارك العسكرية، بل تعتمد على سلاسل إمداد لوجستية عالمية، وهو ما يدفع مجموعة لاهاي إلى تعطيل الإمدادات العسكرية الإسرائيلية كأحد أساليب الضغط الفعالة.
تسعى المجموعة إلى محاصرة "إسرائيل" عبر ثلاثة مسارات رئيسية:
1. المسار القانوني: فرض المساءلة الدولية
تفعيل قرارات محكمة العدل الدولية والجمعية العامة للأمم المتحدة، التي تطالب بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي.
دعم أي أوامر اعتقال تصدرها المحكمة الجنائية الدولية ضد المسؤولين الإسرائيليين المتهمين بارتكاب جرائم حرب.
الضغط لتنفيذ التدابير المؤقتة الصادرة عن محكمة العدل الدولية بشأن الحرب في غزة.
2. المسار الاقتصادي: تعطيل الدعم العسكري لـ"إسرائيل"
فرض حظر على تصدير الأسلحة إلى "إسرائيل" إذا كان هناك خطر في استخدامها بجرائم حرب.
منع استقبال السفن التي تحمل شحنات عسكرية إلى "إسرائيل" في موانئ الدول الأعضاء.
مقاطعة الشركات العالمية المتورطة في دعم الاحتلال الإسرائيلي عسكريًا أو ماليًا.
3. المسار الدبلوماسي: توسيع التحالف الدولي ضد الاحتلال
دعوة المزيد من الدول للانضمام إلى التحالف، بما في ذلك دول أوروبية وآسيوية.
تشجيع الدول على قطع العلاقات الدبلوماسية أو فرض عقوبات سياسية على "إسرائيل".
تعزيز التعاون مع الأمم المتحدة والهيئات القانونية الدولية لمحاسبة "إسرائيل".
مواقف الدول المؤسسة
لكل دولة في "مجموعة لاهاي" سجل حافل في دعم القضية الفلسطينية، وبعضها اتخذ بالفعل إجراءات ملموسة ضد "إسرائيل"، حيث قادت جنوب إفريقيا الدعوى أمام محكمة العدل الدولية ضد "إسرائيل" بتهمة الإبادة الجماعية.
بينما دعمت ناميبيا القضية وحثت الدول الأخرى على اتخاذ إجراءات قانونية مماثلة وكولومبيا أوقفت جميع واردات الأسلحة الإسرائيلية وعلقت صادرات الفحم إليها.
من جهتها بوليفيا قطعت العلاقات الدبلوماسية بالكامل مع "إسرائيل" احتجاجًا على العدوان على غزة، وماليزيا وهندوراس فرضتا قيودًا على السفن التجارية الإسرائيلية، والسنغال وبليز رفضتا التعاون التجاري مع الشركات الداعمة لـ"إسرائيل".
يعد تشكيل "مجموعة لاهاي" تحولًا استراتيجيًا في التعامل الدولي مع الاحتلال الإسرائيلي، ما قد يؤدي إلى تصاعد الضغوط القانونية على "إسرائيل"، وخاصة مع ازدياد القضايا المرفوعة ضدها في المحاكم الدولية، وتشديد القيود الاقتصادية، ما قد يحد من قدرتها على الحصول على الإمدادات العسكرية والتكنولوجية اللازمة لاستمرار عملياتها العسكرية، ومضاعفة الضغوط الدبلوماسية، وخاصة إذا توسع التحالف ليشمل مزيدًا من الدول.
لكن في المقابل، يواجه هذا التحالف تحديات كبيرة، أبرزها الضغوط الأمريكية والأوروبية لمنع فرض عزلة دولية على "إسرائيل"، حيث هددت واشنطن بفرض عقوبات على الدول التي تدعم ملاحقة المسؤولين الإسرائيليين قضائيًا.
إن إعلان "مجموعة لاهاي" يمثل تحولًا عميقًا في التعاطي الدولي مع القضية الفلسطينية، إذ لم تعد الإدانات الدبلوماسية كافية، بل انتقلت بعض الدول إلى خطوات عملية تهدف إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، ولكن يبقى السؤال: هل ستنجح هذه المبادرة في فرض عزلة دولية حقيقية على "إسرائيل"، أم إن المصالح الجيوسياسية الكبرى ستُجهض هذه الجهود كما حدث في السابق؟
