الوقت- تحاول بغداد منذ فترة طويلة تعزيز نظامها الدفاعي من خلال تقليص الهيمنة الدفاعية لقوات الاحتلال في هذا البلد.
بعد الغارات الأخيرة للمقاتلات الإسرائيلية لمهاجمة إيران باستخدام سماء العراق، شهد الجو الإعلامي في هذا البلد مرة أخرى مطالبات شعبية بشراء المزيد من الأنظمة المضادة للطائرات بهدف منع تكرار اعتداءات مماثلة من قبل الصهاينة وتقليل اعتماد البلاد على الأسلحة في الصناعة العسكرية الأمريكية.
ويرى شعب العراق أن سيطرة قوات الاحتلال الأمريكية على بنية الجيش والأمن والاستخبارات وحتى أنظمة الدفاع الجوي لهذا البلد لعبت دورا مهما في دخول مقاتلات الكيان الصهيوني إلى سماء العراق صباح السبت بهدف تنفيذ هجمات ضد إيران.
سماء إقليم كردستان خارجة عن سيطرة الحكومة المركزية
قسمت القوات الجوية العراقية سماء بلادها بشكل عام إلى أربع مناطق: المنطقة الأولى؛ وتشمل محافظات بغداد والنجف وواسط وغيرها من الأماكن المركزية.
المنطقة الثانية؛ محافظة الأنبار غربي العراق، المنطقة الثالثة؛ ذي قار وميسان والمثاني والبصرة وغيرها من محافظات جنوب العراق، والمنطقة الرابعة؛ وتغطي محافظتي كركوك والموصل (نينوى).
النقطة المهمة في هذا التقسيم هي أن الحكومة المركزية في بغداد لا تملك إمكانية الوصول إلى المحافظات الثلاث: دهوك وأربيل والسليمانية، حيث إنه منذ أن أعلن الأمريكيون الحكم الذاتي لإقليم كردستان عام 1991، ظلت سماء شمال العراق محتلة.
قبل لحظات من هجوم مقاتلات الكيان الصهيوني في سماء العراق، صباح السبت، كانت القواعد الأمريكية في حالة تأهب قصوى، وبناء على ذلك، حظرت قيادة الجيش الأمريكي في العراق تحليق أي طائرة مدنية فوق قاعدتي "الحرير" في أربيل و"عين الأسد" في الأنبار.
جهود الحكومة العراقية لشراء أنظمة دفاعية
وكانت مصادر عراقية قد أعلنت، في الأيام الماضية، أن مجلس الدفاع والأمن العراقي، برئاسة "ثابت العباسي"، وزير دفاع هذا البلد، اقترح مؤخراً على عدة دول أوروبية، من بينها فرنسا، وحتى كوريا الجنوبية، مساعدة الحكومة العراقية من خلال توفير أنظمتها المضادة للطائرات في تأمين سماء هذا البلد.
في البداية، كانت كوريا الجنوبية ضد خطة العراق لاستخدام أنظمتها، لكن أخيرا، خلال مزاد هذا الصيف، تمكنت الحكومة العراقية من شراء نظام "تشيونغانغ 2" (الذي يعني قوس السماء) بقيمة 2.8 مليار دولار تقريبا.
وفي العقد المبرم بين العراق وكوريا الجنوبية، طلب العراق ثلاث بطاريات من هذا النظام، لكن الشركة الكورية أعلنت أنها قادرة حاليا على تسليم بطاريتين فقط إلى بغداد.
هذا على الرغم من أن السعودية سبق أن اشترت 10 بطاريات من نظام آرك سكاي بقيمة 3.2 مليارات دولار، وفي عام 2022، وقعت حكومة الإمارات عقداً بقيمة 3.5 مليارات دولار مع شركة LIG NEX1 المصنعة لهذا النظام.
وبطبيعة الحال، وعلى الرغم من الجهود المبذولة لتعزيز نظام الدفاع الجوي والدفاع العراقي، فإن سيطرة أمريكا على سماء هذا البلد لم تضعف فحسب، بل تتعزز.
وقالت وسائل إعلام عراقية، في الأيام الأخيرة، إن وزارة الخارجية العراقية، بعد اجتياح الطائرات المقاتلة الإسرائيلية لأجواء هذا البلد لمهاجمة أهداف في إيران، استنادا إلى بنود اتفاق 2008 الذي يعتبر حجر الزاوية في اتفاق 2021، ووجهت مفاوضات 2023 و2024 تحذيرات للجانب الأمريكي بشأن مخالفة بنود هذا الاتفاق.
وترى بغداد أن البند الذي يبين التعاون بين العراق والولايات المتحدة من عسكري إلى اقتصادي قد تم انتهاكه بعد دخول "إسرائيل" المجال الجوي العراقي، ويرى بعض الخبراء الأمنيين العسكريين في العراق أن على بغداد إضافة شروط إلى هذا البند لإنهاء الهيمنة المطلقة للأمريكيين على أمن الأجواء العراقية من خلال الاعتماد عليها.
أسباب رغبة بغداد في شراء أنظمة دفاع كورية
ونظام "سكاي آرك" الذي اشتراه العراق من كوريا الجنوبية، هو في المقام الأول نظام دفاعي متوسط المدى، لديه القدرة على المراقبة على مسافة 40 كيلومترا حتى ارتفاع 15 كيلومترا، وأنتجت سيول هذا النظام لمواجهة كوريا الشمالية، ووفقا لمسؤولين عسكريين كوريين جنوبيين، ففي اختبار أجري عام 2017، سجل هذا النظام نجاحا بنسبة 100% في رصد واستهداف الأهداف المعادية.
غالبًا ما يتم نشر الأنظمة الدفاعية التي اشتراها العراق في المناطق الغنية بالنفط وبالقرب من القواعد العسكرية، وهي غير قادرة على ضمان تغطية شاملة لسماء البلاد، وفي الواقع فإن الأنظمة التي يشتريها العراق ليس لديها القدرة على السيطرة على كامل نطاق السماء العراقية.
وفي عام 2023، عندما وافقت الولايات المتحدة على خطتها لسياسة الدفاع الوطني، ذكر أحد بنودها مسألة الجيش العراقي والبشمركة.
وفي العام نفسه، قام "ريبر أحمد"، وزير داخلية إقليم كردستان العراق، بترتيب لقاء مع أحد ممثلي الكونغرس الأمريكي بهدف زيادة الدعم الأمريكي لإقليم كردستان، وتعهد الأمريكيون بعد هذا اللقاء بزيادة دعمهم للقواعد والأماكن المهمة، وخاصة في إقليم كردستان.
لكن منذ استشهاد الجنرال الحاج قاسم سليماني، والشهيد أبو مهدي المهندس قائد الحشد الشعبي العراقي، تتزايد الدراسات الاجتماعية في العراق من أجل إنهاء وجود قوات الاحتلال الأمريكي وهيمنة جيش هذا البلد فوق الآليات العسكرية والأمنية للعراق.
وزعمت بعض وسائل الإعلام العراقية مؤخراً أنه قبل أيام قليلة من الهجوم الإسرائيلي على إيران، أرسل الأمريكيون رسالة تحذير إلى الحكومة العراقية وهددوا فيها إذا اعترض الجيش أو أي منظمة عسكرية أخرى في العراق المقذوفات الإسرائيلية في طريقها من العراق لاستهداف الجانب الإيراني، فلن تتمكن واشنطن من تقديم أي ضمانة للدفاع عن العراق ضد أي هجوم إسرائيلي محتمل.
منذ بداية هجمات جيش الكيان الصهيوني الإجرامي على غزة في أكتوبر 2023 وحتى اليوم، حاولت الحكومة العراقية دائمًا الجمع بين سياستين في وقت واحد تجاه أزمة غزة وعواقبها الإقليمية: أولاً، المقاومة العراقية بما يتماشى مع الدعم والمساندة المناهضة للصهيونية من أجل تخفيف الضغوط المتزايدة التي يمارسها الجيش الصهيوني على النساء والأطفال الفلسطينيين الأبرياء الذين يعيشون في غزة، وثانيا، للحفاظ على الاستقرار داخل العراق وحمايته من أي مؤامرات صهيونية وأمريكية في هذا البلد.
وقد دفعت هذه المواقف بغداد، مع احتفاظها بمواقفها المناهضة للصهيونية، والتعبير عن استيائها من دعم البيت الأبيض العلني والسري من تل أبيب في تصعيد التوترات الإقليمية، إلى محاولة تعزيز قاعدتها الدفاعية من خلال شراء أنظمة دفاعية من دول أخرى في العالم بهدف تقليل الاعتماد على الأسلحة الأمريكية والبنية التحتية العسكرية.