الوقت- على الرغم من السلام النسبي الذي يسود مناطق مختلفة من سوريا، إلا أن محافظة دير الزور لها قصة مختلفة، ومن وقت لآخر تحدث صراعات محلية بين العشائر العربية والقوات غير المدعوة، وبدأت الاشتباكات بين بعض عرب دير الزور وقوات سوريا الديمقراطية المعروفة بـ "قسد" صيف العام الماضي، واحتدمت من جديد في أيام الحرب، وبهذا الخصوص قال مصدر ميداني في دير الزور: إن قوات سوريا الديمقراطية استهدفت الخميس الماضي، منطقة "كورنيش الميادين" على الضفة الغربية لنهر الفرات، حيث تقع مؤسسات الحكومة السورية، والبدو الرحل العرب، وردت القوات على هذه الهجمات ما أدى إلى نشوب صراعات مسلحة بين الجانبين.
وتمكن مسلحو العشائر العربية في ريف دير الزور الشرقي من السيطرة على عدة قواعد كردية في مدينتي ذيبان وتيانه بعد اشتباكاتهم مع قوات سوريا الديمقراطية، كما أكدت مصادر إعلامية بدير الزور تراجع معظم النقاط العسكرية التابعة لقوات سوريا الديمقراطية في مدينة ذيبان بعد هجوم البدو على مبنى البريد والمدرسة الإعدادية، ونشرت وسائل إعلام تابعة لعشائر دير الزور مقاطع فيديو تظهر قيام الميليشيات العربية بإلحاق أضرار كبيرة بقوات قسد والعتاد العسكري لهذه المجموعة بعد استقرارها في مدينة ذيبان.
وحسب مصادر محلية، فقد أسفرت هذه الاشتباكات عن مقتل 5 عناصر من قوات سوريا الديمقراطية، كما هاجمت قوات البدو إحدى نقاط قوات سوريا الديمقراطية قرب جسر الإشارة من جهة بلدة دارنج، بالتزامن مع نقل أهالي مدينة الإشارة إلى مناطق أكثر أماناً، وفرضت قوات سوريا الديمقراطية حظر التجوال عقب تحركات القوات العشائرية في مدن الصباح والضحلة وأبريها والبصيرة، كما أعلنت عبر مكبرات الصوت في المساجد أن القناصة سيستهدفون كل من يخالف حظر التجوال.
ما هي القصة؟
وتأتي هذه الأحداث بعد إعلان الشيخ إبراهيم الهفل، شقيق شيخ عشيرة العكيدات ورئيس الميليشيا المعروفة بـ”جيش العشائر”، النفير العام بهدف استعادة أراضي المدينة، مدينة ذيبان التي سيطرت عليها قوات سوريا الديمقراطية مؤخراً، وترغب عشائر دير الزور في تعزيز مكانة العرب في المؤسسات السياسية لـ"الإدارة الذاتية" التي تهيمن عليها الكوادر القيادية لحزب الاتحاد الديمقراطي السوري (PYD)، الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، وهذا على حساب عرب المنطقة.
وتتهم مجموعات قسد بعض العشائر العربية بالتعاون والتواصل مع دمشق، واعتقلت حتى الآن عدداً من وجهاء هذه العشائر، وأججت هذه التصرفات من تصاعد التوتر، وفي آب/أغسطس الماضي، وبعد اعتقال أحمد الخبيل قائد مجلس دير الزور العسكري من قبل قوات سوريا الديمقراطية، اندلعت اشتباكات مسلحة بين الطرفين، استمرت لعدة أيام، وكان مظلوم عبدي زعيم قوات سوريا الديمقراطية قد تعهد حينها بالاستجابة لمطالب العشائر العربية بعد انتهاء الصراعات وتصحيح الأخطاء التي ارتكبت في إدارة المنطقة.
أما فيما يتعلق بكيفية معالجة القصور، فقد وعد عبدي بإصلاح المجلس المدني التابع للإدارة الذاتية، والذي يدار تحت إشراف المحافظة، وتشكيل مجلس دير الزور العسكري التابع لقوات سوريا الديمقراطية، بحيث يتمكن ممثلون عن كل القبائل من التواجد ولكن بعد ثلاثة أشهر لم يتم الوفاء بأي من هذه الوعود وأدى هذا الموضوع إلى استياء العرب، وتسيطر قوات سوريا الديمقراطية بشكل كامل على المؤسسات السياسية وموارد دير الزور، الأمر الذي أدى إلى زيادة الشعور بالظلم والاستغلال والتهميش السياسي لدى السكان المحليين.
وعلى الصعيد الأمني، تواصل قوات سوريا الديمقراطية تنفيذ حملات الاعتقال التعسفي التي تستهدف الشباب العربي في دير الزور وسياسة التجنيد القسري والتهجير الممنهج، الأمر الذي أدى إلى زيادة الغضب الشعبي الذي بقي كالنار في الهشيم في دير الزور، حيث إن وجود القوات الأمريكية في المنطقة، التي تدعم قوات سوريا الديمقراطية ضد العرب وتسليحهم لمواجهة الحكومة المركزية، هو جزء من المشكلة وليس الحل.
ويريد البدو العرب تمكين سكان المناطق التي يسكنها العرب من الإدارة بشكل مباشر ومستقل عن قوات سوريا الديمقراطية على المستوى العسكري والأمني والشرطي والخدمي والاقتصادي والسياسي، كما يطالب العرب بتوزيع عادل لموارد دير الزور بين السكان العرب والأكراد من أجل حل بعض المشاكل المعيشية التي أصابتهم خلال العقد الماضي.
إن مهمة قوات سوريا الديمقراطية واضحة وهي أنها مدعومة مالياً وعسكرياً من قبل الولايات المتحدة، لكن القبائل العربية التي تتواجد بشكل أساسي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة المركزية، لا تملك وثيقة صالحة سواء كانت مدعومة من قبل الولايات المتحدة أم من دمشق أم من قبل جهات أجنبية.
ومع ذلك، يزعم بعض الخبراء أن الحكومة المركزية وإيران تقدمان الدعم بالسلاح للميليشيات العربية في دير الزور حتى تتمكن من طرد قوات الاحتلال الأمريكية من هذه المحافظة الغنية بالنفط، وبما أن غالبية سكان دير الزور هم من البدو العرب، فإن المناطق الاستراتيجية في هذه المحافظة، بما في ذلك حقول النفط والغاز، تخضع لسيطرة الأكراد، ولا يستطيع العرب الوصول إلى مصادر الدخل، ويسيطر أكراد قسد على هذه المنطقة بدعم من الولايات المتحدة، بينما لا توجد مناطق كردية شرق دير الزور، والعشائر العربية غاضبة من تهميشها من قبل قوات الاحتلال وتطالب بحقوقها.
الأهمية الاقتصادية والعسكرية لدير الزور
تحظى محافظة دير الزور شرق سوريا بأهمية كبيرة لدى جميع الجهات المحلية والإقليمية والدولية، وتتمتع هذه المحافظة بموقع استراتيجي حيوي جعلها مكاناً للمنافسة في العديد من النواحي، وتقع مدينة دير الزور على ضفاف نهر الفرات وبالقرب من حدود العراق، وتبلغ مساحتها حوالي 33 ألف كيلومتر مربع، ويبلغ عدد سكانها أكثر من مليون نسمة.
وتربط دير الزور بين البلدين الجارين العراق والأردن، كما تطل على خمس محافظات سورية هي حمص وحماة والرقة والحسكة وريف دمشق، كما تعد دير الزور إحدى نقاط الطريق البري الذي يربط لبنان بإيران عبر سوريا، وإلى جانب موقعها، ترجع أهمية دير الزور إلى وجود محطات النفط والغاز ومعالجة وضخ النفط والغاز عبر شبكة الأنابيب، الأمر الذي أبرز مكانتها لدى القوى الدولية، ومن المهم للغاية بالنسبة لأمريكا أن تظل المناطق الاستراتيجية المحررة من براثن تنظيم "داعش" الإرهابي، والواقعة على الحدود المشتركة بين سوريا والعراق، بعيدة عن سيطرة الحكومة المركزية وقوى المقاومة، ولهذا السبب تقوم الولايات المتحدة منذ سنوات قليلة بنهب عشرات ناقلات النفط السورية يومياً وتنقلها إلى دول أخرى، وهو ما يدر مليارات الدولارات بهذه الطريقة.
ومن خلال تعزيز مواقع الأكراد، تعتزم الولايات المتحدة قطع طريق الاتصال بين بغداد ودمشق وترسيخ احتلالها طويل الأمد، وبالتالي، تعمل بطريقة ناعمة على تعزيز قوات سوريا الديمقراطية في جميع مناطق دير الزور من أجل مواصلة نهب موارد سوريا، وبعد حرمانهم من هذه الإيرادات الوطنية، بدؤوا في الاحتجاج لتولي إدارة هذه الموارد البكر، بالإضافة إلى ذلك، تريد الولايات المتحدة إنشاء قواعد دائمة في سوريا، ولتحقيق هذه الخطط، فإنها تحتاج إلى مساعدة الحلفاء الأكراد، والبدو هم شعر أنف واشنطن في هذا الأمر.
من جهة أخرى، ساهم موقع معبر "البوكمال" في دير الزور في مضاعفة أهمية هذه المنطقة من الناحية العسكرية، وبما أن الولايات المتحدة تسيطر على قاعدة "التنف"، فإن البوكمال لها دور ومكانة بارزة بالنسبة لدمشق وحلفائها، الذين يمكنهم مراقبة تحركات الغزاة من هذا المعبر.
وفي هذا الصدد، قام الجيش السوري أيضاً بتعزيز التحصينات العسكرية في البوكمال في السنوات الأخيرة، وأجرى تدريبات لتطهير هذه المناطق من إرهابيي تنظيم "داعش"، كان آخرها في الأيام الأخيرة.
وفي هذا الصدد، أنهى الجيش السوري وحلفاؤه، الخميس الماضي، مناورة عسكرية برية على الحدود السورية والعراقية في بادية البوكمال، وحسب الجيش فإن هذه التدريبات تحاكي عملية مواجهة برية مع تحركات كبيرة للمسلحين في منطقة التنف والمناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية على الضفة الشرقية لنهر الفرات بهدف قطع طرق الاتصال بين بغداد ودمشق، ولذلك يبدو أن الولايات المتحدة قلقة من التحركات العسكرية للمقاومة في البوكمال، وتحاول تعزيز مواقعها في دير الزور.
أصبحت دير الزور، بحكم موقعها وثرواتها، نقطة تحول مهمة في الصراع السوري، ما يعني أن السيطرة عليها تعتبر مهمة في وزن أوراق الأطراف الفاعلة في عملية الحل النهائي في سوريا، وإن التوترات القائمة بين العشائر المدعومة من الحكومة والأكراد والسياسات المتناقضة للولايات المتحدة، كلها عوامل تساهم في تأجيج الوضع وتعقيده في هذه المنطقة، لذلك فإن الحاجة ملحة لإيجاد حلول تراعي مصالح أهالي دير الزور وتعزز الاستقرار والتنمية في هذه المنطقة، وهذا الموضوع لا يمكن تحقيقه إلا بطرد المحتلين من الشمال السوري وتوكيل إدارة العملية السياسية والمؤسسات وموارد الطاقة إلى الحكومة المركزية.